Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بات الحوار السياسي في مصر ملحا؟

السيسي يبادر بالإعلان تماشياً مع "الجمهورية الجديدة" ومراقبون يرون في التحديات الاقتصادية محركاً رئيساً

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ ف ب)

في معرض حديثه عن التحديات التي تواجه مصر داخلياً وخارجياً، على هامش تفقد حصاد القمح في منطقة توشكي (جنوب)، كان إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن "الدعوة إلى حوار سياسي شامل يتناسب مع بناء الجمهورية الجديدة قريباً"، وذلك في وقت تواجه فيه الدولة العربية الأكبر من حيث التعداد السكاني تحديات اقتصادية ضخمة ضاعفتها الحرب الروسية ضد أوكرانيا ومن قبلها جائحة كورونا.

وقال السيسي، في حوار له الخميس مع مجموعة من الإعلاميين والصحافيين إن هناك "حاجة إلى حوار سياسي؛ يتناسب مع فكرة بناء أو إطلاق الدولة الجديدة أو الجمهورية الجديدة"، لافتاً إلى أنه كان يعتزم "إطلاق ذلك الأمر بتفاصيل أكثر"، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية (مناسبة رمضانية اعتادت رئاسة الجمهورية تنظيمها في شهر رمضان)، ما أثار التساؤلات لدى المراقبين حول توقيت الدعوة ودلالاتها والأهداف منها.

تحديات اقتصادية مستمرة

شهد اللقاء الذي جمع السيسي بعدد من الإعلاميين المصريين، حواراً مفتوحاً تناول أهم القضايا الداخلية والخارجية في مقدمتها التداعيات الاقتصادية للأزمة الروسية - الأوكرانية على مصر، وانعكاساتها على زيادة الأسعار، إضافة إلى القضية السكانية وأبعادها المختلفة وتأثيرها السلبى في مسيرة التنمية، وكذلك استراتيجية الدولة للإصلاح الاقتصادي، والتحديات الداخلية الأخرى مثل جهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، بحسب ما أعلن المتحدث باسم الرئاسة، السفير بسام راضي.

الإصلاح الاقتصادي

وفي فيديو اللقاء الذي عرضته رئاسة الجمهورية، أكد الرئيس المصري أن الإصلاح الاقتصادي جعل الدولة أكثر قدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية، داعياً إلى ضرورة ضبط النمو السكاني حتى يشعر المواطنون بتحسن اقتصادي، خاصة أن التحديات في مصر أكبر من أي حكومة.

ولفت إلى أن "الأزمة الاقتصادية بدأت في أعقاب عام 2011، حيث فقدت مصر جزءاً كبيراً من الاحتياطي الأجنبي في ما تبقى فقط الاحتياطي العيني، وكان لا بد من إجراء الانتخابات الرئاسية بعد الأحداث بفترة وجيزة، لكن الأمر امتد لعامين"، مشيراً إلى أن الإصلاح الاقتصادي نجح بفضل جهد المصريين وصلابتهم.

النمو السكاني

وذكر السيسي أن تعداد سكان مصر خلال عام 2011، كان 77 أو 80 مليون مواطن، واليوم أصبح 104 ملايين مواطن، مشدداً على أن الأعباء الاقتصادية التي تتكفل الدولة بها مقابل الـ20 مليوناً الإضافية كبيرة. وأوضح أن "بلاده تسير في خططها وتسابق الزمن للانتهاء من الإصلاح بسرعة لتقليل الفجوة الحاصلة ما بين النمو الاقتصادي للدولة والنمو السكاني، وهو ما استلزم جهداً مضاعفاً".

وتساءل السيسي "هل المواطن في حقبة الستينيات كان يعاني مثل الآن؟"، وقال إن "قدرة الدولة المصرية ومواردها في تلك الحقبة كانت متناسبة نسبياً مع حجم الدولة"، لافتاً إلى أن النمو السكاني حالياً أصبح أكبر من طاقة العمل التي تقوم بها الدولة.

الأزمة الأوكرانية

وعن الأزمة الأوكرانية، قال الرئيس السيسي إن تداعيات الأزمة الأوكرانية "كانت كاشفة"، ولها تأثير كبير في الأوضاع الاقتصادية في العالم أجمع بما في ذلك مصر، مشيراً إلى أن التأثيرات الحادة للأزمة الأوكرانية ليست فقط تأثيرات اقتصادية لكن أمنية وسياسية أيضاً. وتابع "الدولة حرصت منذ 2017 على أن يكون احتياطي السلع الأساسية كافياً لمدة ستة أشهر، ولذلك رصدت الموارد المالية اللازمة لتحقيق ذلك الهدف ومجابهة أية تحديات وأزمات محتملة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتواجه مصر تحديات اقتصادية، عمقتها الحرب الروسية في أوكرانيا، وتداعيات جائحة كورونا، ما دفع البلاد إلى اتخاذ إجراءات تقشفية قبل أسابيع، تضمنت خفض قيمة العملة الرسمية بنحو 18 في المئة. إذ تستورد مصر، وهي من أكبر مشتري القمح في العالم، أغلب احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، كما أن السياح من الدولتين يشكلون نسبة كبيرة من السياح الذين يزورون مصر كل عام. كما دفع الهجوم الروسي المستثمرين إلى سحب مليارات الدولارات من سوق السندات المصرية.

جائحة كورونا

وانهار القطاع السياحي بسبب جائحة كورونا فانخفضت إيراداته إلى 4.9 مليار دولار في 2020-2021 من 9.9 مليار دولار في العام السابق. وارتفع مرة أخرى إلى 5.8 مليار دولار في الفترة من يوليو (تموز) إلى ديسمبر (كانون الأول) 2021.

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع التضخم في مصر في شهر مارس (آذار) إلى 10.5 في المئة وهو أعلى مستوياته منذ ثلاث سنوات في ما يرجع جزئياً إلى نقص السلع الأساسية بسبب الأزمة الأوكرانية. ويستهدف البنك المركزي نطاقاً للتضخم بين خمسة وتسعة في المئة.

"المواطنة" و"الإرهاب"

وتابع السيسي حديثه مع الإعلاميين، حيث أكد أن الدولة "أرست مبدأ المواطنة وعدم التفرقة بين المصريين على أساس الدين"، مشيراً إلى أن بلاده تجاوزت محاولات التفرقة بين المسلم والمسيحي، وممارساتها خلال الآونة الأخيرة، واستهدفت التأكيد أن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات ولا يوجد تمييز بين شخص وآخر.

وعن الإرهاب في سيناء، قال السيسي إن الإرهاب تمكن من تأسيس بنية قبل عام 2011 بست سنوات، وهذه المعلومات موثقة ومنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، داعياً إلى مشاهدة الأفلام التي كانت تعرض عن سيناء عام 2010 والتي جسدت استعراضاً للقوة من جانب الجماعات الإرهابية، مؤكداً أن سيناء كانت مستهدفة بشكل كبير ومخطط.

وذكر السيسي أن "التحديات في مصر أكبر من أي حكومة ونعمل على خطة نسهم فيها جميعاً"، مشدداً على "ضرورة الحفاظ على الوطن باعتباره المظلة التي تحمي المصريين"، قائلاً إن "حرية الرأي والاعتقاد مصانة، ولن أختلف معك في أفكارك.. فكر مثلما شئت واعتنق ما شئت، لكن يجب أن تكون المظلة التي تحمينا جميعاً هي أن نحافظ على بلدنا".

هل بات الحوار "ضرورياً"؟

بحسب النائب البرلماني والإعلامي المصري، مصطفى بكري، فإن حديث الرئيس السيسي حول قرب إطلاقه حواراً سياسياً "الهدف منه تحقيق إصلاح سياسي شامل في البلاد يعكس إصرار القيادة السياسية على التوصل إلى تصور متفق عليه حول صيغة هذا الإصلاح الذي يتوافق مع الجمهورية الجديدة بعد تحقيق الإصلاح الاقتصادي".

وقال بكري، الذي حضر لقاء السيسي مع الإعلاميين في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "تتطلع القيادة السياسية في البلاد إلى طرح الإصلاح السياسي فور الانتهاء من مرحلة الإصلاح الاقتصادي"، مرجحاً أن يكون الحوار السياسي ممثلاً "لكل قوى المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وبرلمان وصحافة وإعلام، ومعبراً عن المجتمع بكل أطيافه من قوى فاعلة ومثقفين ورموز العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإبداعي".

وذكر بكري "في رأيي سيتضمن الحوار السياسي المقترح مناقشة قضايا مهمة وملحة داخل المجتمع المصري، من بينها العملية السياسية وكيفية تطوير أداء الأحزاب وقوى المجتمع المدني وتوفير البيئة المناسبة لها، ومناقشة مستقبل الصحافة والإعلام وضمان حريتها واستقلاليتها في إطار من المسؤولية المجتمعية، إضافة إلى تنظيم والانتهاء من تنظيم الانتخابات المحلية والنيابية، بما يضمن تمثيلاً مناسباً للقوى والتيارات في المجتمع المصري"، ملمحاً في الوقت ذاته، إلى "تزايد الاحتمالات في ما يتعلق بأهمية تعديل بعض بنود ومواد دستور البلاد بما يتناسب ومتطلبات الجمهورية الجديدة"، التي تعلنها السلطات في البلاد. موضحاً أن هذه القضايا قد "تكون الأبرز على الساحة المصرية في الفترة المقبلة، وتتطلب توفير أرضية مشتركة بشأنها بين القوى السياسية والمدنية في المجتمع".

من جانبه، يرى عمرو الشوبكي، مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن "التحديات الاقتصادية التي تواجهها الدولة والمتمثلة في ارتفاع الأسعار والتضخم وأزمة الديون المتفاقمة هي ربما التي سرعت من إعلان الرئيس أهمية وجود حوار سياسي شامل في الوقت الراهن"، موضحاً أن "من الأهمية بمكان أن لا يقتصر الحوار المفترض على الأمور الاقتصادية بل يتناول قضايا حرية الرأي والفكر والقضايا السياسية الجدلية في المجتمع لتهيئة المناخ العام للحوار، فضلاً عن تضمين رؤى مختلفة وإعطاء مساحة حقيقية لأصحاب الفكر وأنصار التيارات الأخرى".

وبحسب الشوبكي، فإن "الحوار الشامل بات ضرورة ملحة في مصر في الوقت الراهن، ويتطلب كذلك أن يشتمل على حضور متنوع من كل القوى السياسية والحزبية، مع التركيز على مخرجات الحوار والبحث في أولويات المرحلة المقبلة الاقتصادية والسياسية". موضحاً "مصر الآن لم تعد تواجه التهديدات الأمنية الوجودية التي كانت تعرضت لها في السابق لا سيما في عامي 2013 و2014 حيث تنامي ظاهرة الإرهاب، كذلك أغلب القوى المدنية الموجودة في الساحة حالياً هي نتاج نظام الثلاثين من يونيو (حزيران)، وأن أكثر ما تحتاجه البلاد حالياً هو حوار شامل بشأن أولويات المرحلة المقبلة".

في الاتجاه ذاته، يتفق بشير عبد الفتاح، رئيس تحرير مجلة الديمقراطية السابق، مع اعتبار "التوقيت وما فرضته التحديات الاقتصادية دافعاً نحو حوار موسع لأهل الاقتصاد والسياسة لطرح استراتيجيات ومبادرات للتعامل مع القضايا الملحة"، مشيراً إلى أن "الحوار الوطني الناجح يتطلب ضم كل ألوان الطيف السياسي الوطني الشرعي المنطلق من قاعدة عمل وطنية بهدف الوصول إلى مخرجات حقيقية مجردة للتحديات التي تواجه الدولة".

المزيد من تقارير