كلما أُعلن عن مبادرة حل سياسي تسعى لوقف الحرب، يستبشر اليمنيون بدعوات السلام بالعودة لماضيهم القريب الذي لم يكن مثالياً، ولكنه أرحم بهم من واقعهم الحالي الذي أدخل "البلد السعيد" في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وفي مسعى جديد يعد مجلس التعاون الخليجي العدة لعقد مشاورات سياسية في الرياض بمشاركة الحكومة الشرعية وكل القوى الأخرى بما فيها ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، في خطوة تحمل دلالات جديدة على مشهد المبادرات التي قدمت سابقاً في إطار مساعي حلحلة الأزمة اليمنية.
إلا أن الميليشيات استقبلت مؤتمر أمين عام المجلس نايف الحجرف، أمس، برفض المبادرة بشكل جزئي، بعد أن قبل بها الطرف الآخر.
موافقة ورفض
الميليشيات رحبت بإجراء المحادثات، واشترطت بشكل ضمني أن تتم في بلد محايد على أن تكون "الأولوية للملف الإنساني ورفع القيود الأممية عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي"، وهي إشارة تعطي دلالة على موافقة حوثية بعد تنامي الضغط الإقليمي والدولي ضده، كان آخرها تبني مجلس الأمن الدولي، أخيراً، القرار 2624 الذي يجدد نظام العقوبات على اليمن، ويصنف للمرة الأولى ميليشيات الحوثي "جماعة إرهابية"، تبعه، أمس الأول، قرار الاتحاد الأوروبي الذي قضى بإدراجهم في القائمة السوداء ضمن الجماعات الخاضعة للعقوبات ومنها "حظر الأسلحة".
يرى الباحث السياسي اليمني، محمد المقبلي، أن الحوثي بات مرهقاً ومستهلكاً من الحرب، خصوصاً بعد خسائره البشرية في مأرب وشبوة، ولهذا "يحتاج إلى مخرج سياسي من مأزق الحرب والعزلة الدولية التي تضيق به يوماً بعد آخر، وأظنه سيوافق هذه المرة على المجيء للرياض، والدليل أن بيانهم الذي نشرته وكالة سبأ الموالية لهم لم يحمل رفضاً مطلقاً للمبادرة".
وأضاف، "كان بيان التعليق على المبادرة منخفض الحدة بقدر ما لمحوا لطلب تغيير المكان، وهو قبول مبدئي لم يوافق على المبادرة بشكل واضح خشية أنصاره".
دلالات مجلس التعاون
من الواضح أن الدعوة الخليجية تهدف لترميم البيت اليمني من الداخل استعداداً لحل شامل للأزمة اليمنية في كل اليمن شمالاً حيث الحوثي، وجنوباً حيث الانتقالي والشرعية وقوات طارق صالح.
ووفقاً للمقبلي، فإنها "دلالة على أن التحرك هذه المرة يأتي في سياق كتلة خليجية واحدة تحمل رؤية موحدة للحل السياسي، وهو مؤشر جلي من قبل المجلس على أن اليمن والخليج جزء لا يتجزأ من أمن دول مجلس التعاون والجزيرة العربية بشكل عام".
مبادرة الخليج الثانية
وبخصوص مبادرة مجلس التعاون التي كشف إطارها العام أمين عام المجلس، نايف الحجرف، فستناقش ستة محاور رئيسة منها: العسكري، والأمني، والعملية السياسية، وتعزيز مؤسسات الدولة والحوكمة، ومكافحة الفساد والاستقرار الاقتصادي، والتعافي الاجتماعي إضافة إلى الإنساني الذي يهدف لإغاثة الشعب اليمني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولهذا يعتبرها الباحث المقبلي "بمثابة مبادرة خليجية ثانية على غرار المبادرة الخليجية الأولى (خلال أزمة الثورة الشبابية 2011) مع اختلاف أن الحوثي ومن خلفه إيران يرون السعودية عدواً ما لم يكن هناك طرف خليجي معين، قد أوكلت إليه مهمة الدفع بالحوثي لتوقيع مبادرة جديدة بإيعاز من إيران أو بالتنسيق معها وأقصد هنا سلطنة عمان".
منطق القوة
في المقابل يستبعد مراقبون قبول الحوثيين لدعوات السلام بسهولة بناء على طبيعة حضورهم الذي يكتسب فاعلية وجوده وسيطرته من سطوة السلاح، انطلاقاً من تعصبها الطائفي المتشدد وحقها الإلهي في "الولاية".
ويستند المتشائمون من رضوخ الحوثي للسلام إلى سجل الجماعة الحافل الذي عرفت به مع كل دعوة وآخرها المبادرة السعودية قبل عام، وفي حال قبلت بها تحت أي ضغط.
كما يستند المراقبون للقوة العسكرية التي باتت الميليشيات تفرضها على الأرض اليوم وتحكمها في زمام المبادرة العسكرية واجتياحها المدن واحدة تلو الأخرى، ولهذا فهي ليست في عجلة من أمرها للدخول في التزامات سلام هي في غنى عنها.
ويقول المحلل السياسي اليمني، عبد القادر الجنيد، إن الحوثي، يعتقد أنه أقوى من كل الأطراف اليمنية، ولهذا فهو يتعامل مع البقية من منطلق "القوة الذي لا يتحاور ولا يوافق على الندية ولا يقبل أن يكون مجرد طرف بين كافة المكونات اليمنية الأخرى".
يستدل المحلل اليمني بتحاور اليمنيين والحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء، 2012 - 2013 وتحاورهم في كتابة الدستور في الإمارات، ومحادثات "جنيف1" و"جنيف2" والكويت، وستوكهولم، عدا عشرات الندوات وورش عمل المنظمات الأوروبية ووساطات المبعوثين الأمميين من دون أن يقبلوا بأرضية للعيش المشترك مع كافة اليمنيين.
وفي تغريدة له على "تويتر"، قال القيادي في الجماعة، محمد علي الحوثي، إن "ما يثار في الإعلام عن دعوة المجلس الخليجي للحوار، هي في الواقع دعوة الرياض"، مشيراً إلى أنها امتداد للمبادرة السعودية التي تحفظت عليها الميليشيات.
فوائد مرتجاة
ومع الدعوة الخليجية التي سيحضرها 500 شخصية يمنية يصيغون رؤية مشتركة لوضع الأُسس لتسوية سياسية ستحدد كثيراً من ملامح المرحلة المقبلة في صورة المشهد اليمني الملتهب.
يتطرق الجنيد إلى "الفوائد التي يمكن أن يستفيد اليمن منها في هذا المؤتمر، والتي من بينها توحيد شتات اليمنيين، وخصوصاً القوة العسكرية المناوئة للحوثيين وإيران وتبديلات في البنية الهيكلية للشرعية وتحقيق انسجام بين السعودية وقيادات الشرعية، والتخفيف من التناقضات داخل مكونات التحالف ومجلس التعاون الخليجي الذين يمولون ويساندون قوى يمنية مختلفة".
ويستشرف المشهد النهائي الذي يتوقع أن تخرج به المباحثات التي ستحضرها كافة المكونات اليمنية "بالتأكيد على وحدة اليمن وسلامته، وعلى حل شامل بناء على المرجعيات الثلاث والبدء في خطوات تحسين الخدمات والحياة المعيشية لليمنيين في المناطق تحت سيطرة الشرعية وجعلها مناطق حاضنة وجاذبة وجذابة لكل اليمنيين".
ويتوقع مراقبون ألا تبتعد بنود المبادرة السعودية الجديدة في محدداتها العامة عن السابقة التي أعلنتها الرياض في مارس (آذار) 2021 لإنهاء الحرب في اليمن، بالتعاون مع المبعوثين الأممي والأميركي الخاصين باليمن، وعُرفت بـ"المبادرة السعودية"، وتضمنت وقفاً شاملاً لإطلاق النار تحت رقابة أممية للوصول إلى اتفاق سياسي وفتح مطار صنعاء لعدد من الرحلات الإقليمية والدولية، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة، وفق "اتفاق ستوكهولم".