Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذكرى نجيب سرور شاعر التراجيديا المصرية مرت بصمت... وابنه المريض في الهند يطلق صرخة الإنقاذ

صاحب "ياسين وبهية" عاش حياة مضطربة ومات في مصح

الشاعر المصري نجيب سرور (يوتيوب)

مرت ذكرى ميلاد الشاعر والمسرحي المصري الراحل نجيب سرور قبل عشرة أيام في هدوء تام، ومن دون أن يتذكره سوى قلة من القراء، فهو من مواليد الأول من يونيو (حزيران) 1932. غير أن سيرته عادت لتتصدر اهتمامات المثقفين المصريين من جديد بعد الأخبار التي تمّ تناقلها عن الظروف المرضية المأسوية التي يمر بها نجله شهدي الذي يعالج من السرطان في أحد مستشفيات الهند، وقد وجهت أسرته مناشدات للأصدقاء في مصر وخارجها للتبرع والمساهمة في تحمل نفقات العلاج.

وجاءت هذه الواقعة لتجدد الشعور بـ"التراجيديا الإنسانية" المؤلمة التي عانى منها نجيب سرور حياً وميتاً. فلا يُذكر اسمه إلا مقروناً بماسأة متكاملة الملامح عاشها الشاعر والمسرحي الذي واجه ظرفاً إنسانياً قاسياً عقب هزيمة يونيو عام 1967، أدى الى إصابته باضطرابات نفسية أوقفت الصعود البياني لموهبته الطاغية.
 
وُلد سرور في قرية إخطاب (محافظة الدقهلية/ دلتا مصر) في وقت كان الريف المصري ينطق بالتناقضات الطبقية الفادحة التي سعت ثورة يوليو 1952 عبر قوانين الإصلاح الزراعي إلى الحد منها، ولمس في سنوات طفولته وشبابه ما يعاني منه الفلاحون واستمع إلى تاريخهم الطويل مع الألم، كما جسدته الملاحم الشعبية، وكانت تلك الملاحم أول ما تأثر فيه وسعى إلى استلهامه لاحقاً حين اتجه لدراسة المسرح وترك دراسته الجامعية في كلية الحقوق، ثم سافر في منحة لدراسة الإخراج المسرحي في الاتحاد السوفياتي.
ومن ميراث فلاحي "اخطاب"، بنى سرور مجده الإبداعي وصاغه في مجموعة من النصوص الدرامية ذات الطابع الملحمي التي تزامن ميلادها مع نقاشات محمومة في الأوساط المسرحية العربية  عن وجود مسرح عربي ذي هوية مستقلة عن الهوية الغربية. وقدّم  عبر أعماله التي توالت مع صعود المسرح المصري في الستينيات، فناً يصعب وصفه بالملتزم أو التحريضي واتسمت أشعاره بطابع درامي لم يتحرر منه.
 
"قولوا لعين الشمس"
 
ووفقاً لهذه الرؤية، قدم "منين أجيب ناس"، و"ياسين وبهية"، و"قولوا لعين الشمس"، وكلها اتخذت من المعاناة الطبقية لفلاحي قريته مجالاً للصراع وطرح تصوراته عما عاشته مصر خلال ستينيات القرن الماضي. وبفضل الهامش الذي أوجدته هزيمة 1967 وارتفاع سقف النقد السياسي، ارتفع صوته مع مبدعين آخرين للتنديد بقهر الأجهزة الأمنية التي تسببت في الهزيمة.
وفي هذه الفترة المضطربة من حياته، وُلدت معلقته الاحتجاجية الشهيرة "أميات" التي كتبها عام 1961 ولا تزال ضمن أكثر نصوص الاحتجاج تداولاً. وعلى الرغم مما فيها من عبارات تبدو خادشة للحياء، إلا أنها تكشف من جوانب أخرى عن ماسأته وسعيه إلى التنديد بما واجهه من تواطؤ. ولذلك، تحول بعد موته في مستشفى للأمراض العقلية إلى "شعلة غضب" تواصلت نيرانها إلى الآن.
لم تنل مجموعات سرور الشهيرة ما نالته أعماله المسرحية من اهتمام، وغالبية تلك الأعمال كتبها خلال فترات متباعدة، ثم جمعها في دواوين أو مجموعات. فالمجموعة الشعرية "التراجيديا الإنسانية" كتب بعض قصائدها في مصر منذ 1952 وضمّنها قصائد أخرى كتبها في موسكو قبل سفره إلى بودابست، وقد أصدرتها "المصرية للتأليف والنشر والترجمة" عام 1967. والمجموعة الشعرية "لزوم ما يلزم" كتب قصائدها في هنغاريا عام 1964 وصدرت عام 1975. وفي عام 1978، صدرت له "بروتوكولات حكماء ريش" وهي عبارة عن أشعار ومشاهد مسرحية و"رباعيات نجيب سرور" التي كان قد كتبها بين عامي 1974 و1975. استمر إبداع نجيب سرور حتى وفاته، فقد كتب ديوان "الطوفان الكبير" الذي لم يُنشر نتيجة معاناته الأخيرة مع المرض النفسي الذي تفشى في أعقاب المعالجة التي قدمها لمجازر أيلول الأسود عام ١٩٧١ والتصدي لموضوع الصراع الذي نشب في الأردن بين القوات المسلحة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية في مسرحيته "الذباب الأزرق"، مما دفع السلطات المصرية لإيقاف المسرحية. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ نجيب سرور يدفع ثمن خياراته، مما أدى إلى طرده من عمله ومحاصرته ومنعه من النشر، ثم اتهامه بالجنون. 
 
ولم يتمكن المثقفون المصريون خلال اليومين الماضيين من تفادي الشعور بالألم نتيجة ما يعاني منه شهدي الابن الأكبر لنجيب سرور الذي اضطُر إلى مغادرة القاهرة قبل أكثر من 15 عاماً ، إذ كان يعمل محرراً للموقع الإلكتروني لجريدة "الأهرام ويكلي"، وذلك بعدما طاردته أجهزة الأمن بسبب قيامه بتجهيز موقع إلكتروني يحتوي قصائد لوالده ومن بينها ديوانه "أميات" وسُجن ووُصف ساعتها بأنه "أول سجين إنترنت في العالم العربي"، واضطُر بعد ذلك إلى مغادرة مصر والعودة إلى موسكو، ومنها غادر إلى الهند التي بقي فيها، حتى مرضه.
 
وقبل يومين، وجهت أسرة شهدي ممثلةً بشقيقه فريد، رسالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعت فيها الأصدقاء للمساهمة في تكاليف علاجه، في حين دعت ابنة عمه الصحافية المصرية أمل سرور المقيمة في الإمارات، وزارة الثقافة المصرية إلى التدخل كي يستكمل شهدي سرور علاجه في مصر. وذكرت تقارير صحافية أن وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم أبدت استعدادها للمساعدة في نقل شهدي إلى مصر لعلاجه، لكنّ الأسرة والتقارير الطبية قالت إن هناك خطورة كبيرة في نقله بطائرة ليست مجهزة طبياً، خصوصا مع عدم وجود طيران مباشر من جوا إلى القاهرة. ثم وجهت أسرة الشاعر سرور رسالة مناشدة أعلنت فيها انها تحتاج  30إلى ألف دولار لإنقاذ حياة شهدي، ابن الشاعر، المقيم الآن في مدينة جوا الهندية، والمصاب بسرطان الرئة، ولا تسمح حالته المتدهورة بنقلة إلى مصر إلا بطائرة مجهزة طبياً. وقد أجابت السلطات المصرية بأنها لا تسطيع تحمل تكلفة هذا النقل. وارتأت الاسرة انه، لتسهيل الأمر يمكن نقله بالطائرة الطبية إلى مركز سرطان في مدينة نيودلهي حتى تتحسن صحته ويستطيع العودة إلى مصر لاستئناف العلاج، وهو ما يتكلف 30 ألف دولار.

 أما شهدي فطلب أول من أمس في رسالة للأصدقاء، ترجمتها عن الإنجليزية الكاتبة منى أنيس قال فيها: "إنها معركتي من أجل الحياة، صدري يختنق من الزحام داخله ولكن حدود قلبي أبعد بكثير من القفص الصدري، فالحب الصافي يفيض من القلب إلى كل ما حوله. فيا للعجب ويا لجمال الناس، عندما يستيقظ داخلهم الحد الأدنى من الإيثار ويتبعون العقل". وأضاف: "عالم أفضل سيجيء حتماً، عقلي يحدثني بذلك ولهذا فأنا سعيد للغاية أيها الأصدقاء، يا رفاق روحي".

المزيد من ثقافة