Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جبل "مرة" سحر الطبيعة وكنز سياحة السودان المجهول في دارفور

يعد الإقليم من المناطق الغنية بالآثار التاريخية التي يعود بعضها إلى العصر الحجري القديم

وفق التوصيف الجيولوجي لجبل "مرة" فهو ليس واحداً كما يوحي الاسم، بل هو سلسلة بركانية من المرتفعات ذات الارتفاع المتدرج (اندبندنت عربية – حسن حامد)

على الرغم من وقوع السودان ضمن المنطقة المدارية وتنوع أقاليمه المناخية، ما بين الصحراوي، وشبه الصحراوي في الشمال والوسط، و"السافانا" الفقيرة في الجنوب والأواسط والغرب، إلا أن إقليم دارفور غرب السودان الممتد من الصحراء الكبرى في شماله إلى "السافانا" الفقيرة في وسطه، والغنية جنوبه، يتفرد بوجود مرتفعات جبل "مرة" التي تضم أكثر أراضي دارفور خصوبة وروعة وجمالاً، والمعروفة بمناظرها الطبيعية الخلابة ومناخها المعتدل.

درة الطبيعة

ويعد إقليم دارفور من المناطق الغنية بالآثار التاريخية، والتي يعود بعضها إلى العصر الحجري القديم، فضلاً عن احتوائه على تنوع تراثي فلكلوري كبير وغنى بيئي ثري، ما أكسب المنطقة ميزات سياحية تؤهلها للمنافسة على المستوى العالمي، لكنها ظلت منسية بسبب عدم الاستقرار الأمني، مع إهمال حكومي واضح.

ويحتوي الإقليم شلالات متفاوتة الأحجام، تتدفق من مجموعة بحيرات بركانية على قمم جبال ممتدة على طول المسافة من مدينة "كاس" جنوباً حتى مشارف مدينة "الفاشر" شمالاً، وتتميز هذه المنطقة بخلاف مناطق السودان الأخرى، بمناخ البحر الأبيض المتوسط، الحار واجاف صيفاً، والدافئ والممطر شتاء.

ووفق التوصيف الجيولوجي لجبل "مرة" فهو ليس واحداً كما يوحي الاسم، بل هو سلسلة بركانية من المرتفعات ذات الارتفاع المتدرج، والمتعدد القمم، بطول يبلغ نحو 240 كيلومتراً، وعرض 80 كيلومتراً، تتخللها الشلالات والبحيرات البركانية، على مساحة نحو 12800 كيلومتر.

شلالات وأسرار وغرائب

والعديد من البحيرات تكونت نتيجة امتلاء الفوهات البركانية الخامدة عبر مئات القرون بمياه الأمطار، ثم تتسرب المياه وتنسكب عبر الصخور البركانية مكونة عدداً من الشلالات الرائعة متفاوتة في الحجم وفي كميات المياه المتدفقة منها، بعضها رئيس، وهي شلالات، "قلول"، و"نيرتتى"، و"مرتجلو"، و"سوني"، وبعضها فرعية صغير ومتوسط، مثل "ﺑﺮﻛﺔ ﺍلشيطاﻥ"، و"ﺷﻼﻻﺕ ﺍﻟﺨﺰﺍﻥ"، و"برﻛﺔ ﺍﻟﻔﻴﻞ"، و"ﺷﻼﻝ ﺳﺎﻗﺎ"، و"ﻳﻠﻤﻲ"، و"ﺑﺎﺩﻭ"، و"ﻭﺍﺩﻱ برﻧﺎ"، وأخرى، ما أكسب المنطقة جمالاً وبهاء طبيعياً متناهياً، كما تزخر المنطقة أيضاً بمجموعات كبيرة من الحيوانات النادرة والأليفة.

من عجائب وغرائب وأسرار جبل "مرة"، وجود بحيرتين مالحتين، يعتبرهما كثيرون ضمن أجمل 10 بحيرات في العالم، وهناك أيضاً نبع "كرتكيلا" البركاني، ويعني بلغة "الفور" المحلية "الماء الساخن"، ويعتقد على نطاق محلي واسع أن مياه هذه البركة الساخنة على الدوام على الرغم من برودة طقس المكان، تعالج عدداً من الأمراض الجلدية، ما جعلها قبلة للزوار من دول الجوار، حيث يتوافدون إلى النبع طلباً للعلاج بواسطة مياهه.

الغطاء النباتي

وتتميز المنطقة بنباتات وأشجار غير موجودة في بقية أنحاء السودان مثل التفاح والعنب والصنوبر، إضافة إلى أنواع نادرة من الزهور المنتشرة بين الصخور.

وهناك بُعد تاريخي روحي ديني في جبل "مرة"، إذ يقول الباحث في التاريخ القديم والتراث السوداني عباس أحمد الحاج، إن "نسختي سنة 1817 و1830 من التوراة، ذكر فيهما أن سيدنا هارون شقيق النبي موسى، عليه السلام، قد مات في جبل (حور) بالقرب من وادي هور، ما دفع بعض المؤرخين إلى الاعتقاد أن جبل مرة إنما هو (جبل الطور) المقدس، حيث نادى الله كليمه موسى وأظهر له آياته وأرسله إلى فرعون، المذكور في القرآن الكريم، إذ إن وادي هور المعروف والشهير، هو الذي ذلك الذي ينبع من مرتفعات دارفور ليصب في مجرى النيل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يضيف الحاج، "جبل مرة مختلف في كل شيء، حتى في تفاصيله ودهاليزه المثيرة للدهشة واللافتة للانتباه، وتنوع بيئي وتعدد مناخات، ومنظر نزول المياه الباردة من بين الصخور والحجارة البركانية عبر شلالات وجداول في منتهى النقاء والصفاء، ويحاكي انعكاس صورة السحب على أسطح مياه بركه وبحيراته الصافية، لوحة لسماء أخرى تتنفس تحت الماء".

ولا يخفي الباحث في التراث والتاريخ السوداني إعجابه الشديد بجبل "مرة"، قائلاً، "لا أعتقد أن هناك بقعة في هذا الكون بمواصفات جبل مرة، لكنه للأسف مقبور ومظلوم وغير مستثمر سياحياً، إلى بجانب الموارد المعدنية الكبيرة غير المستغلة أيضاً، ولو في حدها الأدنى".

التعايش والطبيعة

وعلى طول امتداد سلسلة الجبل حتى على قمته، تنتشر مجموعة قرى صغيرة لقبيلة "الفور" في مساكنها التقليدية "قطاطي"، هرمية الرأس، والقائمة على قاعدة حجرية دائرية من الأسفل، واكتسب سكان الجبل كثيراً من سمات الطبيعة نفسها هناك، لكونهم في غاية الطيبة واللطف والبساطة، والصحة الجيدة، نتيجة وفرة الأغذية الطبيعية والجو الصحي النقي، كما فيهم كثيرون من حفظة القرآن الكريم، وقد درجوا على استقبال زوار مناطقهم، بكثير من الود والترحاب، وتشكل المنطقة نسيجاً اجتماعياً يضم معظم قبائل السودان.

يستغرق السفر من عاصمة الإقليم "ﺍﻟﻔﺎﺷﺮ" إلى جبل "مرة" نحو ثماني ساعات، وتعتبر هاجر عبد الله، مديرة الإعلام بالإدارة العامة للإعلام والترويج بقطاع السياحة بوزارة الثقافة والإعلام، أن جبل "مرة" أحد أبرز المواقع والمقومات السياحية في السودان، وأكثرها تنوعاً من حيث المناخ والبيئة والتراث والحياة البرية، ويتبوأ بذلك موقعاً هاماً ومتقدماً في الخريطة السياحية السودانية من حيث التصنيف، لا سيما شلال "نيرتتي"، الشهير وما يتميز به من طبيعة ساحرة وغطاء نباتي متنوع، فضلاً عن المحميات البرية والطيور النادرة والمهاجرة والمناخ البيئي المدهش والمعتدل.

تضيف عبد الله، "ليس ذلك فحسب، فجبل مرة غني بالتراث والمأكولات الشعبية والزي والألحان وأنماط الغناء والفنون وسائر الطقوس التراثية المتنوعة، إذ لكل موسم وكل مناسبة طقوسها وعاداتها التقليدية، بدءاً بالزواج وحتى مواسم الزراعة والحصاد والمآتم، تشكل كلها عناصر جذب سياحي كبيرة وهامة".

وتشير مديرة الإعلام بقطاع السياحة أيضاً إلى أن عدم الاستقرار الأمني في المنطقة إلى جانب مشقة الوصول إلى هناك، يعتبران من المشاكل الرئيسة في عدم استكمال عناصر الجذب السياحي العالمي، إذ إن الذين يرغبون في زيارة المنطقة هم من المهتمين بعنصر المغامرة في الوصول إلى شلال "نيرتتي" متجاوزين مصاعب الوصول في سبيل التمتع بروعة ذلك المكان، فضلاً عن بعض الانتعاش في حركة الرحلات السياحة الداخلية، بالتنسيق مع ولايات إقليم دارفور، نتيجة الاستقرار النسبي هناك بعد التوقيع عل اتفاق سلام جوبا، وتعتبر أن التوترات الأمنية التي تشهدها المنطقة من حين إلى آخر، من أهم أسباب إضعاف عوامل الجذب السياحي، فعلى الرغم من اكتمال التجهيزات بما فيها سلسلة مطبوعات ومجلة متكاملة مخصصة لجبل "مرة" وما يتميز به من مزايا سياحية، لكن الأسباب الأمنية حالت دون الاحتفال باليوم العالمي للسياحة في منطقة "نيرتتي" بجبل "مرة" التي خطط لها أن تتم هناك.

وخلدت أشعار وأغانٍ سودانية عديدة بهاء وروعة جبل "مرة"، على لسان مطربين كبار مثل عبد الكريم الكابلي، وعبد العظيم حركة، ما حجز له مكانة خاصة في قلوب جميع السودانيين، وتصفه إحدى أشهر الأغنيات السودانية، التي تحمل اسمه، ويرددها السودانيون وكل من زاره، "لو زرت مرة، جبل مرة، يعاودك حنين طول السنين، وتتمنى تاني تشوفو مرة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات