Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صناعة القوارب في الأهوار مهددة بالانقراض

أنواع وأحجام مختلفة ولكل منها تسمية خاصة

تحتضن أهوار جنوب العراق، حيث المشاحيف (الزورق الخشبي النحيل)، ونبات القصب، وخبز الرز (الطابك)، الكثير من الحكايات التي يسردها سكان هذه المسطحات المائية الممتدة ما بين نهري دجلة والفرات.

حكايات عن عقود مضت كانت مياه نهري دجلة والفرات تغدق بكرمها لتغذي شرايين الأهوار وتنعش الحرف اليدوية التي يعتاش منها أهالي الأهوار، منها جمع القصب والبردي الذي يستخدم لصناعة الحُصر وبيوت القصب والمضايف التي تمتاز بها المنطقة، وصناعة القوارب للنقل والصيد.

صناعة القوارب مُوغلة بالقدم

يوضح الباحث في علم آثار المناظر الطبيعية عقيل سفيح المنصراوي، أن نشوء أول القوارب يعود إلى حضارة بلاد الرافدين، إذ استخدمت القوارب كوسائل نقل نهرية بين القرى والمدن المتباعدة، كما بين ذلك العديد من النقوش السومرية التي صورت مشاهد يظهر فيها القارب كوسيلة نقل معتمدة.

وفي أقدم ملحمة شعرية مدونة، وهي ملحمة غلغامش، يظهر استخدام الملك غلغامش القارب في رحلته للبحث عن الخلود، وهو من النوع المصنوع من البردي والمغطى بطبقة من الأسفلت (القار أو القير)، وهذا النوع من القوارب ظل مرافقاً لسكان أهوار جنوب العراق حتى الوقت الحاضر.

 

 

يوضح المنصراوي "أن القوارب أخذت حيزاً كبيراً في القوانين العراقية القديمة، إذ تشير المادة 5 من قانون لبث عشتار "إذا كان سائق القارب مهملاً، وتسبب في غرق القارب، عليه أن يدفع كل شيء نتج عن الحادث".

المشحوف والبلم

لا يمكن أن نتصور حياة الأهوار ومعالمها من دون المشحوف والقارب الذي صوره الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد (1930 - 2015) في قصيدة له "تعـرت الأهوار/ صعدت من أحضانها غيمة/ أرعدت/ أبرقت/ تبعثرت كما أشاء/ وكلما لملم أطرافي برد الشتاء/ عدت رذاذاً مطراً/ يا دفء أحضان المشاحيف".

احتفظ سكان الأهوار بالحرف اليدوية، ومنها صناعة القوارب التي لها أنواع متعددة بحسب الأغراض التي تستخدم من أجلها، فمنها ما يستخدم للتنقل وآخر للصيد، وقديماً كان يستخدم الخشب لصناعة القوارب في الأهوار، أما حديثاً فقد دخلت مادة الفيبرغلاس في هذه الصناعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القوارب التي تصنع من الخشب هي البلم، ويكون على نوعين الأول "كياري" أي يُطلى خارجه بالقار، والثاني "خشابي"، أي غير مطلي بالقار، وتستعمل فتائل القطن لسد الفراغات بين الألواح الخشبية. ويستعمل البلم للنقل من محل إلى آخر وكذلك لنقل الحمولات الثقلية والحبوب، أما البلم الصغير فيستعمل لصيد الأسماك.

أما المشحوف أو "الطرادة" الذي اشتهر بصناعته الصابئة، جنوب العراق، الذين يقطنون بالقرب من نهري دجلة والفرات، فهو يستخدم للنقل من محل إلى آخر وحمل الأثاث والحبوب والمزروعات، وهو شبيه بجسم الوزة مقدمته مرتفعة ورفيعة، ونهايته أقل ارتفاعاً من المقدمة، وفي الوسط توجد خشبات عرضية تسمى الواحدة (دوسة).

إذا كان المشحوف كبيراً فيطلق عليه اسم بركش، أما إذا كان صغيراً ومقدمته متساوية مع النهاية بالارتفاع فيسمى "الجلابية"، وهو لا يتسع لأكثر من ثلاثة أفراد.

أما "المرود" فهو مشحوف صغير لا يترفع عن الماء الا بقدر ارتفاع القدم، ولا يتسع لأكثر من شخص واحد يستعملها الصيادون لصيد الطيور لصغرها وعدم إحداث حركة وصوت عند سيرها في الماء.

المردي والغرافة

ولغرض أن يقطع المشحوف طريقه للسير في طرق الأهوار يستخدم المجداف، والذي يسمى بلهجة أهل الأهوار المردي والغرافة، وهي تصنع من الخشب الموجود في الأهوار ولكل واحدة منها استخدامها، فالمردي تستخدم في المياه الضحلة أما الغرافة فيكون استخدامها في المياه العميقة.

وشكل المردي، هي خشبة على شكل عمود طويل يبلغ طولها أحياناً عشرة أمتار يمسك بها الراكب من الأعلى ليغرسها في قاع الهور ويدفعها للخلف ليسير المشحوف عندما يكون السير عكس مجرى المياه.

أما في المياه العميقة فتستخدم الغرافة لكي يسير المشحوف، وهي خشبة طويلة في رأسها خشبة عريضة على شكل مثلث تثبت الخشبة الأولى على الثانية من جانب الارتفاع لا القاعدة التي تترك لتغمس في الماء ودفعها من قبل الراكب بقوة إلى الخلف ليندفع الزورق إلى الأمام، وتستعمل عندما يكون السير مع مجرى الماء وفي المياه العميقة.

بين المشخوف والشختورة

اختفت صناعة بعض أنواع القوارب في الأهوار، ومنها الكبيرة الحجم بسبب قلة مناسب المياه، كما دخلت مادة فيبرغلاس) في صناعتها، وبدأ غالبية حرفيي صناع القوارب بإضافة المحرك للبلم الخاص بالتنقل والسفرات لزيادة سرعة السير، ويطلق على البلم أو القارب الذي يتم تركيب محرك يطلق عليه "الشختورة".

أدى دخول إضافة المحرك إلى صناعة القوارب إلى قلة صناعة المشحوف حالياً، وذلك لصعوبة تركيب المحرك فيه بسبب شكله الذي يشبه الوزرة وتغيب عنه القاعدة التي يتم تثبت المحرك فيها على عكس القوارب الأخرى التي تحتوي على قاعدة، كما أن البعض لا يرغب بتحريك القارب بواسطة المجداف (المردي أو الغرافة)، إذ يرون أنها أصبحت طريقة متعبة للتنقل، فاستعيض عنها بالمحرك.

هل ستختفي الأهوار؟

في السابق كانت الأهوار تمتد على مساحىة بين 15 إلى 20 ألف كيلو متر مربع، إلا أن معالمها طاولها التغيير وبدأت بالانحسار، إذ تقلصت الأهوار إلى 10 في المئة بعد عام 1969 مع قلة فيضان نهري دجلة والفرات، وبحلول عام 2000 باتت معظم الأهوار قاحلة، حيث لم يبقَ إلا جزء صغير من أهوار الحويزة الذي طاوله الانكماش أيضاً، ولم يتبقَ سوى 4 في المئة من إجمالي مساحتها، ويعود ذلك بحسب تقرير الأمم المتحدة إلى سببين، الأول السدود في أعالي نهري دجلة والفرات، والسبب الآخر يعود إلى عمليات التجفيف التي قامت بها الحكومة العراقية خلال التسعينيات.

 

وفي هذا السياق، يوضح مصدر مسؤول في مركز انعاش الأهوار والمناطق الرطبة العراقية التابعة لوزارة المواد المائية  لـ"اندبندنت عربية"، أن الوضع في الوقت الراهن يحتاج إلى تضافر الجهود من خلال تقليل الاستهلاكات، وكذلك الحد من التجاوزات، كما تحتاج الأهوار إلى دعم حكومي من خلال تطوير السياحة، وكذلك التمويل لغرض تحسين نوعية المياه وإنشاء محطات معالجة مياه الصرف الصحي التي تضر بمياه المنطقة.

مهنة مهددة بالانقراض

في ورشة آل قنطار في قضاء الجبايش التابع لمحافظة الناصرية يسرد لنا حسن قنطار الذي ورث مهنة صناعة القوراب من أبيه وجده، أن هذه المهنة مهددة بالانقراض لأنها تربط بوجود الماء الذي انخفض بمستويات مخيفة "قلة المياه مع قلة السيول الواردة للمنطقة، فضلاً عن استخدام المخزون المائي، كلها عوامل تجعل من مهنتنا على حافة الانقراض".

يستذكر قنطار ازدحام ورشة أبيه سابقاً، ويقول: "كانت الورشة تعمل ساعات طويلة، وكان من يرغب بشراء البلم عليه أن ينتظر أشهراً لانشغال الورشة بالعمل".

ويضيف، "الآن نصنع قاربين أو ثلاثة خلال شهر واحد، وهذا ما يجعل مصدر رزقنا من هذه الصناعة مهدداً بالزوال".

أربعة أيام ويكتمل القارب

في المقابل، يوضح ضاحي زناد الذي يعمل في صناعة القوارب كوسيلة لكسب قوته، أن "مدة إنجاز القارب هي أربعة أيام، وتختلف القوارب من ناحية طولها بالأمتار، فهناك 20 و15 و16 و10، ومن يرغب بالصيد سيقتني قارباً صغير الحجم، أما الذي يرغب باستخدام القارب للسفرات السياحية فسيحرص على الحصول على القارب الكبير ليستوعب عدداً أكثر".

من جهة ثانية، يقول حسن قنطار عن طريقة صنع القارب، "نبدأ العمل بتصنيع قاعدة البلم، وبعدها تركيب الجوانب، ونربط المحامل، وهي أطراف القارب، وبعد اكتماله يطلى بالدهان، والألوان المستخدمة هي البني والأخضر والأحمر التي تضاف لها مادة معنية لغرض أن تحافظ على رونقها مع انخفاض درجات الحرارة في الشتاء".

أما أنواع القوارب التي تنجزها ورشتة فيقول: هي "البلم العشاري، والقلص، والمشحوف، والطراد، والبوري"، ولكل واحد من هذه الأنواع من يهواها، فأصحاب الصيد أو الرماة يقنتون البوري، وهو خاص بصيد الطيور، أما الذين يعتاشون على تربية الجاموس والأبقار، فيناسبهم القارب ذو الحجم الكبير لنقل مواشيهم من مكان إلى آخر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات