Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من وراء شلالات الدم في جبل "مون" بدارفور؟

صراع متعدد الأوجه وتعهدات زعماء القبائل فشلت في الاحتواء

يعتبر جبل "مون" من المناطق الغنية بالموارد الطبيعية (اندبندنت عربية - حسن حامد)

منذ فترة ليست بقصيرة، تشهد قرى وسكان محلية جبل "مون" بولاية غرب دارفور، غرب السودان الغنية بالثروات المعدنية، اشتباكات عنيفة تستخدم فيها أسلحة نارية متقدمة من قبل مسلحين مجهولين حتى الآن، إذ ظلت تلك المناطق تعيش دوامة من الاشتباكات والعنف الدموي المستمر، لا يكاد يهدأ أو يجف نزفه، حتى ينفجر من جديد، وسط اتهامات لجهات وأيادٍ خفية لم تحدد هويتها وجهة تبدو مبهمة، لكن يشار إليها في كثير من الأحيان بالعصابات أو الأيادي الخفية من خارج المنطقة أحياناً.

فما الذي يحدث في جبل "مون"؟ ومن يقف وراء ذلك الشلال من الدماء والموت المتواصل؟ وما دور الدولة في التدخل لحماية أرواح المواطنين هناك؟

احتجاج

ربما لا تكون أحداث واشتباكات نهاية الأسبوع الماضي التي راح ضحيتها أكثر من 19 شخصاً وحرق عدد من القرى، التي تحمل الرقم تسعة خلال الخمسة أشهر الماضية، هي الأخيرة في مسلسل هذا الصراع الذي ظل يجتذب كثيراً من الدماء والأضواء معاً.

وفي محاولة لتلافي تدهور الأوضاع أكثر، تبذل قيادات وزعامات قبلية وأهلية من المنطقة مساعٍ وتحركات لدى الحكومة المركزية للتصدي لما وصفوه بالهجمات المتكررة على المنطقة، مطالبين بضرورة تدخل الحكومة المركزية وتحمل مسؤولياتها تجاه حفظ الأمن وحماية المواطنين هناك.

في الخرطوم، في الوقت الذي جدد فيه مجلس السيادة الانتقالي في اجتماعه الدوري، برئاسة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، خلال تداوله حول الآلية الوطنية لحماية المدنيين، تشديده على أهمية بسط الأمن وتحقيق الاستقرار في دارفور، نفذت عشرات الأسر المتضررة من أحداث جبل "مون"، الأحد 14 مارس (آذار)، وقفة احتجاجية أمام القصر الجمهوري، منددين بالهجمات التي تشنها مجموعات متفلتة، أدت إلى مقتل وإصابة العشرات وتشريد مئات الأسر.

وطالبت الوقفة الحكومة بضرورة الإسراع في إطلاق يد القوات المسلحة لحسم ما سموه "الفوضى المدبرة"، والتحقيق ومحاسبة لكل من تورط في تلك المجازر والمآسي، ووصفوا ما يحدث بأنه حرب تهدف للتهجير القسري للمواطنين بواسطة جهات تسعى لنهب ثروات البلاد داخل جبل "مون".

ليس قبلياً فقط

في السياق، تحدث لـ"اندبندنت عربية"، الدكتور هشام نورين، نائب الوالي ووزير الزراعة الأسبق بولاية غرب دارفور، وأحد القياديين القبليين بالمنطقة، موضحاً أن توصيف الاشتباكات المتجددة بالمنطقة بأنه صراع قبلي محض بين "المسيرية" والقبائل العربية، أمر غير دقيق، مشيراً إلى أن ما يحدث هو أن عناصر مسلحة غير معروفة تقوم بهجمات من وقت إلى آخر على المنطقة، من دون أن ينفي مشاركة بعض العناصر العربية وسط تلك المجموعات.

واستنكر نورين تكرار وكثافة الهجمات بواسطة ميليشيات منظمة في محاولة منها إلى إبعاد السكان الأصليين من قبيلة "المسيرية الجبل" عن منطقتهم، داعياً الحكومة المركزية إلى التدخل وتحمل مسؤولياتها تجاه حفظ الأمن وحماية المواطنين هناك، مشيراً إلى أن المهاجمين في هجومهم الرابع على محلية "صليعة" رئاسة محلية جبل "مون"، استخدموا نحو 20 عربة مدججة بالمدافع والرشاشات.

وطالب القيادي الأهلي والوزير السابق، بضرورة اتخاذ إجراءات وترتيبات أمنية حكومية لمعرفة من هم هؤلاء أولاً، ثم من بعد تحديد طبيعة المشكلة، وهل هي مشكلة مرعى أم أرض أم هو صراع على الموارد كما يتصور البعض، مع تأكيده أن الطرف المقيم تاريخياً في المنطقة هم قبيلة "المسيرية جبل"، مع قبائل أخرى جاءت إلى المنطقة في الآونة الأخيرة وتعايشت معهم، كما أن كل الأطراف تؤكد استعدادها للجلوس للتصالح والتعايش السلمي.

الهوية والموارد

بدوره، رأى أبو القاسم إمام، الوالي الأسبق بولاية غرب دارفور، أن الصراع في جبل "مون" متعدد الأوجه والجوانب، كونه صراعاً على الموارد والهوية في الوقت نفسه، منتقداً فشل الحكومة في التعاطي الجاد مع الوضع في دارفور بصفة عامة وفي منطقة جبل "مون" على وجه الخصوص، محملاً بعض أطراف اتفاق سلام جوبا مسؤولية المساهمة بطريقة ما في تدهور الوضع أيضاً.

أضاف إمام "من المعروف أن منطقة جبل مون سكانها الأصليون هم المسيرية ويتعايشون مع قبائل أخرى، وكانت تنشأ احتكاكات متقطعة مع بعض المجموعات العربية حول المنطقة، لكن بعد اكتشاف جهات عديدة غنى المنطقة بالموارد المعدنية المتعددة، بدأ شكل الصراع يتحول صوب الموارد والذهب بصفة خاصة، ما دفع بسكان المنطقة إلى التشدد وزيادة حماسهم في الدفاع عنها، كما أن انخراط بعض أبنائهم العائدين بموجب اتفاق السلام الأخير في جوبا معهم في الدفاع عن المنطقة، أدى إلى زيادة وتيرة احتكاكهم مع القبائل العربية التي باتت تهاجمهم تحت ستر ميليشاوية عدة".

ولم يستبعد الوالي الأسبق أن يكون هدف الهجمات هو الهيمنة على تلك الموارد، واستغرب عدم تدخل الحكومة الفوري والقوي، وإرسال قوات كبيرة للفصل بين الأطراف، لحسم هذا الصراع الدموي المتكرر والمتجدد، واتخاذ الترتيبات الأمنية والإدارية اللازمة لتقنين مسألة التعدين.

ولم ينفِ إمام وجود بعد لمسألة الهوية في نزاع واشتباكات جبل "مون"، في ما يتعلق بالوجود المشترك لـ"المسيرية" والقبائل العربية المتعارف عليه بمصطلح (الزرقة والعرب) في سياق التنافس على الاستحواذ على هذه المنطقة الغنية بالموارد المعدنية النفيسة، وانتقد عجز حكومة الولاية وضعف قدراتها المادية وقصور رؤيتها للحلول، ما يجعلها تبدو في نظر المواطنين، إما متراخية ومتهمة بالتواطؤ أو أنها عاجزة وضعيفة على الرغم من أنها تملك السلطة لاتخاذ إجراءات حاسمة، فما الذي يمنعها؟!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحذر الوالي الأسبق، من أن الوضع في جبل "مون" بات خطيراً ومخيفاً يخشى أن يتمدد إلى مناطق أخرى في دارفور وغيرها، بخاصة أن هناك معلومات تشير إلى تحركات مماثلة حول جبل "مرة"، في ظل أوضاع أمنية هشة وغياب حكومي فتح شهية كثيرين من أصحاب الأطماع بالداخل والخارج لنهب أكبر قدر من موارد البلاد، لا سيما معدن الذهب.

تقاطع المصالح والسياسة

على صعيد متصل، قال محمد عبد الله الدومة، والي ولاية غرب دافور الأسبق أيضاً، ما بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019، الذي عايش بداية تلك الأحداث، "إن ما يحدث في منطقة جبل مون تنفذه عصابات نهب يستعين بها آخرون كجهات غير معلومة، لكن لو رغبت الحكومة في معرفتها، فذلك ممكن جداً، وبالتالي، لا يمكن توصيف تلك الاشتباكات المتكررة بأنها صراع قبلي بحت، لكن يمكن القول إنه صراع تتقاطع فيه المصالح والسياسة معاً، وتستخدم خلاله العناصر القبلية كمجرد أدوات".

وأشار الدومة إلى أن كل محاولاته لمعالجة الأوضاع إبان فترة توليه السلطة في الولاية باءت بالفشل لعدم توفر الدعم اللازم من الحكومة المركزية، وعلى الرغم من إصداره أوامر بضرب "المتفلتين" بقوة، لكن أوامره لم تكن تنفذ، لافتاً إلى أن الحكومة المركزية تبنت قراراته نفسها لاحقاً، لكنها لم تكن جادة في مكافحة تلك العصابات المسلحة ورفضت حتى مد حكومة الولاية بطائرة هليكوبتر واحدة، لمطاردة وردع وتخويف تلك العصابات.

ورأى الدومة أن الحل يكمن في شقين، أولهما أن تتفهم القبائل المستخدمة في هذا الصراع أن هذا الأمر لا نهاية له ولا فائدة لها منه، أما الشق الآخر فهو التعامل هذه العصابات بالشدة اللازمة، فضلاً عن ضرورة دعم وتقوية إمكانات وقدرات حكومة الولاية، وتفعيل الترتيبات الأمنية الواردة في اتفاقية سلام جوبا، ونزع سلاح المواطنين ومصادرة الدراجات النارية التي تستخدم في النهب.

ودعا الوالي الأسبق إلى إبعاد القبائل عن دائرة الاستغلال بواسطة العصابات وإظهار هيبة وقوة الدولة والتعامل مع قضايا مشاكل الأراضي بالجدية اللازمة، مطالباً بضرورة غربلة الإدارة الأهلية بعد أن اضمحلّ دورها في حل النزاعات القبلية لأنها باتت في بعض الأحيان طرفاً فيها، بالتالي لا تصلح لأن تكون مدخلاً للحلول، وتابع، "منذ فترة، تراجع الوضع الأمني، بعض الناس يقولون إنه صراع قبلي، لكنه ليس قبلياً بالمعنى المفهوم له، لأن له شروطه المعروفة، لكن ما يحدث في جبل مون تقوم به عصابات تكاد تكون معروفة، جزء منها داخلي وبعضها من خارج الحدود، ولها أماكن وتجمعات معلومة لدى السلطات الولائية والمركزية، لكنها لم تتدخل لاتخاذ أي إجراء تجاهها".

عصابات للإقصاء

ورأى الدومة أيضاً أن هدف تلك العصابات هو إبعاد السكان الأصليين والاستيلاء على موارد المنطقة، سواء أكانت أراضي أو مواشي، أو ذهباً، وتختلق في ذلك أسباباً واهية ومتباينة لشن هجماتها كالتحجج بمقتل شخص (واحد)، كما أن لها إمداداً بالسلاح والمدافع الرشاشة، وعلى الرغم من ذلك، يتمكن الأهالي من طردها وهزيمتها في كل مرة، مشيراً إلى ضعف قدرات حكومة الولاية، فضلاً عن أن المتوفر من القوات العسكرية غير كافٍ وغير مجهز بالشكل الملائم لمحاربة تلك العصابات.

وفي سعيها لاستطلاع رأي حكومة الولاية حاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع الجنرال خميس أبكر، والي ولاية غرب دارفور الحالي، لكنه كان في رحلة استشفاء خارج البلاد، وتحدثت مع نائبه الأمين العام للحكومة، الذي هو أيضاً طريح فراش المرض في منزله بمدينة الجنينة عاصمة الولاية، بينما أمسك نائب الأمين العام، الرجل الثالث في الولاية عن الحديث لنا حول الأحداث بحجة عدم تخويله بذلك.

وفشلت تعهّدات وقّعها زعماء القبائل العربية وقبيلة "المسيرية" في المنطقة بوقف الأجواء العدائية ووقف كل أنواع التصعيد إلى حين قيام مؤتمر للصلح في احتواء الموقف المتفجر.

وتشهد الأوضاع الأمنية خلال الأشهر الماضية تدهوراً ملحوظاً أدى إلى مقتل المئات، وتم إحصاء أكثر من 200 حادثة عنف بمناطق الإقليم المختلفة في عام 2021 نتيجة تصاعد المواجهات القبلية، كان أحدثها الاشتباكات الدموية المتكررة في منطقة جبل "مون" بولاية غرب دارفور، وبلغ عدد الضحايا أكثر من 200 وفق هيئة محامي دارفور، وأدت إلى فرار نحو 10 آلاف مواطن إلى دولة تشاد المجاورة، بحسب الوكالات الإنسانية، معظمهم من النساء والأطفال.

المزيد من تقارير