Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لاجئ مرتين…عن هروب رجل في أوكرانيا من الحرب مرة أخرى بحثا عن بر أمان لأسرته

مع هروب ملايين الأشخاص من أوكرانيا، يتحدث لاجئ في مولدوفا مع بورزو درغاهي عن الحرب الروسية التي دمّرت طفولته منذ ثلاثة عقود، والصراع الحالي الذي يهدد مستقبل أطفاله

هاربون من الغزو الروسي عند نقطة التفتيش الحدودية بين مولدوفا وأوكرانيا قرب قرية بالانكا، مولدوفا، 14 مارس  2022 (غيتي)

كان أمله أن يجنّب أطفاله الثلاثة الطفولة المؤلمة التي قاساها، بعد نزوحه بسبب الحرب هرباً من القصف والنيران.

ولكن في وقت سابق من الشهر الجاري، بعد أن اختبأ في قبو منزله لعشرة أيام تقريباً فيما أمطرت القنابل الروسية فوق خاركيف في شمال شرقي أوكرانيا، وضع مالخيز رازغوييف زوجته وأطفاله وأقرباءه وعدة أشخاص من جيرانه في موكب من ثلاث سيارات في محاولة يائسة للفرار نحو الأمان.

ساروا في طريق متعرج عبر البلاد أياماً عدة، من دون أن يعلموا أين سيأخدهم هذا المسار. وفي نهاية المطاف، وصلوا إلى الحدود الجنوبية الغربية لأوكرانيا مع مولدوفا، وبعد انتظار ساعات في صف سيارات امتدّ عشرة أميال، عبروا الحدود. ثم قابلهم تحدّي العثور على ملجأ، وتأمين المال، وإيجاد حلّ لمسألة تعليم أطفال السيد رازغوييف.

وجد السيد رازغوييف نفسه مرة أخرى أمام حطام حياته التي مزقتها الحرب، في تكرار لما حصل معه منذ 30 عاماً بالزبط حين اضطر للفرار من الصراع في بلده الأم، جورجيا.

ويقف خارجاً في يوم شتوي بارد وقاتم قرب المعبر الحدودي في بالانكا ويقول لـ "اندبندنت": "إنه القرن الحادي والعشرين،  وأنا أعيش هذه الحياة. لم أكن لأتخيّل هذا على الإطلاق. كنت لاجئاً من قبل. وأنا الآن لاجئ للمرة الثانية".

قُتل مئات المدنيين وأصبح أكثر من 3 ملايين غيرهم لاجئين بسبب حرب روسيا على أوكرانيا، فعَبَر 335 ألفاً إلى مولدوفا التي تعدّ من أفقر الدول الأوروبية.

يشعر كثيرون في الغرب بالصدمة وبهول حرب يعتبرونها عظيمة على القارة الأوروبية.

ولكن الحرب شكّلت حياة مواطنين كثر في الدول الشيوعية سابقاً. إضافة إلى عقد من الحروب المتداخلة في البلقان، نشبت حروب تدعمها روسيا في مولدوفا كما وقع  في عام  2014  حادث الاستيلاء على الأراضي في شرق أوكرانيا على يد المسلّحين الموالين للكرملين.

 في جورجيا، حيث وُلد السيد رازغوييف، قاتل الانفصاليون المدعومون من روسيا في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ضد الدولة المستقلّة حديثاً التي كانت في السابق جمهورية سوفياتية لأشهر طويلة، في إطار حرب أهلية استمرت من عام 1991 وحتى عام 1993 وكانت حصيلتها نحو 10 آلاف قتيل و250 ألف نازح. وفي الوقت نفسه، مزّق الجورجيين صراع سياسي عنيف خلّف أكثر من 100 قتيل.

كان السيد رازغوييف يبلغ من العمر ثمانية أعوام في ذلك الوقت. حاول جاهداً أن يفهم معنى الحوارات الخافتة المحمومة التي كانت تدور بين البالغين حوله. وفي أحد الأيام، وضّبت أمه بعض مقتنياتهم وحملته وأخيه بعيداً واستقرّت العائلة مع عمّ له في خاركيف. 

هناك في أوكرانيا، عانى هو وأخوه لكي يتأقلما مع المكان، ولكنهما نجحا في النهاية بتأسيس حياة لهما. فتح مشروعاً تجارياً في عام 2006 لتجميع وبيع الأرائك والطاولات لغرف الأطفال.

التقى السيد رازغوييف بالمواطنة الأوكرانية أولغا، عبر تطبيق مواعدة إلكتروني. كانت تحب الحيوانات وتعمل في متجر يبيع مستلزمات الحيوانات الأليفة. أما هو فكان يحب الأطفال ورُزقا في النهاية بثلاثة: أرتيوم الذي يبلغ حالياً 10 سنوات من العمر، والتوأم آنا وبيلا، ولهما 8 سنوات من العمر.  

نجح في مهنته. بدأ يشحن الأثاث إلى منطقة دونباس. في عام 2014، اندلعت الحرب في شرق أوكرانيا، ووقعت قذيفة على أحد متاجره- ولكن عمله ظل يتوسع، وتتوسع معه آمال عائلته.

ويقول: "عانيت قليلاً بسبب ما حدث هناك، ولكن ليس إلى الحد الذي أعانيه الآن".

كبر الأطفال بسرعة. اشترى السيد رازغوييف سيارة دفع رباعي من أحدث طراز، وألحقها بشاحنة صغيرة مقفلة من مرسيدس فيها تسعة مقاعد يستقلّها لاصطحاب عائلته إلى جورجيا مرة كل عام من أجل زيارة الأقارب. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف "كنت أعيش حياة جيدة ولدي وظيفة جيدة. كنت أقضي العطلة مرة كل عام في تركيا".

أما الحياة في أوكرانيا، فكانت في تحسّن. بعد سنوات من الركود والانكماش عاشها اقتصاد البلاد خلال حرب عام 2014، كان الوضع قد بدأ بالتقدم على الرغم من جائحة كوفيد والحرب المستعرة في دونباس.

بضغط من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي سعت للدخول إليه، كما مجتمعها المدني النشط، قامت أوكرانيا بضبط الفساد المستشري. صوّت رازغوييف في انتخابات عام 2019 لصالح فولوديمير زيلينسكي، الكوميدي والممثل والمنتج الذي فاز بمقعد الرئاسة بفضل نسبة أصوات غير مسبوقة بلغت 73 في المئة.

ويقول السيد رازغوييف: "أعتقد أنه أفضل رئيس مرّ علينا".

"لقد شيّد بعض الطرقات. وأنجز مشاريع لم أر شخصياً أي رئيس أوكراني يحققها قبلاً. كما أنه شاب ولديه وجود فاعل جداً، لم نشهده قبلاً".

لم يظن السيد رازغوييف بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيهاجم أوكرانيا حقاً، وظل في مكانه حتى بعد بدء القتال، لاعتقاده بأنه سينتهي قريباً. عندما بدأت القذائف بالسقوط عليهم، احتمى مع عائلته في قبو منزلهم في خاركيف.

إنما بعد فشل روسيا في تحقيق نصر سريع، شرعت قوات السيد بوتين بإطلاق نيرانها على مباني المدنيين، وهنا بدأ الكابوس.

نينا، 44 سنة، وهي لاجئة أوكرانية وصلت إلى مولدوفا برفقة ابنها البالغ من العمر 10 سنوات منذ يوم واحد، ووجدت مأوى لهما داخل مركز معارض تحوّل إلى مهجع للاجئين، تقول: "بدأوا بقصف المدارس ودور الحضانة".

قررت عائلة السيد رازغوييف أن تغادر خاركيف بعد مقتل صبي عمره 13 سنة، هو صديق ابنه، فيما كانت عائلته تهرب من غارة جوية دمّرت المبنى السكني الذي كانت تقطنه.

وهو يقول: "كانا يلعبان كرة القدم معاً".

والآن أتى دور أطفال السيد رازغوييف في المعاناة من أجل فهم الأحداث. سحب كافة المبلغ الذي قدر أن يسحبه من المصرف. وجمعوا البطانيات وحضروا الحقائب بسرعة.

كانت الرحلة شاقة. والحصول على الوقود صعباً. توقفوا مراراً، وبحثوا عن دلائل على الإنترنت فيما أخذوا النصائح والتحذيرات والإرشادات من آخرين على الطريق.

بصفته أباً لثلاثة أطفال، يُعفى السيد رازغوييف من قيود القانون العرفي التي تحظر على أي مواطن ذكر بعمر القتال مغادرة أوكرانيا.

 

ولكن بعد شعوره بالارتياح المبدئي لعبور الحدود عند بالانكا، فرض الواقع نفسه عليه.

يُطلب من اللاجئين الأوكرانيين أولاً التوجه إلى مخيّم مؤقت قرب الحدود، ولكن 90 في المئة منهم ينجحون في إيجاد عائلات تستقبلهم. تعاني الحكومة المولدوفية الهشة أساساً من أجل تلبية طلباتهم. 

ألا فولنتييك، إحدى المتطوعات التي تساعد في إدارة مهجع اللاجئين في مركز المعارض، تقول: "لدينا أطفال ونساء كثر. وهناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من إعاقات أو حالات مرضيّة".

تتوجه غالبية الأوكرانيين وغيرهم من اللاجئين الذين يصلون إلى مولدوفا بعدها إلى بولندا أو أجزاء أخرى من أوروبا.

رحل جيران السيد رازغوييف، الذين التحقوا بعائلته أثناء فرارها، لكي يبقوا مع أقرباء لهم يسكنون في ألمانيا. أما هو، فبقي مع زوجته وأطفاله وعائلة أخيه في مولدوفا. 

بحث على الإنترنت ووجد منزلاً بسعر معقول- أقرب إلى الكوخ- في قرية إيفانسيا النائية في منطقة ريفية عدد سكانها محدود، شمال العاصمة كيشيناو، وتمكنوا من استئجاره من المالك الذي تعاطف معهم.

لكن البرد قارس داخل المنزل، ويقضي ساعات طويلة مع أخيه في تقطيع الحطب للمدفأة. ولكنه سقف يأويهم.

بعدها، أتت المتاعب المتعلقة بالمال. كانوا يملكون رزمات من المال بالعملة الأوكرانية. ولكن المصارف والصرافين رفضوا فجأة تحويل المزيد من المال. وتعيّن على أحد منهم العودة إلى أوكرانيا لإعادة وضع المال في بطاقة ائتمان يمكن سحب المال منها في الخارج.

وخشي السيد رازغوييف من أنه في حال عودته، لن يُسمح له بالمغادرة وجلب البطاقة معه. ولذلك، عادت أولغا إلى أوكرانيا فيما انتظر بقلق طيلة ساعات في البرد القارس عند الحدود مع بالانكا لكي تعود بسلامة إلى مولدوفا.

يعاني الرجل من مشكلة صحية تمنعه من القتال في الجيش، ولكنه يأمل في أن يعود إلى أوكرانيا عندما يستقر وضع أطفاله.

ويشرح قائلا: "عندما أتيقّن من أنّ زوجتي وأطفالي بأمان هنا، سأعود لأقاتل من أجل أوكرانيا. لأنها موطني".

على الرغم من كل ما حدث، لا يحمل أي ضغينة تجاه الروس أو روسيا حتى، البلد الذي يعرفه جيداً.

ويقول: "ليس ذنبهم. هم أيضاً يعانون. ألوم رجلاً صغيراً يحمل الشيطان بداخله".

© The Independent

المزيد من متابعات