Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقص "الآداب العامة" يطارد الأعمال الرمضانية في الجزائر 

الرقابة الشعبية تفرض منطقها وتحدد مصير المسلسلات المعروضة... استمرار أو اندثار؟

مشهد من مسلسل "حب الملوك" (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - مواقع التواصل الاجتماعي)

بقدر ما تستقطب القنوات التلفزيونية الجزائرية في رمضان نِسب مشاهدة عالية، لارتباط الأسر بالشاشة في سهرات تلي موعد الإفطار، يعتبر هذا الشهر اختباراً حقيقياً للقنوات التلفزيونية التي يتخوف ملاكها مِن مقص "الرقابة الشعبية" أو "سلطة المجتمع" الذي يتدخل لتحديد عمر الأعمال الدرامية والفكاهية، تحت مسميات "خدش الحياء والمساس بالآداب العامة". 

ومع بدء عرض المضامين الدرامية، أثيرت ردود فعل متذمرة من مستوى المواد المقدمة، إذ أحدث المسلسل الجزائري التونسي المشترك "حب الملوك"، الذي يعرض على قناة "النهار" الجزائرية (خاصة)، غضباً، بعد أن بث مشهد ممثلة في دورِ موظفة تحاوِل استمالة مديرها بهدف ترقيتها في العمل.

وبعد تلقيها كماً هائلاً من الانتقاد، حذفت قناة "النهار" (خاصة) المشهد من قناة المسلسل على يوتيوب، وكل المنصات الرقمية التابعة لها، وعبر "تويتر"، تصدر وسم "أين سلطة الضبط؟" الترند حيث طالبت معظم تعليقات الجزائريين بوقف المسلسل.

مقص الرقابة

وتجاوباً مع الجمهور، استدعت سلطة ضبط السمعي البصري، (هيئة حكومية تراقب نشاط القنوات الفضائية في الجزائر)، مدير القناة لتقديم توضيحات حول هذه المشاهد الخادشة للحياء"، وواصلت سلطة الضبط أنها "تابعت حلقات مسلسل حب الملوك وسجلت مشاهد يتنافى محتواها مع حرمة رمضان وتمس بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع الجزائري".

وتقرر توقيف بث حلقات المسلسل لمدة أسبوع لغاية مراجعة بقية الحلقات، بالمقابل قدمت قناة النهار، اعتذاراً للمشاهد الجزائري معتبرة أن "المشهد بث سهواً، ولم يكن القصد الإساءة إلى المشاهدين الذين نحترمهم كما تحرص على مراعاة قيم الجزائريين". و"حب الملوك" هو تسمية محلية لثمار الكرز، متداولة في المجتمعين الجزائري والتونسي، وهي ثمار باهظة الثمن في السوق، ويراد من استخدامها في العمل التلفزيوني الإشارة إلى العائلة الارستقراطية.

تحفظات فتية 

وقالت الفنانة مينة لشطر المشاركة في أحد أدوار بطولة مسلسل "حب ملوك"، "ليس سهلاً العمل لمدة 16 ساعة لأكثر من شهرين ونصف، حتى أن العمل لا نشاهده من قبل ونكتشفه مع الجمهور، لا يوجد عمل رمضاني صورت مشاهده حسب المعايير المطلوبة".

وأبرزت لشطر "كنت أتمنى أن تكون حملات فيسبوك قوية لوقف ما يحدث في الأماكن العامة كالسرقة، الاعتداءات، الكبت، الاحتكار، المضاربة في الأسعار، الضرب والشتم والسب العلني، القذف، التحرش الجنسي والاغتصاب". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استفسارات عن "بابور اللوح"

وطالت موجة الانتقادات، مسلسل (بابور اللوح)، إذ استدعت سلطة ضبط السمعي البصري الجزائرية، مديرة قناة "الشروق" الخاصة، بعد جدل واتهامه بـ"تجاوزات تمس قدسية شهر رمضان ".

نتيجة لهذا الاجتماع، تبرأت "الشروق"، من المقاطع المنسوبة إليها، مؤكدة أنها لا علاقة لها بما يبث على شاشة (الشروق). وهي لا تلزم سوى أصحابها ممن سربوا تلك المشاهد المبتورة عقب نشر حلقات المسلسل عبر إحدى المنصات العام الماضي". و"بابور اللوح" عمل جزائري من تأليف وﺇﺧﺮاﺝ التونسي نصر الدين السهيلي، تدور أحداثه حول الواقع المرير للشباب الجزائري الذي يلجأ إلى الهرب والسفر بطرق غير شرعية بحثاً عن مستقبل أفضل. 

مساءلة برلمانية للحكومة 

وأخذت الأعمال الرمضانية الدرامية، بعداً أخر، إذ وجه النائب الجزائري عز الدين زحوف، مساءلة لوزير الاتصال محمد بوسليماني. قال فيها "أضحى المواطن يخجل من الاجتماع على شاشة التلفزيون مع أسرته، بسبب اللقطات غير الأخلاقية والإيحاءات الجنسية".

واستفسر النائب من وزير الاتصال عن غياب هيئات الرقابة المخول لها وضع حد لمثل هذه "الانحرافات الفنية"، واستنكر عدم وجود رقابة قبلية على المسلسلات والبرامج التي تبث في رمضان وغياب "الإجراءات الردعية التي يجب اتخاذها لوقف هذه المضامين الخطيرة وضمان عدم تكرارها في المستقبل".

كما طالب البرلماني الجزائري، عبد الله عماري، من وزير الاتصال تقديم توضيحات عن الجهة المسؤولة عن مراجعة ومراقبة الحصص التلفزيونية قبل بثها. وبحسب البرلماني عماري، فإن "الكثير من المسلسلات والبرامج التي يتم عرضها عبر بعض القنوات خلال شهر رمضان لا تتلاءم مع التقاليد والعادات الجزائرية".  

تلاعب بمشاعر الجمهور

يقول مرابط حسان، صحافي مختص في الشأن الثقافي، إن "توقيف الأعمال الرمضانية بالجزائر ليس جديداً في رمضان 2022، بحيث منذ إنشاء سلطة ضبط السمعي البصري تدخلت في رمضان السنوات الماضية، وحذرت القنوات الوطنية (عمومية وخاصة) من مغبة تجاوز حدود الأخلاق وقيم المجتمع الجزائري، ففي عام 2017 وجهت إنذاراً شديد اللهجة عندما أهين الروائي رشيد بوجدرة في برنامج كاميرا خفية بث على قناة خاصة، كما تدخلت أيضاً العام الماضي وحذرت من الترويج للعنف والرعب وإهانة الإنسان في برامج كاميرا خفية، والأخيرة باتت تفتقد إلى المضمون وإلى الفكرة وإلى الرسالة معاً".

ويضيف مرابط "يدخل أصحاب الأعمال قبيل رمضان في سباق مع الزمن لتقديم الحلقات الأولى للمشاهد الجزائري، فضلاً على أن بعض الأعمال تصور خلال رمضان ويتم بث حلقاتها بفارق توقيت لا يتعدى 24 ساعة.. كل هذه الأسباب، تؤدي إلى تقديم حلقات تفتقد إلى التنسيق في مشاهد القصة، كما أن الوقت ليس متاحا للقنوات التي تعرضها من أجل مراجعتها قبلاً، ودراسة محتواها إن كان يلائم خاصية المجتمع وقدسية الشهر الفضيل. وهناك قنوات ليس لديها لجنة مشاهدة أو لا تكلف نسفها عناء مشاهدة أعمال رمضان، ما يوقعها تحت مقص سلطة ضبط السمعي البصري وتقديم محتوى غير ملائم للمشاهد الجزائري".

وبرأي المتابع للمشهد الثقافي، فإنه على سلطة الضبط التدخل أيضاً في برامج الكاميرا الخفية التي تقدم محتوى متكرر، عنوانه العنف لإضحاك المشاهد، أو أن تهين والدتك لتضحك جمهور القناة، كما حدث في برنامج مقالب تقوم فكرته أن الابن تزوج من دون علم والديه، وعندما يعلمون بالخبر تكون الصدمة، بكاء الوالدة وقلقها... أضف إلى ذلك بعض المقالب غير العفوية بل محضر لها مسبقاً ومتفق مع ضحاياها وهذا احتيال على الجمهور وتلاعب بمشاعره.

ولاحظ متابعون أن الإنتاج الدرامي جاء "مخيباً" للآمال، بعد نحو عامين من "شبه ركود" فرضته التداعيات المالية لجائحة كورونا على الأعمال الفنية في الجزائر، في حين اعتبر آخرون أن الرقابة الفنية أثرت على بروز الأعمال الإبداعية، سواء كانت رقابة من صانع القرار السياسي، أو الجهة المنتجة أو القنوات، وحتى مجتمعياً.

وبعيداً عن مقص الرقابة، تسجل أعمال أخرى نجاحاً مثل السلسلة الكوميدية "داقيوس ومقيوس" التي تحاكي الواقع الجزائري، وهي من بطولة الممثلين الجزائريين نبيل عسلي ونسيم حدوش. في المقابل، افتقد الجمهور الجزائري، الممثل الشهير صالح أقوروت الملقب بـ"عاشور العاشر"، الذي أبعده المرض ورحلته العلاجية في الخارج عن الشاشة الرمضانية الجزائرية لعام 2022.

المزيد من فنون