"راجعين يا هوى" عمل فني حقق نجاحاً كبيراً منذ بدء عرضه في رمضان، وتميّز بأنه بتوقيع الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة الذي رحل عن عالمنا عام 2010، وكتب له الرؤية الجديدة الكاتب الشاب محمد سليمان عبد المالك. وجمع العمل بين روح أسامة أنور عكاشة وبين ترجمة عبد الملك للعصر الحديث ومفرداته.
ويدور المسلسل حول شخصية بليغ أبو الهنا الذي يقوم بدوره خالد النبوي والذي يعود بعد سنوات من الغربة إلى بلده مصر بعد تعرضه لأزمة في الخارج، وعندما يعود يواجه مشكلات في عائلته بين طمع أقاربه في الميراث ووجود عداء كبير بين أبناء أشقائه.
وتحدث محمد سليمان عبد المالك عن بداية المشروع وكيف حوّل عملاً من التسعينيات إلى مسلسل تلفزيوني ملائم لروح العام 2022.
تغير المفردات
وقال عبد المالك "في البداية وعند التفكير في المشروع، نعرف جيداً أننا نقدم عملاً اجتماعياً اليوم، وليس الشهد والدموع ولا ليالي الحلمية ولا أرابيسك، لأن العالم تغيّر والمفردات اختلفت تماماً، وكان التحدي الكبير الذي نواجهه كصنّاع، من مؤلف ومخرج وممثلين ومنتج، أن نقدم العمل بروح أسامة أنور عكاشة ولكن في الوقت نفسه برؤية جديدة. وبداية المشروع حدثت لأن لديّ شغفاً بعالم أسامة أنور عكاسة وابن مدرسته، وربما احترفت التأليف تأثراً به. وعُرضت عليّ الفكرة من شركة الإنتاج والمنتج تامر مرتضى، بتشجيع من الكاتب يسري الفخراني، الذي كان على علاقة صداقة قوية بأسامة أنور عكاشة، وكان يرى أن العمل يمكن تقديمه في 15 حلقة، وخارج شهر رمضان، ولكني وجدت أنه يمكن تقديمه في 30 حلقة وأنه مناسب للعرض خلال شهر رمضان، حيث أجد أن الجميع يفكر في مسلسلاته بطريقة خاطئة، فمعظمهم يتخيل أن الأعمال الرمضانية لا بد أن تعتمد على أكشن صارخ أو غموض دائم أو كوميدي مبالغ فيه، وكلها موضوعات غرائبية أو صارخة، في حين وجدت أن الدراما العائلية تستحق العرض الرمضاني. وعلى الرغم من أنها مغامرة، لكنها خطوة جيدة لتغيير النمط الرمضاني السائد. واعتمدت في تفكيري على أن الناس تلهث في الواقع، في دوامات من الحروب والأمراض والأوضاع الاقتصادية السيئة، وهنا تحديداً يجب تقديم كوميديا رقيقة ودراما عائلية دافئة ليجدوا متنفساً من التعب الذي يرونه في الواقع، وبالفعل غامرنا بالمسلسل ولكن راعينا أن نقدم تركيبة جيدة للناس تستمتع بها وتحترمها سواء في رمضان أو خارجه، حيث تصلح للعرض في أي وقت".
مسلسل إذاعي
وكشف سليمان عبد المالك أن "راجعين يا هوى كان مسلسلاً إذاعياً قام ببطولته يحيى الفخراني ومعالي زايد ومنة شلبي وخالد أبو النجا وعبد المنعم مدبولي. وهذا المسلسل غير متوافر حتى عبر يوتيوب لكن منصة أنغامي بعد عرض المسلسل وضعته في قائمة العرض لديها". وأضاف عبد المالك "كان النص المكتوب للمسلسل موجوداً بخط يد الأستاذ أسامة، وأنا تعاملت مع المسلسل الإذاعي كمادةٍ خام يمكننا تطوير الشخصيات والأحداث والخطوط فيها، طالما سنحولها إلى دراما تلفزيونية من 30 حلقة، لذلك يحتمل وضع إضافات وتعديلات. وأهم التعديلات كانت شخصية الدكتورة ماجي التي أدتها الفنانة نور، فهي أساساً كانت شخصية دكتور اسمه فضل وزوجته اسمها ماجي، وفضل كان مَن سيقابله بليغ في الطائرة في رحلة عودته إلى القاهرة، وقد أضفت ماجي وجعلتها تقابل بليغ في الطائرة ويحدث بينهما خط رومانسي. كذلك أضفت شخصيات أخرى مثل أصدقاء بليغ، كشخصية عبدالله مختار، والمحامي رؤوف، أما شخصيتا ابني شقيقي بليغ، مدحت وعمرو، كانا موجودين بالنص الأصلي لكني قمت بتطويرهما وأنشأت لهما مسارات درامية واجتماعية. وشخصية الحلاق كانت سطراً واحداً في النص وطورتها بشكل أكبر. وراعيت في تطوير الأحداث والشخصيات أن يكون ذلك من دون الإخلال بعالم أسامة أنور عكاشة".
صراع طبقي
تميز عالم أسامة أنور عكاشة الدرامي بثوابت وتفاصيل مثل الصراع الطبقي وقصص الحب المستعصية، وسألنا عبد المالك عن القيود التي فرضها عليه عالم عكاشة أثناء الكتابة فقال "عكاشة كان دائماً يحب تناول الصراع الطبقي بين الحارة والقصر، ولكن حالياً هذا الصراع غير موجود، وبتطور المجتمع قد يكون اتخذ أشكالاً أخرى، والحقيقة أن قصة راجعين يا هوى، كانت بسيطة ولطيفة وتطويرها سمح لي أن أضع من روحي وخيالي من دون أن يهاجمني الخوف من المقارنة بين عملي وروح أسامة أنور عكاشة. وتعاملت مع الموضوع على أنه إبداع مشترك، فروايات نجيب محفوظ العظيمة التي تعتبَر إبداع عالمي، عندما تحولت إلى السينما أبدع فيها أيضاً الكاتب محسن زايد، وهذا كان إبداعاً موازياً لإبداع محفوظ وكلاهما حُفظت له إبداعاته من دون تعارض، وكذلك الكاتب الكبير وحيد حامد الذي حوّل أعمالاً لمحفوظ سينمائياً، هذا لم يلغ شخصيته الإبداعية، وهذا ما يسمى بالإبداع الموازي". وأضاف "منذ بداية مشروع راجعين يا هوى وضعنا أمامنا أن يخرج المشروع وهو يحمل روح أسامة أنور عكاشة. وأنا والممثلون والمخرج والجميع نضع بصمتنا وروحنا أيضاً، ليكون العمل جسراً بين الأصول والمنابع، وهذا واضح جداً في المسلسل. ولقد أحببت تلك الفرصة الجميلة، وقد يكون الجمهور الذي كان يبحث عن راجعين يا هوى بروح الثمانينيات قد أُحبط ولم يجد ما يبحث عنه، لكننا في العموم قدمنا المسلسل مع الحفاظ على الخطوط العريضة والجذور وقدمناها بروح 2022 وكنت أحاول أن أحقق المعادلة الصعبة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منافسة مرعبة
عرض مسلسل اجتماعي بسيط في زحام الماراثون الرمضاني "مغامرة مرعبة" تحدث عنها عبد المالك قائلاً "كنت مرعوباً لأسباب عدة، فمن ناحية مسؤولية اسم أسامة أنور عكاشة، وفي المقابل الأساطير التي بنيناها عن الأعمال التي تنجح في رمضان، على الرغم من إيماني أنه ليس معقولاً أن نقدم كل سنة نفس الموضوعات التي أعجبت الناس من قبل، ولا بد من التغيير والمحاولة، ومع كل ذلك توقعت ألا يلقى المسلسل نجاحاً في العرض الأولي وسط زحام رمضان، وقلت ربما سيشاهده الناس في الفترة بعد رمضان، أو قد يتابعونه في منتصف رمضان بعد هدوء نهم المشاهدة ومنافسة الأعمال الصاخبة من حيث النجوم والموضوع، ولكننا فوجئنا بنجاحه منذ الحلقة الأولى وأنه يتصدر الترند، ومواقع التواصل الاجتماعي تنشر عبارات متداولة ضمن المسلسل. وأسعدنا جداً أنه منذ اليوم الأول، تفاعلت الناس وارتبطت بالشخصيات وعالم أسامة أنور عكاشة، وأسعدنا أكثر أن المتابعة جاءت من أعمار مختلفة، وطبيعي أن جيلنا يرتبط بأعمال عكاشة لأننا عاصرناه، لكن المفاجأة أن الأجيال الجديدة والتي تعرفه كاسم فقط ارتبطت بالمسلسل وتفاعلت معه".
خالد النبوي
بطولة خالد النبوي للمسلسل ولعبه شخصية بليغ أبو الهنا، كانت إحدى نقاط القوة بالعمل، وعلى الرغم من أن خالد قد لا يكون موفور الحظ في النجاح اللحظي لأعماله، لكنه حقق معادلة صعبة ونجح منذ الحلقات الأولى، وتحدث عبد المالك عن اختيار خالد وما إذا كانت الصداقة التي تجمعهما هي السبب في ذلك، وقال "خالد صديق عزيز، وهو ممثل ونجم يملك قدرات تمثيلية عظيمة وحقق نجاحات عالمية، ولكن نتيجة الارتباك الذي عايشناه لسنوات، لم يأخذ حقه كما يجب على الرغم من نجاحه الساحق في أعمال ملحمية مثل ممالك النار. والحمد لله الناس أحبت بليغ أبو الهنا ويُقال إنه دخل عالم أسامة أنور عكاشة، مثل أبو العلا البشري وحسن أرابيسك وسليم البدري وكل تلك الشخصيات العظيمة. وخالد يجمع بين اجتهاد وموهبة ودأب كبير على التفاصيل، وتربطني صداقة مع خالد قبل مسلسل ممالك النار، ولكني لم أرشحه لراجعين يا هوى، بل عُرض علينا النص في ذات الوقت من الشركة المنتجة، وتحمسنا جميعاً، وعلى رغم ضيق الوقت والضغوط، نجح المخرج محمد سلامة في تقديم العمل كما تصورناه وبما يتناسب معه، حيث لديه موهبة طاغية في ترجمة النص وتحويله إلى عمل جيد بشكل بسيط ومن دون تعقيد".
تحويل الروايات
تحويل الأعمال الأدبية والروايات مهمة صعبة فهل سيكررها محمد سليمان عبد المالك مرة أخرى بعد نجاحه في راجعين يا هوى، أجاب "أنا لا أحب أن يتم تصنيفي، فبعد ممالك النار، عُرضت عليّ أعمال شبيهة لكني اعتذرت وقدمت أعمالاً رومانسية وغموضاً وكوميدية واجتماعية. ومن الممكن أن أخوض تجربة لتحويل نص أدبي آخر لأسامة أنور عكاشة وأحلم أيضاً بتجربة تحويل رواية لنجيب محفوظ، ولكن حتى الآن لا أعرف متى يمكن تحقيق ذلك فلم أحدد وقتاً لذلك. ولكني أرفض فكرة أن ينجح أحد في تحويل رواية فيصنفوه ويصبح الأمر وظيفة، ولكني بوجه عام أحب التجربة والمغامرة".
