Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقاتل "حزب الله" بمواجهة "الكولونيل الإسرائيلي": هل هوت المقدسات؟

سقوط الأسطورة يعري شراكة الميليشيات والمنظومة ويضع لبنان أمام خيار حاسم: "دولة فعلية أو استمرار الانهيار"

لقطة من الفيديو الذي بثته إسرائيل للأسير المنتمي إلى "حزب الله" لديها عماد أمهز (مواقع التواصل)

ملخص

اعترافات أسرى "حزب الله" كشفت عن تفكك "الأسطورة" التي بنى عليها "حزب الله" نفوذه، وهي أن السلاح لم يكن وحده مصدر القوة. فتلك الاعترافات تحولت إلى أداة سياسية وأمنية بيد إسرائيل تبرر حربها وتضرب صورة "المقاتل الذي لا ينكسر".

لم يبنِ "حزب الله" نفوذه في لبنان على السلاح وحده، بل على "أسطورة" متكاملة صممت لتبدو فوق الواقع، حزب عقائدي صلب، عناصره لا ينكسرون، لغته "مقدسة"، وقيادته تقدم على أنها مرجعية لا تمس. على مدى أعوام، جرى تسويق صورة "الغريندايزر" الذي يواجه ويصمد ويتفوق أخلاقياً قبل أن يتفوق عسكرياً. لكن الأساطير لا تسقط عندما يشتد خصومها فقط، بل عندما تتعرى من الداخل، حين يتبدل الخطاب في القمة وتنهار اللغة في القاعدة ويظهر على الكاميرا نموذج بشري عادي يسقط كل ما قيل عنه.

اليوم، اعترافات أسرى "حزب الله" كما تعرض في فيديوهات الجيش الإسرائيلي تحولت إلى مادة استراتيجية لإسرائيل تدعم روايتها الأمنية والسياسية أمام الداخل والخارج. فإسرائيل لا تحتاج إلى نقاش طويل عندما تملك مقاطع تقدم على أنها اعترافات من داخل الحزب، وتستطيع عبرها أن تقول ما فعلناه في لبنان دفاع عن النفس لأن الخطر لم يكُن نظرياً، بل كان مشروعاً قيد التحضير.

وضاح يونس… وغزو الجليل

خلال حرب "سهام الشمال" مع "حزب الله"، بث الجيش الإسرائيلي لقطات لاعترافات وضاح كامل يونس من "قوة الرضوان"، كاشفاً عن أن الحزب كان يخطط لغزو الجليل الأعلى وقد جهز خطة كاملة لذلك.
وهنا تكمن أهمية هذا النموذج بالنسبة إلى إسرائيل، الاعتراف كما عرض يسمح لها بأن تثبت أمام العالم فكرة أن "حزب الله" لم يكُن "يرد" أو "يردع" فقط، بل كان يتحضر لسيناريو هجومي واسع يطاول شمال إسرائيل. وهذا يخدم جوهر الرواية الإسرائيلية التي تتكرر منذ عام 2024، "إزالة بنية تحتية هجومية" على الحدود وتبرير الحرب كإجراء وقائي.

لكن الأهم سياسياً، ليس فقط ما قيل، بل ما كشف عنه نفسياً، صورة المقاتل الذي لا ينكسر تتصدع عندما يتحول الأسير إلى مادة كاميرا، وعندما يخرج الكلام أياً تكن ظروفه بلغة تسقط القداسة والرمزية التي ظل الحزب يحرسها كحدود عقائدية.

عماد أمهز… وسقوط القاموس العقائدي

ثم جاء نموذج عماد أمهز الذي اختطفته إسرائيل في عملية كوماندوز في مدينة البترون الساحلية شمال لبنان، كحلقة أخطر لأنها لا تكتفي بملف الحدود، بل تفتح ملفاً آخر "البحر"، والقدرة على العمل خارج الجبهة المباشرة.

قدم أمهز على أنه مرتبط بـ ملف بحري سري" وبنية عمل تنشط تحت واجهات مدنية وتطوير قدرات ذات طابع هجومي. وهذه النقطة، كما تفهمها إسرائيل وتسوقها، تمنحها "الجملة الذهبية"، الحزب لا يكتفي بساحة الجنوب، بل يستخدم لبنان كمنصة لعمليات تتجاوز الحدود وتطاول مصالح إسرائيلية. وهكذا يتحول لبنان من دولة إلى بنية تشغيل في خدمة تنظيم مسلح.

لكن أخطر ما في مشاهد أمهز ليس المعلومة، بل انهيار اللغة. ففي ثقافة "حزب الله"، اللغة ليست تفصيلاً، الألقاب طقس ولاء والتوصيف جزء من العقيدة. وحين تستبدل المفردات، وحين يسقط "قاموس القداسة" فجأة، فأنت لا ترى مجرد أسير يجيب، أنت ترى صورة تكسر، صورة الصمود الأسطوري الذي قيل إنه لا ينهار.

فجأة، لم يعُد "السيد"، بل "نصرالله"، ولم يعُد القائد العسكري رمزاً، بل اسماً عادياً فؤاد شكر، في حين بات "العدو" حضرة "الكولونيل"، ضمن مشهد يظهر تفاعلاً غير مألوف بين عنصر من "حزب الله" وعسكري إسرائيلي.

كنز الاعترافات

من منظور سياسي بارد، اعترافات الأسرى كنز لإسرائيل لثلاثة أسباب:

1. تبرير الحرب، تقدم الاعترافات على أنها دليل "من الداخل" على أن الحزب كان يحضر لعمل هجومي، مما يسمح لإسرائيل بتكرار مقولة "الدفاع عن النفس" من دون أن تبدو مجرد ادعاء.

2. حرب نفسية، ضرب معنويات بيئة الحزب عبر تظهير مشاهد الانكسار وإيصال رسالة مفادها بأن "الأسطورة" تفككت.

3. الكشف عن صورة الدولة اللبنانية، عبر القول إن البنية اللبنانية من مرافئ وشحن ومؤسسات يمكن استخدامها كغطاء لوجستي، بالتالي تثبيت صورة لبنان كدولة مخترقة لا تملك قرارها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحزب والمنظومة "واحد"

لكن يبقى السؤال، لماذا استطاع "حزب الله" أن يتحرك بهذه السهولة أساساً؟ الجواب ليس عسكرياً فقط. الجواب سياسي–بنيوي لأن "حزب الله" ليس نقيض المنظومة الحاكمة في لبنان، بل نسخة عنها وشريكها.

"حزب الله" والمنظومة السياسية الفاسدة يكملان بعضهما بعضاً. فالحزب لم يكُن ليبدو "قوة لا تقهر" لولا طبقة سياسية وفرت له الغطاء و"شرعنت" خروجه عن الدولة وأبقت المؤسسات رخوة كي يتحرك فوقها. في المقابل، فتح الحزب لهذه الطبقة أبواب الصفقات والمحاصصة، هو يحمي "الاستقرار بالقوة" وهي تحمي فساده بالشرعية الشكلية. هكذا تشكلت مصلحة مشتركة استمرت أعواماً، الحزب يأخذ "القرار" والمنظومة تأخذ "الغنيمة".

النموذج الأكثر وضوحاً كان الـ17 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، عندما اقتربت لحظة سقوط "المنظومة" تحت ضغط الشارع، تدخل "حزب الله" لحمايتها وإعادة تثبيتها. ومنذ تلك اللحظة صار الأمر فاضحاً، الحزب ليس ضد المنظومة، هو درعها عند الخطر. واليوم، بعدما تآكلت صورة الحزب وتعرّت أسطورته، تعود المنظومة لتقوم بالدور المقابل، تدافع عن بقائه لأن انهياره يفتح الباب على السيناريو الذي يرعب الجميع، قيام دولة حقيقية يعني محاسبة حقيقية.

انكشاف كامل

اليوم، تتكدس المؤشرات على أن لبنان دخل مرحلة انكشاف شامل، "حزب الله" يتعرى من أسطورته عبر مشاهد تسقط "الصلابة" التي بنيت بعناية، والمنظومة تتعرى لأن كل خطابها عن الدولة والسيادة ينتهي عند مصالحها وصفقاتها. والنتيجة أن "الحكاية الكرتونية" لم تعُد تقنع، لا "حزب الله" كما صور نفسه، ولا المنظومة كما ادعت.

لبنان مقبل على مرحلة جديدة لأن الحقيقة باتت واضحة، لا يمكن بناء دولة مع سلاح خارجها، ولا يمكن بناء دولة مع منظومة ترى الدولة شركة محاصصة.

وما بين اعترافات تسوقها إسرائيل كدليل، وواقع داخلي يفضح الشراكة بين الميليشيات والمنظومة، صار السؤال اللبناني بسيطاً وحاداً هل نريد دولة، أم نريد استمرار "تركيبة" تعيش فقط على أنقاضها؟

اقرأ المزيد

المزيد من آراء