Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قبل أشهر من اتفاق اللجوء... لندن دانت رواندا لانتهاك حقوق الإنسان

خبراء يرون أن من غير المنطقي الذهاب في الاعتقاد إلى أن الأشخاص الذين يبحثون عن ملاذ في المملكة المتحدة يمكنهم بناء حياة لهم في البلد الواقع شرق أفريقيا

وزيرة الداخلية البريطاني، بريتي باتيل ووزير الخارجية الرواندية، فنسنت بيروتا، حين توقيع الاتفاق المثير للجدل (غيتي)

قبل أشهر قليلة من موافقة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على إرسال آلاف من طالبي اللجوء إلى رواند، وجّهت المملكة المتحدة إدانة إلى تلك الدولة الأفريقية، بسبب فشلها في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان على أراضيها.

لكن صفقة جديدة بملايين الجنيهات الاسترلينية، ستتيح للسلطات البريطانية ترحيل مهاجرين يبحثون عن ملاذ لهم في المملكة المتحدة، مسافة 4 آلاف ميل (5.2 ألف كيلومتر)، إلى الدولة الواقعة شرق القارة الأفريقية، كي تتم معالجة طلباتهم المتعلقة باللجوء، في عملية وصفتها وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل بأنها "شراكة رائدة عالمياً في موضوع الهجرة".

جونسون أشاد عند الإعلان عن خطط حكومته يوم الخميس الفائت برواندا، واصفاً إياها بأنها "إحدى أكثر الدول أماناً في العالم"، ومشيراً إلى أنها بلد "معترف عالمياً بسجلّه في مجال الترحيب بالمهاجرين ودمجهم في المجتمع".

لكن تبيّن أنه قبل 10 أشهر فقط من توقيع الاتفاق الجديد، دقّت المملكة المتحدة ناقوس الخطر في ما يتعلق بفشل السلطات الحاكمة في رواندا في التحقيق على نحو مناسب بانتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان، أو في حماية ضحايا الإتجار بالبشر وتقديم الدعم لهم.

الانتقاد البريطاني جاء على لسان ريتا فرينش، السفيرة الدولية للمملكة المتحدة لشؤون حقوق الإنسان، وذلك في شهر يوليو (تموز) من عام 2021، عندما أعربت عن "الأسف" لعدم إجراء رواندا "تحقيقات شفافة ومستقلة وذات صدقية، في مزاعم تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان على أراضيها، بما فيها وقوع وفيات في مراكز الاحتجاز وأعمال تعذيب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت فرينش في بيانها: "شعرنا بخيبة أمل لأن رواندا لم تؤيّد توصية من المملكة المتحدة بالتدقيق في ضحايا الإتجار بالبشر، وتحديدهم، وتقديم المساعدة لهم، بمَن فيهم الأفراد الذين احتُجزوا في مراكز العبور الخاضعة لسلطة الحكومة الرواندية".

وكانت بريطانيا نفسها قدّمت حماية لعشرات المواطنين الروانديين على مدى العقد الماضي من الزمن، عبر منحها 69 شخصاً الحقّ في اللجوء إليها، أو تقديم حماية إنسانية لهم، في الفترة الممتدة ما بين عام 2011 وعام 2021.

 باتيل كشفت عن تفاصيل الخطط البريطانية من العاصمة الرواندية كيغالي يوم الخميس الفائت، وقالت إن الاتفاق سيمكّن الأشخاص المرحّلين، الذين يُمنحون الحق في اللجوء في رواندا، من "بناء حياتهم" في البلاد.

وأضافت أن الخطة التي ستدفع بموجبها المملكة المتحدة لرواندا 120 مليون جنيه استرليني (156 مليون دولار أميركي)، إضافة إلى تكلفة الرحلات الجوية ومصاريف الإقامة، "ستساعد في كسر نموذج أعمال مهرّبي البشر، وفي الحؤول دون وقوع خسائر في الأرواح، إضافة إلى أنها ستضمن حقّاً الحماية للضعفاء منهم"، على حد تعبيرها.

لكن خبراء في هذا المجال قالوا إن "من غير المنطقي" الذهاب في التفكير إلى حدود الاعتقاد بأن طالبي اللجوء سيكون في إمكانهم إعادة بناء حياتهم في تلك البلاد، مستشهدين بسجل رواندا في مجال انتهاك حقوق الإنسان والمشكلات الاقتصادية. ونبّهوا إلى أن عدداً من الأفراد المرحّلين قد يغادرون فوراً على الأرجح، ويعودون أدراجهم إلى أوروبا.

يُشار إلى أنه يوجد في رواندا الآن أكثر من 127 ألف لاجئ، العدد الأكبر منهم من بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ويقيم معظمهم في مخيمات للاجئين، ولا يُسمح لهم بالعمل.

ويتردّد أن صفقة هجرة مماثلة عُقدت بين رواندا وإسرائيل ما بين عامَي 2014 و2017، انتهت بمغادرة فورية تقريباً لجميع المهاجرين الذين تم إرسالهم إلى تلك الدولة الأفريقية، بعد وصولهم إليها. فقد حاول كثيرون منهم العودة إلى أوروبا عبر طرق تهريب البشر، كليبيا على سبيل المثال، حيث تفشّت آفة الإتجار بالأفراد وانتهاكات حقوق الإنسان.

ميشيلا رونغ، الصحافية البريطانية مؤلّفة كتاب "لا تزعجونا"  Do Not Disturb، الذي يتناول انتهاكات حقوق الإنسان في رواندا، قالت عن تلك الدولة إنه "لا يوجد فيها حزب معارض يمكنه الاستمرار في الحياة السياسية، فيما انتخاباتها مزوّرة، ونظامها الديمقراطي مزيّف، ولديها صحيفة مهمّتها نشر الدعاية  السياسية [البروبغندا] الحكومية".

وتضيف: "إن مساحتها لا تكفي (لاستيعاب مهاجرين)، فهذه الدولة الواقعة في أفريقيا تواجه أعلى معدلات الضغط السكاني. وهي مكتظة وصغيرة جداً، وهناك كثير من الأراضي المتخمة بالمساكن. من هنا، فإن فكرة أن الناس سيستقرّون فيها ويجعلون منها موطناً لهم، تبدو حقاً سخيفة".

ورأت رونغ في إطار مقارنتها بين خطة المملكة المتحدة والصفقة الإسرائيلية الرواندية، أن طالبي اللجوء الذين سيُرسلون إلى هناك، "سيحاولون المغادرة على الفور"، وسيشرع كثيرون منهم في خوض غمار الرحلة الخطيرة إلى أوروبا مرة أخرى.

وتوقّعت أن يقع هؤلاء في شباك عصابات الإتجار بالبشر نفسها التي كان كثيرون منهم اختبروها من قبل. واعتبرت أن ما يحصل هو تكتيك تأخيري، من شأنه أن يجبر لاجئين على عبور نصف القارة الأفريقية وأوروبا للعودة إلى المملكة المتحدة.

أحد اللاجئين الروانديين في المملكة المتحدة الذي كان مُنح الحق في اللجوء عام 2018، قال لـ"اندبندنت" إنه ما زال يعيش "في حال من الخوف" نتيجة ارتكابات الحكومة الرواندية في حقّه، بعدما زعم أنه تعرّض للتعذيب على يد سلطات كيغالي بسبب مقالات نشرها. ووصف صفقة الهجرة بأنها "مثيرة للخجل".

هذا الرجل البالغ من العمر 40 سنة الذي لم يرغب بالكشف عن اسمه بسبب مخاوف على سلامته، أضاف أنه "لا توجد (في رواندا) حرية تعبير. والناس يعيشون في خوف، ويتعيّن عليهم أن يلتزموا الصمت، ولا يُسمح لهم بالتظاهر، ولا يمكنهم انتقاد الحكومة".

وتابع: "كانوا يحاولون رسم صورة جيّدة عن البلاد بعد الوضع السيّء الذي طبعها نتيجة الإبادة الجماعية. إن السياسيين يزورون (رواندا) لبضعة أيام، ويعتقدون أن الوضع فيها جيّد - لكن بالنسبة إلى كثير من الأشخاص الذين يعيشون هناك، فإن الوضع سيّء للغاية. إنني في الواقع أشعر بالسوء والأسى والخجل، لرؤية دولة مثل المملكة المتحدة، التي تفاخر بحقوق الإنسان لديها، تعامل الأشخاص الذين يطلبون اللجوء إليها بهذه الطريقة".

الاتفاق بين لندن وكيغالي سيتيح احتجاز طالبي اللجوء الذين يصلون إلى المملكة المتحدة عبر طرق غير مشروعة لتقييم ما إذا كانوا "غير مسموح لهم" بالدخول إلى بريطانيا، بمعنى أنهم كانوا قد مرّوا عبر دولة "آمنة". وإذا كان وضعهم في هذا الإطار، فسيتم ترحيلهم إلى رواندا، وإدراجهم ضمن نظام اللجوء في البلاد.

السلطات الرواندية أكدت أن الأفراد الذين يحصلون على الحق في اللجوء، سيتمتّعون بحماية كاملة مع منحهم مساواة في فرص العمل والرعاية الصحية. أما في حال عدم حيازتهم هذا الحق، فسيكون في إمكانهم الحصول على شكل آخر من أشكال التسوية، أو سيتم دعمهم للعودة إلى أوطانهم.

وستركّز الصفقة في البداية على الأشخاص البالغين فقط، لكن وزارة الداخلية البريطانية لم تستبعد نقل عائلات إلى رواندا بموجب الاتفاق.

أحزاب المعارضة في رواندا انتقدت الخطة، معتبرة أنه يتعيّن على الدول الغربية الغنية أن "تلتزم التعهدات الدولية في شأن قضايا الهجرة". ودعت الحكومة الرواندية إلى التركيز على حل مشكلاتها السياسية والاجتماعية قبل أن تعرض استضافة آخرين.

"المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة" United Nations High Commissioner for Refugees (UNHCR) أعربت عن معارضتها الشديدة للخطوة البريطانية، منبّهة إلى أنه "ينبغي عدم مقايضة طالبي اللجوء كسلع أساسية"، ومحذرة من أن الصفقة "لن يكون من شأنها سوى مفاقمة المخاطر، بحيث تدفع اللاجئين إلى البحث عن طرق بديلة".

في المقابل، وقّعت مجموعة من 150 منظمة في المملكة المتحدة تدعم اللاجئين، على رسالة مفتوحة موجّهة إلى رئيس الوزراء البريطاني، تصف الخطة بأنها "غير مدروسة"، وتحذّر من أنها ستتسبب في "زيادة الرحلات الخطيرة، وليس تخفيضها" للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى البلاد.

في غضون ذلك، أظهر استطلاع أجراه موقع "يوغوف" YouGov لأبحاث السوق، بعد ساعات قليلة من إعلان الحكومة عن خطتها، أن 42 في المئة من الأفراد الذين شاركوا فيه، يعارضون الإجراء البريطاني، في مقابل 35 في المئة فقط الذين يؤيدونه.

اتصلت "اندبندنت" بوزارة الداخلية البريطانية وبالحكومة الرواندية للتعليق على الموضوع.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة