Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صفحات منسية من تاريخنا الحديث

ما أكثر المفارقات التي ملأت الدنيا وشغلت الناس لكنها لم تكن معروفة في عصرها

الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (أ ف ب)

في تاريخ الأمم وذاكرة الشعوب أحداث خفية وصفحات مطوية، يقلب فيها المعنيون بأمرها في مناسبات يحتاج فيها المرء إلى مراجعة جزء من تاريخ بلاده أو يجتر بعض الأحداث العالمية التي لم تستأثر بالاهتمام الكافي في الماضي، فيأتي شهر رمضان المبارك لكي يكون مناسبةً لفتح بعض الملفات الجانبية من التاريخ الحديث للمنطقة، بل وللعالم بأسره.

وإذا كنا نتذكر جميعاً القصة الأسطورية لتخلي ملك بريطانيا إدوارد الثامن عن العرش ليتزوج من مطلقة أميركية هي الليدي سيمبسون التي كانت متزوجة من قبل، ويعد الاقتران بها مخالفة لتقاليد بلاط سان جيمس، لكن الملك تمسك بحبه لتلك السيدة ضارباً عرض الحائط بالتقاليد الملكية، ولم يكن أمامه حينذاك غير اختيار واحد هو التخلي عن العرش، وأن يضحي بذلك المنصب الذي كان يشغله كملك لإمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، وإذا به يعلن تخليه عن العرش في بيان حزين ومؤثر يتوجه به إلى الشعب البريطاني، معلناً انسحابه من الحياة العامة وابتعاده عن بريق الأضواء وأمجاد السلطة، ولقد عاش مع زوجته التي ضحى بالعرش من أجلها سنوات طويلة قضى معظمها في العاصمة الفرنسية، وكان يكرر دائماً أنه سعيد بقراره غير نادم عليه، فقد كان يرى أن إرضاء عاطفته أهم بكثير من عرش الإمبراطورية وبريق الملك.

والغريب والطريف معاً في الأمر هو أن بعض الأوراق الحديثة قد تداولت معلومات جديدة عن الملك إدوارد الثامن وقصة حبه الشهيرة، لكن اللافت للنظر هو أن ذلك الملك الذي انسحب من الحياة العامة ودخل هو وزوجته في دهاليز التاريخ كان له اهتمامات سياسية خفية، فقد تواترت أخبار وتناثرت معلومات عن إعجاب خفي لديه بزعيم النازية أدولف هتلر، وأنه كان يتواصل معه سراً داعماً لسياساته معبراً عن إعجابه بشخصية الزعيم النازي، وذلك في خلاف حاد عن موقف بلاده الرسمي الذي كان في حالة حرب مع ألمانيا وقتها، لذلك لم تكن لديه القدرة على أن يجاهر برأيه، فضلاً عن كونه ملكاً منسحباً من الحياة العامة، متخلياً عن العرش ومضحياً بكل شيء من أجل تلك السيدة الأميركية التي كانت متزوجة مرتين قبله، ولكن ذلك كله لم يمنعه من إظهار تعاطفه مع انتصارات هتلر وإعجابه به.

ولا شك أن هذه المعلومات (إن صحت) تحمل دلالة خطيرة، خصوصاً أن العائلة الملكية البريطانية لا تخلو من دماء ألمانية في أصولها التاريخية، وها هو الأمير تشارلز الوريث الأول للعرش البريطاني يتهيأ للحكم بعدما أصدرت الملكة إليزابيث الثانية بياناً أقرت فيه بأن زوجته الحالية كاميلا سوف تحمل لقب ملكة في حال تولي ابنها العرش، وبذلك رفعت القيد الأخير عنه لتولي الحكم إذا سمحت له بهذا الأمر ولو لسنوات قليلة، فلن يقع في ما وقع فيه عم أمه الذي فقد العرش بسبب ظروف معقدة وتقاليد بالية يبدو أن الأمير تشارلز سوف يفلت منها على الرغم من رحيل زوجته الأولى التي يسمونها أميرة القلوب ديانا سبنسر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما أكثر ما في التاريخ من مفارقات وعجائب، لكنها دائماً سنة الحياة وسخرية القدر، فإذا انتقلنا إلى المنطقة العربية فسوف نجد هناك دراما من نوع آخر، تتصل بما تردد من معلومات عن الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق قبل ثورة 1958، التي أطاحت به وبالملك الشاب فيصل، وبنوري سعيد السياسي الموالي لبريطانيا والغرب، والمعادي وقتها لعبد الناصر وأفكاره وسياساته، فكان عجيباً وغريباً أن يتردد حالياً ما يشير إلى أن عبد الإله كان قريباً من سياسات عبد الناصر ومؤيداً له ومتواصلاً معه في الخفاء، وهو رجل العراق القوي المؤثر في سياساته، ولقد ذكرتني تلك القصة بما سمعته شخصياً أثناء دراستي في جامعة لندن في مستهل سبعينيات القرن الماضي للحصول على الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية، من أن أحد أساتذتنا الكبار، وهو عراقي كان عضواً في هيئة التدريس في إحدى كليات جامعة أكسفورد البريطانية، قد حكى لنا (نحن بعض تلاميذه)، أن الأمير عبد الإله قد أوفده ذات مرة إلى القاهرة قبل ثورة العراق 1958، لكي يختار له زوجة مصرية من إحدى العائلات العريقة ذات الحسب والنسب، وهذه المعلومة المباشرة التي سمعتها من أستاذ الاقتصاد الكبير د.فخري شهاب العراقي الأصل، الذي كان أستاذاً مرموقاً في ذلك الوقت، وهي تعطي مؤشراً لقرب الوصي على عرش العراق من الحركة الناصرية، وهو الذي انتهت حياته هو والملك الشاب ورئيس الوزراء الشهير نهاية مأسوية نتذكرها جميعاً.

كل ذلك يعني أن في التاريخ حارات رفيعة وزوايا خفية حافلة بالأحداث، مليئة بالمعلومات الجديدة التي قد لا تكون كلها صحيحة، لكنها تعطي في النهاية مؤشرات حول بعض الشخصيات التي دخلت في زوايا النسيان، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فما أكثر المفارقات التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، لكنها لم تكن معلومة في وقتها أو معروفة في عصرها، ولا زلت أذكر عندما كنت سكرتيراً للمعلومات للرئيس المصري الراحل حسني مبارك في إحدى الزيارات الرسمية لدولة قطر الشقيقة، أني التقيت مسؤولاً كبيراً مصرياً يعيش هناك كان يعمل في الخارجية المصرية لسنوات طويلة وهو المستشار حسن كامل، الذي كان مقرباً من أمير البلاد حينذاك الشيخ خليفة، رحمه الله، وهو جد الأمير تميم حاكم قطر حالياً، وقد حكى لي حينها ذلك الدبلوماسي المصري المخضرم في إحدى الأمسيات بعض تفاصيل مهمته غير المعلنة، عندما أوفده الملك الراحل فاروق الأول في زيارة لاستطلاع الحالة التي تعيش فيها شقيقته الأميرة فوزية التي كانت قد اقترنت بإمبراطور إيران في مصاهرة ملكية بين العرش الشيعي هناك والعرش السني في مصر، يوم أن ذهبت أجمل أميرات العائلة الحاكمة من أحفاد محمد علي باشا إلى طهران لتعلن إمبراطورة في ذلك البلد الإسلامي الشقيق، ولم تكن هناك وقتها تلك النعرات التي أحيتها السياسات البريطانية والأميركية من بعدها حول الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة تحت رايات الإسلام الواحد، ويومها كانت سياسة إيران طيبة مع جيرانها، ولا تستهدف تصدير ثورتها إلى غيرها خصوصاً في الدول العربية كما تفعل الآن.

وقد حكى لي المستشار حسن كامل (الذي كان أمير البلاد يقدمه لنا باعتباره المعلم والرائد والأخ في تكريم ملحوظ) وقد عصفت به حركة التطهير في السلك الدبلوماسي المصري بعد ثورة يوليو 1952، حكى أن الإمبراطورة فوزية طلبت منه إبلاغ شقيقها أن الإمبراطور لايزال مغرماً بالنساء ويتعلق بحياة اللهو ولا يعطيها الاهتمام الذي تستحقه، وأنها تشعر بالتعاسة وتفتقد الحياة في بلدها مصر، ولقد أضاف المستشار السياسي لأمير دولة قطر (رحمهما الله)  أنه عندما أبلغ الملك فاروق بعد عودته من طهران بمهمته السرية بحديث شقيقته الإمبراطورة فوزية انفجر فاروق ضاحكاً بصوت مرتفع وقال له، ليتك أبلغتها أن شقيقها في مصر لديه الصفات نفسها التي تشكو منها في زوجها في إيران، وأن هذه طبيعة الحياة في كل مكان من وجهة نظره.

والمعروف أن حياة إمبراطورة إيران الزوجية قد انتهت بالطلاق وعادت بعد ذلك إلى بلادها بعد إنجابها ابنة وحيدة هي الأميرة شهناز بهلوي، وتزوجت الأميرة فوزية بعد ذلك من إسماعيل شرين باشا الذي كان آخر وزير للحربية في مصر قبل ثورة يوليو 1952.

هذا هو التاريخ الذي لا ينسى، والذي ينصف الأموات والأحياء بالدرجة نفسها، ويعطي من القصص والحكايات كثيراً من العبر مما لم يكن معلوماً في وقته أو معروفاً في زمانه.. إنها روايات قد تكون فيها مبالغة لكن التاريخ علمنا أنه لا دخان بغير نار!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء