هل الموت ينتظر جيمس بوند بعد "لا وقت للموت، وهل" تُطوى صفحته بعد حوالي 68 عاماً على إبصاره النور؟ فالكلام يدور اليوم على تقاعده.
وغالباً ما يعتبر البريطانيون أن أزمة السويس في 1956 آذنت بأفول زمن "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس". وثمة من يرى أن شخصية جيمس بوند التي أبصرت النور في 1953 في رواية "كازينو رويال" لإيان فليمينغ، كانت من إرهاصات الأفول هذا. فالبطولة والمآثر الوطنية تعود إلى بطل مفرد "إفراد البعير" وليس إلى أساطيل بحرية أو جوية.
ولكن هل تقاعده يؤذن بطور جديد تمر فيه بريطانيا بعد "بريكست" في زمن ترفع فيه لندن لواء "رؤية بريطانيا العالمية"؟ وهل هو مرآة تغيرات اجتماعية وجندرية؟ فخليفته في "لا وقت للموت" هي سيدة ترتدي البذلة. وهي أنثى سوداء البشرة. أما شريكته في ميدان مواجهة "الخصم" "السوفياتي"، فهي شابة فاتنة برداء سهرة يلتقيها في حفل في مشهد كان في سلسلة أفلام بوند السابقة لينتهي في السرير على خلاف ما هي الحال في "لا وقت للموت". وهذه الشابة عميلة في "سي آي أي" وتفاجئه بقدراتها على المناورة ومهاراتها في فنون القتال، وحين يسأل عن ذلك تقول إنها خضعت لتدريبات سريعة، فلا يصدق زعمها موحياً بأن هذه المهارات تقتضي زمناً لمراكمتها. ومن عالم الحرب الباردة، يستلّ الفيلم معلماً من مواجهات ذاك الزمن، كوبا. ولكنها في الفيلم مربع ليلي فحسب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهذا الفيلم صدر قبل أشهر من اندلاع الحرب في أوكرانيا والاجتياح الروسي في 24 فبراير (شباط) 2022، وكان طرحه في الأسواق تأخر وأرجئ مراراً وتكراراً جراء جائحة كورونا. ولكنه بدا وكأنه يسير على هدى سلسلة أفلام بوند الصادرة قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وأن ثمة حنيناً إلى زمن "الشرير" فيه معروف الهوية: روسي. ولكنه في "لا وقت للموت" ليس الروسي الشرير "الأكبر"، بل مجرد عالم خائن يشي بأسرار خطيرة وفتاكة عن أسلحة بيولوجية، بينما الشرير مجرم به مسّ ومخبول يشبه أشرار أفلام شركة مارفيل حيث يتواجه أبطال جبابرة مع شرير ثري وفيه خبل في سبيل إنقاذ المعمورة.
أما مهمة بوند الأخيرة، فتطوعية ولم يكلفه بها رسمياً جهاز الاستخبارات البريطانية "أم آي 6". غير أن ماضيه "البوندي" يلاحقه. فيتصل به زميله السابق في هذا الجهاز ويرجوه العودة لإنقاذ العالم.
يبدو "لا وقت للموت" وكأنه من بنات الشاشة الصغيرة وليس السينما. فهو إخراجياً ضعيف ولا تشفع له المؤثرات المشهدية ولا الانفجارات الضخمة. وكأن بوند لا يطوي فقط في مهمته الأخيرة حياة مهنية ما بعد تقاعده، بل يطوي كذلك عالم غزل ذكوري تغلب عليه علاقات عابرة بالفاتنات في عالم الجاسوسية. فهذه المرة يبدو أنه لا يزال أسير علاقة حب انتهت في مطلع الفيلم باختفاء أثر الحبيبة واقتناعه بأنها الخائنة التي وشت به. ولكنها تظهر بعد أعوام ومعها ابنة تشبهه، بيضاء شقراء وعيناها زرقاوان، ولا يخفاه أنها على الأرجح ابنته. ولكن ابنة أشهر عميل بريطاني فرنسية اللسان. فكأن بريطانيا ليست فقط "عالمية" بحسب الرؤية الاستراتيجية "الجونسونية" (نسبة إلى رئيس الوزراء بوريس جونسون)، بل أوروبية!
ففي "لا وقت للموت"، وكأن المنية اختيارية وتستأذن من تصيب، بوند والد ابنة يسعى إلى إنقاذها من مختطفها وليس إلى إنقاذ وطنه فحسب من خطر محدق. وعنوان الفيلم قد يشي بأن لخاتمته ربما تتمة. فعلى الرغم من أن المشهد الأخير يصور انفجاراً عظيماً في جزيرة الشرير، حيث كان بوند يسعى إلى نزع فتيل سلاحه البيولوجي، إلا أن المشاهد لا يرى فعلاً موته ولا جثمانه. وكأن النهاية مفتوحة على بدايات... تلفزيونية ربما في حياة أخرى.