من الأخبار القليلة المفرحة في ساحتنا السياسية العربية خبر بدء هدنة في اليمن بين الأطراف اليمنية المتحاربة اعتباراً من الأول من رمضان ولمدة شهرين، تم الاتفاق بالرياض بين الأطراف المختلفة من دون حضور الطرف الأكثر تعنتاً وإصراراً على استمرار الحرب وهم جماعة الحوثي المدعومين من إيران. على أي حال، تعهد المبعوث الدولي لليمن السيد هانز غروندبرغ بالتزام الحوثيين بالاتفاق الذي صمد- إلى حد كبير-حتى كتابة هذا المقال.
من نافل القول، إن الهدنة ووقف الحرب في صالح كافة الأطراف المتحاربة، وخصوصاً لطرف الإنسان اليمني المنكوب، وعلى اليمنيين جميعاً تذكر حقائق واضحة دامغة من دون تنظير: الكويت والسعودية وباقي دول الخليج عملت على وقف الانقلاب ثم الحرب منذ سنين، فقد استضافت الكويت مؤتمراً للأطراف المختلفة بينهم جماعة الحوثي عام 2016، وحاولت جمعهم على كلمة سواء، ولكن للأسف الشديد- كان الحوثي يتلقى الأوامر من طهران بعدم وقف الحرب واستمرار استنزاف اليمن وشقيقاته الخليجيات، ثم جاءت المبادرة السعودية قبل عام في مارس (آذار) 2021 إثباتاً لحسن النوايا بإنهاء الحرب في اليمن، وها هي اليوم تجمع الأطراف اليمنية في الرياض ليتوصلوا لهدنة تمتد لشهرين قابلة للتمديد، وتستمر اجتماعات أكثر من 800 شخصية يمنية متواصلة بالرياض أيضاً، لإنهاء وإغلاق ملفات الخلاف.
هذا قدر المملكة العربية السعودية: محاولة التوفيق بين كافة الأطراف المتقاتلة من العرب والمسلمين، وخصوصاً في شهر رمضان؛ لما له من حرمة وقدسية لدى المسلمين، ولكن سجل المتحاربين سابقاً كان نكث العهود، وإخلاف الوعود مع الأسف. ألم تجمع المملكة الفلسطينيين من "فتح" و"حماس" ليقسموا ويتعاهدوا تحت الكعبة على الوفاق والوئام، ثم عادوا إلى غزة ليقتتلوا أبشع قتلة عام 2007؟! وقبلهم جمعت المملكة الأفغان ليتفقوا، فاتفقوا بمكة المكرمة وعادوا إلى أفغانستان ليقتتلوا من دون هوادة وهكذا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وصلت إلى الرياض ليلة البارحة على وقع تطور مهم في الملف اليمني لا يقل أهمية عن خبر الهدنة، وهو تشكيل المجلس الرئاسي الجديد الذي تؤول إليه صلاحيات الرئاسة التي كانت لدى الرئيس عبد ربه منصور هادي، ولعل تشكيل هذا المجلس يكون بداية لخريطة طريق يمينة عملية نحو مرحلة جديدة. على اليمنيين أن يدركوا أن أشقاءهم بالخليج جادون في إنهاء مأساتهم، وعليهم أن يتمسكوا بالهدنة ولا يسمحوا بتخريبها والعودة للمربع الأول، وعلى دول الخليج قاطبة أن تتسامى فوق بعض الخروقات الكلامية، والفرقعات الإعلامية والشحن الخطابي المقبل من صعدة ومن طهران في آن واحد، وأن يعملوا على إنجاح المفاوضات والتوصل لحل دائم للأزمة اليمنية. كما أن من واجبنا في دول الخليج البدء بسرعة في تنفيذ خطة مارشال اقتصادية شاملة لتنتشل اليمن من مآسيه، وتعيد الأمل للإنسان فيه بحياة ومستقبل أفضل في ظل السلام، وليس تحت فوهات البنادق. فلا ازدهار ولا استقرار تحت قرقعة القنابل والمسيّرات، ولا رخاء وتقدم في غمرة أدخنة القصف المتبادل على أطراف تعز والحديدة.
الهدنة تدل في معناها اللغوي على وجود طرفين أو أكثر، والهدنة تقود إلى الهدوء، والهدوء صفة من لا يعتدي أو يتعدى على الآخرين أو يسبب لهم الأذى، وجذرهما هدن وهدى، وهما كلمتان متجانستان ومتقاربتان في المعنى، والتشابه بالشكل يعكس غالباً تشابهاً في المعنى.
والمحيط الهادي سمي كذلك لأنه لا يثور على ماخريه، فعسى بحر الهدنة يكون هادئاً على مبحريه. واسم هادي من الأسماء الشائعة باليمن، واسم الرئيس اليمني الشرعي هادي، والهدوء صفة الحكيم، وقديماً قيل الحكمة يمانية، والحكيم هادي بدأ بالتخلي عن صلاحيات الرئاسة للمجلس الجديد، فالله الله يا أهل اليمن، كفى فرصاً ضائعة للسلام والهدوء.
تتحدث الأخبار عن بعض الخروقات المحدودة للهدنة في اليمن، الأطراف المختلفة كعادتها تتهم بعضها بعضاً، والمحب والحريص على اليمن يردد رافعاً يديه إلى السماء: يا هادي! والهادي هو الله سبحانه، وهي دعوة تقال حين يبدأ المرء يومه بحثاً عن رزقه، ونحن نقول لأهل اليمن مع بدء الهدنة: يا هادي!