يمكن القول، وبقليل من التسامح، إنه لم يمر على الإدارة الإيرانية ما بعد الثورة الإسلامية، شخصية مثيرة للجدل، وكانت تحت أعين الناشطين والمراقبين السياسيين والاجتماعيين، ومتابعتهم وتقصي هفواتهم، كشخصية رئيس البرلمان الحالي الجنرال في حرس "الثورة الإسلامية" محمد باقر قاليباف.
وظاهرة الفساد المالي والاستفادة من الامتيازات غير القانونية وعلى حساب المصالح العامة، لا يمكن حصرها في حالة أو بعض الحالات الشاذة في تاريخ الثورة التي قامت ضد نظام الشاه الملكي المتهم بشتى أنواع السرقة والاستحواذ والصفقات والسمسرات والبذخ على حساب الشعب الذي كان يعاني أنواعاً من الظلم والفقر والحرمان، واستئثار جماعة قليلة ومقربة من حاشية الشاه بكل موارد البلاد وخيراتها الكبيرة التي ازدادت في عقد السبعينيات بشكل كبير بعد الفورة النفطية.
وفي هذا الإطار، كانت المبالغ الضخمة والتكاليف الباهظة التي صرفت في احتفالية مرور 2500 عام على الملكية في إيران التي أقامها الشاه عام 1975 في الموقع الأثري التاريخي في "برسبوليس" بالقرب من مدينة شيراز ودعوته جميع زعماء العالم، أحد المحركات الرئيسة لتحشيد الجماهير في شوارع المدن الإيرانية والمطالبة بمحاكمته وإطاحته، وقد احتلت هذه الاحتفالية موقعاً بارزاً في الخطابات التحريضية التي كان يلقيها زعيم الثورة آية الله روح الله الموسوي الخميني من الخارج.
وقد وصلت الأمور، بعد الإطاحة بالشاه، أن طالبت قيادة الثورة، باستعادة الأموال التي استولى عليها الشاه وهربها إلى الخارج، وكانت أحد الأسباب التي أسهمت في توتير العلاقة بين النظام الجديد والإدارة الأميركية، إلى جانب المطالبة باسترداد الشاه لمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى، قبل أن تنكسر هذه العلاقة نتيجة احتلال السفارة الأميركية في طهران وما حصل بعدها من تداعيات وسلبيات أسست لقطع العلاقة وإقفال قنوات التواصل بين الطرفين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من ملفات الفساد المالي والاجتماعي التي لاحقت العديد من مسؤولي وقيادات الثورة والنظام والدولة في العقود الماضية، كما حصل مع الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني وعائلته، وأخيراً رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني وشقيقه رئيس السلطة القضائية، وبعد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام صادق لاريجاني، فإنها لم تكن ملفات ذات طابع سياسي غالب، وداخل أجنحة النظام، لما شكلته هذه الشخصيات من تهديد لمصالح تيار السلطة تسعى لخلق وتشكيل مراكز قوى من داخل المنظومة على حسابها.
في حين عجزت أجهزة النظام عن ملاحقة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد المتهم بتضييع ثروات مالية ضخمة من الاحتياطيات المالية وتبديدها، ما أسهم في تشديد الأزمة الاقتصادية وعجز النظام عن وضع خطط عملية قادرة على مواجهة العقوبات الأميركية والدولية على الاقتصاد الإيراني، وتهديد أحمدي نجاد مراراً بفتح أو امتلاكه ملفات فساد على الكثير والعديد من المسؤولين في النظام، حتى من داخل "بيت" المرشد الأعلى، شكل له غطاء وحماية من الملاحقة، ما أجبر النظام للاستعاضة عن مساءلته بملاحقة نائبه الأول محمد رضا رحيمي، ومتابعة ملفات اختلاس ضخمة تقدر بمليارات الدولارات، من دون الوصول إلى نتائج ملموسة، في حين استخدمت ملفات الإثراء غير المشروع في محاصرة رفسنجاني وزج أبنائه في السجن، بالإضافة إلى استبعاد مرشحين من السباق الرئاسي، بخاصة الأخيرة، مثل علي لاريجاني ورستم قاسمي، وزير النقل الحالي في حكومة رئيسي، والجنرال في حرس الثورة، ووزير النفط الأسبق في حكومة أحمدي نجاد، من دون محاكمة، ما اعتبر نوعاً من الاغتيال الاجتماعي والسياسي لهذه الشخصيات، بخاصة أن معظمها وغالبيتها تنتمي إلى تيار السلطة والنظام، من دون التوسع في متابعتها والتحقيق فيها حتى لا تجبر النظام على فتح ملفات أخرى، أصعب وأكثر تداخلاً، وقد تطال مواقع وأشخاصاً يتمتعون بهالة من القدسية من غير المسموح المساس بها، وانهيار صورتها قد تشكل صدعاً عميقاً في صورة النظام وقدسيته.
لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها تسريب معلومات عن أنشطة عوائل كبار المسؤولين في النظام التجارية والترفيهية داخل إيران وخارجها، والإمبراطوريات المالية والاقتصادية وحياة الرفاه والبذخ التي يعيشونها على حساب "بيت المال" لقمة المواطن الإيراني، فالحديث عن الامتيازات والوكالات الحصرية التي يستولي عليها كبار المسؤولين في المؤسسات الرسمية والعسكرية والدينية باتت مدار حديث العديد من المحافل الخاصة والعامة، والتي تتعارض مع الصورة التي يقدمونها عن أنفسهم وحياة الزهد والورع التي يعيشونها، وهي ظاهرة قد لا تكون غريبة عن التكوين الاجتماعي للشخصية الإيرانية، التي تتميز بامتلاكها شخصيتين، واحدة خاصة تعيش خلف جدرانها المرتفعة التي تستر عن الآخر حقيقة ما تؤمن وتعتقد به وتمارسه في هذه الحياة الخاصة المترافقة مع التزام صارم بإخفائها وإبعادها عن أعين الآخرين ورقابتهم، وحياة أخرى عامة تنسجم مع الصورة والطابع اللذين تسعى هذه الشخصية لتقديمهما في الحياة العامة وأماكن العمل والاختلاط، لأنها تكون متوافقة مع ما هو مطلوب منها لخدمة التوجه الذي تمارسه في السياسة.
لماذا أخذت زيارة زوجة رئيس البرلمان قاليباف وابنته وزوجها (صهره) إلى تركيا وشراء "جهاز وحاجيات" الطفل الذي من المفترض أن يكون "سبط" قاليباف من ابنته، كل هذا الحجم من ردود الأفعال والتعليقات وتحويلها إلى مسألة رأي عام لا تقف عند حدود الجماعة التي ينتمي لها، بل شملت مختلف مستويات المجتمع الإيراني وتحولت إلى مادة للنقاش على وسائل التواصل الاجتماعي وغرف الحوار الافتراضية؟ مع أن رئيساً سابقاً للبرلمان، والأقرب للمرشد، هو غلام علي حداد عادل ووالد زوجة نجل المرشد مجتبى، تم تصويره برفقة زوجته وهما يتسوقان في أسواق العاصمة البريطانية لندن، قبل سنوات؟!