Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسواق الطاقة والهجوم الروسي على أوكرانيا... تعليقات مختصرة

كنا مقبلين على أزمة كبيرة والآن سرّعت الحرب حدوث المشكلة وجعلها أكبر

قد تقرر حكومات الدول المستهلكة سحب كميات إضافية من احتياطي النفط الاستراتيجي (أ ف ب)

إلى أين تتجه أسعار النفط؟ 

هذا السؤال هو الأكثر شيوعاً اليوم، ويأتي من كل حدب وصوب. تكرار هذا السؤال وعالميته تكفي دليلاً على الوضع الضبابي في أسواق الطاقة عامة، وفي أسواق الغاز بخاصة. لا يمكن لمتخصص أن يحدد اتجاه الأسعار أو مستوياتها في ظل الأوضاع الحالية. الأسواق في حالة هلع، والأوضاع في أوكرانيا تتغير باستمرار، ومواقف الدول الغربية "الفعلية" ضبابية وغير واضحة، وآثار الأزمة عالمياً كبيرة، وتؤثر في معروض النفط والطلب عليه في شتى أنحاء العالم. حكومات الدول المستهلكة قد تقرر سحب كميات إضافية من احتياطي النفط الاستراتيجي، في الوقت الذي قررت فيه تقليص واردات النفط من روسيا وتقديم إعانات لشعوبها للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية. في الوقت نفسه، رأينا تظاهرات في بلاد عدة احتجاجاً على أسعار الوقود، في الوقت الذي ستجبر فيه عديد من الدول على تخفيض قيمة عملتها مقارنة مع الدولار، بما في ذلك الصين، الأمر الذي يرفع من تكاليف الوقود بشكل أكبر مما هي عليه الآن. أضف إلى ذلك ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، وتزايد احتمال حدوث ركود اقتصادي عالمي، نجد أننا أمام صورة غامضة. يمكن الحديث عن سيناريوهات واحتمالات، ويمكن لأي إنسان أن يقوم بذلك، ولا نحتاج إلى متخصصين للحديث في سيناريوهات، طالما أن المنطق يحكم تسلسل أحداث السيناريو. وهذا يفسر وجود عدد كبير من المعلقين على شاشات الفضائيات.   

هل ستقوم دول "أوبك"، خصوصاً دول الخليج بالتعويض عن النفط الروسي؟

 هذا هو السؤال الثاني الأكثر شيوعاً حول العالم اليوم. في ظل الضبابية وعدم الوضوح المذكور أعلاه، من المنطقي أن تلتزم دول "أوبك+" بخطة زيادة الإنتاج التي أقرتها العام الماضي، بغض النظر عن أي عوامل سياسية أو اقتصادية أخرى.

وعلينا أن ندرك أن النفط سلعة سياسية شئنا أم أبينا. وقد تتوافق المصالح السياسية مع الاقتصادية أحياناً، وقد تعارضها أحياناً أخرى. فإذا تعارضت المصالح الاقتصادية مع المصالح السياسية، فإن على كبار الدول المنتجة تحقيق التوزان بينها. استمرار دور "أوبك+" مستقبلاً ومحاولة تحقيق التوزان في عامي 2023 و2024، يتطلبان زيادة إنتاج النفط حالياً فوق ما هو محدد في الخطة المقررة، بفرض عدم وجود ركود اقتصادي، إلا أن العوامل السياسية تفرض عدم إنتاج هذه الزيادة. وبهذا نجد أن أفضل الخيارات حالياً هو الاستمرار بتطبيق خطة زيادة الإنتاج، خصوصاً أن صادرات النفط الروسية لم تنخفض بشكل كبير.

وطالما أن موضوع السيناريوهات ذُكر سابقاً، فإنه ليس من المستبعد أن تقوم دول "أوبك+" بتخفيض الإنتاج في حالة حدوث ركود عالمي يخفض الطلب على النفط، خصوصاً في ضوء التطورات الأخيرة في الصين، التي نتج منها إغلاق بعض المناطق المزحمة بسبب عودة فيروس كورونا إلى الانتشار. والحقيقية أن الصين ستجد دائماً طرقاً مختلفة لتخفيض طلبها على وردات النفط وتخفيض أسعار النفط، سواء كان ذلك استخدام الاحتياطي الاستراتيجي أو إغلاق مدن بكاملها... تماماً كما حصل في السابق. 

ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية: أزمة عالمية

هناك تظاهرات في عدد من البلاد في كل أنحاء العالم احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود أو الغذاء أو كليهما. تفاقم هذه التظاهرات وتحولها إلى قلاقل سياسية يعني تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وهذا يخفض الطلب العالمي على النفط. إلا أن التركيز على العوامل الاقتصادية والسياسية لارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية قد تجعلنا نتجاهل المشكلات الاجتماعية والنفسية الناتجة من ارتفاع الأسعار والقلاقل السياسية. المقصود هنا أن الآثار الاقتصادية والسياسية قد تكون موقتة، إلا أن نتائجها الاجتماعية والنفسية قد تكون دائمة. هذه النتائج الاجتماعية والنفسية الدائمة ستخفض من إنتاجية رأس المال البشري، وتسهم في منع هذه المجتمعات من تحقيق تنمية اقتصادية، أو حتى نمو اقتصادي يمكنها من وقف اعتمادها على مساعدات الآخرين. 

وقد تتفاقم مشكلة ارتفاع أسعار الوقود أكثر إذا امتدت القلاقل السياسية إلى البلاد الفقيرة المصدر للنفط أو الغاز. قد ينتج عن ذلك وقف صادرات النفط والغاز من هذه الدول، ومن ثم استمرار ارتفاع أسعار النفط والغاز في مستويات عالية، حتى لو انتهت الحرب الروسية على أوكرانيا. ومن المحزن أن هذه الدول النفطية الفقيرة لن تستفيد من الزيادة الكبيرة في أسعار النفط والغاز، لأن الزيادة في الإيرادات لا تكاد تكفي لتقديم إعانات الوقود والغذاء لشعوبها المعدمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مشكلة ارتفاع أسعار الوقود والغذاء مشكلة عالمية، حتى الدول الغنية تعاني منها لدرجة أن حكومات أوروبية عدة بدأت بتقديم الإعانات لشعوبها.  الفرق بين الدول الغنية والفقيرة هنا أن الدول الغنية لديها المال لتقديم الدعم، ولديها القدرة على الاقتراض لتقديم الدعم، أما الدول الفقيرة فليس لديها المال، وليس لديها القدرة على الاقتراض، ومن ثم فإنها ستعتمد على الإعانات الدولية.  

قد لا يدرك البعض حجم المأساة: عدم قدرة هذه الدول على دفع ديونها يعني إفلاسها، وهذا يؤثر سلباً في البنوك المقرضة في الشرق والغرب، وقد يؤدي إلى إفلاس بعض البنوك. هنا ستلجأ الحكومات الغربية إلى منع إفلاس البنوك وتقديم إعانات ضخمة لها. لهذا من الأفضل أن تقدم الإعانات للدول الفقيرة في أسرع وقت، لأن ذلك أقل تكلفة بشكل كبير من دعم البنوك لمنعها من الإفلاس.

بوتين وسياسات الحياد الكربوني الأوروبية

حقق بوتين هدفاً لم يكن مقصوداً على الإطلاق، وهو أنه ضرب سياسات الحياد الكربوني الأوروبية في الصميم، وأخّر تطبيقها سنوات عدة. فها هي بعض الدول الأوروبية تعود للوقود الأحفوري بحجة تحقيق أمن الطاقة، بينما تقوم الحكومات بتحويل إعانات الطاقة الخضراء وسيارات الكهرباء إلى إعانات وقود ومواد غذائية. 

نتيجة هذه التطورات فإن الطلب على النفط والغاز مستقبلاً سيكون أعلى من كل التوقعات. وبما أنه ليس هناك إمدادات إضافية بسبب ضعف الاستثمارات في الصناعة في السنوات الماضية، فإن الحاجة للنفط والغاز الروسيين ستزداد في كل الحالات. 

المشكلة أن صناعة الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية تعيش على الإعانات والقوانين الحكومية التي تتضمن ضريبة الكربون. وكل الدراسات الحالية مبنية على وجود ضرائب الوقود. اقتصادات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية في ظل الأزمة الأوكرانية انقلبت رأساً على عقب.  فالحكومات لا تقدم إعانات للوقود فقط، التي تتضمن البنزين والديزل، وإنما تخفض أيضاً الضرائب عليهما. أضف إلى ذلك أنه سينتج عن تخفيض الضرائب هذا انخفاض في إيرادات الحكومات، وهذا بدوره يعني صعوبات مالية مستقبلية تمنع الحكومات من الاستمرار في دعم الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية كما كان مخططاً له. باختصار، كنا مقبلين على أزمة طاقة كبيرة حتى من دون الهجوم الروسي على أوكرانيا. الآن سرّع هذا الهجوم حدوث هذه الأزمة، وجعلها أكبر، وقادة الغرب مازالوا نياماً!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء