Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شاعر يمني في طوابير الغاز... قصيدة مفتوحة تهجو الحرب

إدارة الحوثيين مناطق سيطرتهم فاقمت أزمة الوقود قبل أن يثير مشهد رئيس "أدباء صنعاء" وسط السياق مزيداً من السخط

القاص والشاعر اليمني محمد القعود (صفحته على الفيس بوك)

تتفاقم انعكاسات الحرب الدائرة في اليمن التي سببها الانقلاب الحوثي بقوة السلاح لتشمل كافة مناحي الحياة الاقتصادية والخدمية وفي مقدمتها الغذاء لتمتد إلى الوقود الضروري.

وفيما يقف ملايين اليمنيين في طوابير طويلة خلال رحلة البحث اليومي المضني عما يتيسر من مادة الغاز المنزلي أو لترات من الوقود، يتهم قطاع واسع منهم المليشيا الحوثية وقياداتها باستخدام المشتقات النفطية للمتاجرة بها وخلق أسواق موازية تضمن لهم دخلاً هائلاً كوسيلة سريعة للثراء من خلال بيعها في الأسواق السوداء بأسعار مضاعفة عن سعرها الرسمي.

عنوان الحرب

ومنذ تفاقم أزمة الوقود الحالية في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات التي تحكم المليشيا قبضتها عليها، أظهرت الصور المتداولة لأطفال ونساء وهم يقفون في طوابير توزيع حصص الغاز المنزلي بلا حيلة وقد أعيتهم أيام من التعب المرير، بانتظار اليسير من الوقود ليشعلوا به قوتهم من جذوة الفاقة، ومن بينها صورة متداولة للشاعر القاص رئيس اتحاد الأدباء بصنعاء، محمد القعود، وهو يقف في أحد طوابير الغاز المنتشرة في مختلف أحياء العاصمة ومثلها بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة المليشيا.

الصورة التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي واعتبروها عنواناً مختزلاً للحرب، يظهر فيها القعود قاعداً على أسطوانة الغاز بعد ساعات طويلة من الانتظار، تعلو وجهه ملامح عابسة تترجم حالة السخط والتذمر التي يعاني، ومعه ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث 80٪ في المئة من سكانه باتوا يرزحون تحت خط الفقر وفقاً لإحصاءات حكومية.

"ما بعدها كارثة"

ونشر القعود صورته بانتظار الغاز وكتب في صفحته على موقع "فيسبوك"، "تنهض باكراً لتسلّم أنبوبة الغاز الفارغة لكي تعود لها بعد يوم أو ثلاثة أيام كل شهر أو شهرين مرة واحدة فقط، وكارثة ما بعدها كارثة لو "الدبة" (الأنبوبة) صارت فارغة هي وشقيقتها الاحتياط".

ويضيف بأسلوبه الأدبي "ها أنت تلتحف عمرك المثخن بالخيبات وتركض لاهثاً كي تحصل على دبة غاز تطبخ بها ما تيسر من طعام وتعد فنجال قهوة البن.. وتتأمل أوجاعك وهي تدعوك للرقص على إيقاع انكساراتك المتلاحقة".

استياء الحال

وإزاء حديث الساعة، عبر ناشطون عن استيائهم من الحال التي آل إليها اليمنيون في مناطق سيطرة المليشيا.

واعتبروا أن هذه الصورة تعبر عن "نهاية أدباء اليمن" الذين أفنوا حياتهم في روافد الثقافة والأدب، إذ قال كثيرون إنه في الوقت الذي يقف فيه الشاعر والأديب القعود في طوابير لا تنتهي من أجل الحصول على أسطوانة غاز، تواصل مليشيا الحوثي استخدام كل الموارد النفطية ومقدرات الدولة وثرواتها لتمويل حربها ضد اليمنيين.

واتهموا القيادات الحوثية التي من بينها رئيس اللجنة الثورية، محمد علي الحوثي والناطق الرسمي محمد عبد السلام (يقيم في ضيافة مسقط) بإنشاء محطات نفطية والسيطرة على أسواق الوقود كما يقول حقوقيون.

استغلال بشع

ويذهب مراقبون إلى القول بأن غاز الطهي أصبح وسيلة ضغط حوثية تحقق بها عديداً من الفوائد منها جني الأرباح المهولة واستقطاب جنود ومقاتلين إلى صفوفهم. كما يشكل ورقة ضغط لمعاقبة من يتخلف عن الدفع بأبنائه إلى جبهات القتال.

ووصل سعر العشرين لتراً من مادتي البترول أو الديزل إلى أكثر من 44 ألف ريال نحو 70 دولاراً (سعر الدولار في صنعاء 610 ريالات للدولار الواحد)، بينما تضاعفت أسعار أسطوانة الغاز مرات عدة مقابل سعرها الحقيقي، ووصل السعر إلى ما يزيد على 25 دولاراً.

وبحسب بيان سابق للسلطة المحلية في محافظة مأرب فإن إمدادات الغاز والمشتقات النفطية من المحافظة لم تتوقف إطلاقاً عن مناطق الحوثيين بحصص كافية للسكان.

وتؤكد السلطات بأن سعر أسطوانة الغاز تباع من مأرب إلى بقية المحافظات بنحو 1500 ريال يمني، في حين تباع في الأسواق السوداء للحوثيين بنحو ثلاثين ألف ريال.

كما تقول إن الازمات المتكررة في مناطق المليشيا هي أزمات مفتعلة لإنعاش الأسواق السوداء التي يسيطر عليها قادة المليشيا وزعماؤها.

وقال النشطاء إن هناك الآلاف من الكوادر الوطنية من أكاديميين وأطباء ومهندسين وصحافيين وأدباء وباحثين ورجال دولة سابقين، أصبحوا يبحثون عن لقمة العيش ويقفون ببؤس في طوابير المساعدات وينتظرون الرواتب المعلقة أو يموتون قهراً جراء غلاء الأسعار والفقر والأمراض، ما دفع غالبيتهم إلى النزوح ومغادرة البلاد بلا عودة.

العودة للبادية

انعدام الوقود المنزلي دفع الملايين لاستخدام الوقود التقليدي المتمثل بالحطب والكراتين وكل ما يمكن أن يُشعل ناراً، ويستعينون به للطبخ، الأمر الذي ضاعف من أسعار الحطب لمبالغ كبيرة لا يقدر عليها غالبية الناس.

افتعال حوثي

وكانت الحكومة قد حملت الميليشيا مسؤولية أزمة الوقود في مناطق سيطرتها، مؤكدة بأن الميليشيا تقوم بافتعال الأزمات لجني الأرباح من الأسواق السوداء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت على لسان وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، إن "استمرار ميليشيا الحوثي في وقف الإمدادات النفطية القادمة "براً" من المناطق المحررة، واحتجاز مئات الناقلات النفطية ومنعها من العبور، يؤكد تعمدها افتعال أزمة المشتقات النفطية، لإدارة السوق السوداء ومضاعفة أسعار المشتقات"‏.

ودان في تصريح صحافي، اليوم، ما تقوم به ميليشيا الحوثي التي وصفها بـ "الإرهابية التابعة لإيران"، من احتجاز لناقلات النفط، وافتعال أزمة في العاصمة المختطفة ‎صنعاء وبقية مناطق سيطرتها.

الإرياني أشار إلى أن ما تقوم به ميليشيا الحوثي منذ الانقلاب من سياسات إفقار وتجويع ممنهجة، واستغلال لاحتياجات الناس، وتلاعب بسبل عيشهم، دون أي اكتراث بأوضاعهم المعيشية الصعبة، يؤكد أننا إزاء عصابة إرهابية تتخذ المدنيين رهائن لتحقيق مكاسب مالية وسياسية، بل والمتاجرة بمعاناتهم في المحافل الدولية‏.

وطالب الوزير اليمني، المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأميركي، بإدانة الممارسات الحوثية، التي تفاقم الأوضاع الإنسانية في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، وممارسة ضغط حقيقي على قياداتها لرفع الحظر عن الإمدادات النفطية، وعدم وضع عراقيل أمام تداولها ووصولها للمدنيين بالأسعار الطبيعية.

ووفقاً لصور تداولها ناشطون على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر ازدحام الطرق العامة في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بآلاف السيارات المتراصة في طوابير طويلة أمام محطات تعبئة الوقود عقب رفض ميليشيا الحوثي دخول الكميات المحتجزة على امتداد الطريق الرابط بين العاصمة صنعاء ومحافظة مأرب المنتجة للنفط، في كل من محافظات الجوف والبيضاء وذمار.

لمنع المتاجرة

من جانبهم، اعترف الحوثيون باحتجاز الشحنات المحملة بالمشتقات النفطية في أحد المنافذ التي تسيطر عليها الجماعة بمحافظة الجوف، وذلك عقب تقارير إعلامية تحدثت عن احتجازهم لمئات المقطورات محملة بالمشتقات النفطية.

وقال القيادي في الميليشيا محمد علي الحوثي في تغريدة على حسابه في "تويتر"، إن "‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏التفاوض (يجري) مع مُلاك القواطر (ناقلات النفط) على إيصالها لشركة النفط".

وفي توضيح لقرارات المنع الصادرة من قبلهم، أضاف أن "هناك من يحاول إدخالها تحت مبرر احتياجات خاصة لمصنع أو ما شابه، والشركة ترفض وتشترط أن يتم عبرها وتحت رقابتها".

كما برر احتجاز الشاحنات بأنه "منع للسوق السوداء"، واعداً بأن يتم حل الإشكالية خلال الساعات المقبلة.

اتهام أممي

وفي تقريره الصادر أخيراً أكد فريق الخبراء الدوليين المعني باليمن في تقريره المرفوع لمجلس الأمن الدولي، أن الحوثيين يخلقون أزمة مفتعلة في المشتقات النفطية، من أجل إجبار التجار على بيع الوقود في السوق السوداء التي يديرونها ويجمعون من ورائها رسوماً غير قانونية.

وأوضح تقرير الفريق الأممي أن حجم إمدادات الوقود من طريق البر لكافة المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون خلال شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار) 2021، بلغ قرابة (10 آلاف برميل) يومياً وهو ما مثل نحو 65 في المئة من إجمالي الوقود المستورد إلى اليمن، مقابل إمدادات بلغت قرابة 6 آلاف طن يومياً قبل هذا التأريخ، وهو ما يدل على وجود اتجاه تصاعدي.

وقال التقرير، إن الحوثيين يخلقون ندرة مصطنعة للوقود من أجل إجبار التجار على بيعه في السوق السوداء التي يديرونها، وجمع الرسوم غير القانونية المفروضة على تلك المبيعات، مشيراً إلى أن الحوثيين حصلوا على إيرادات رسمية من واردات الوقود خلال عام 2021 المنصرم تقدر بنحو (70 مليار ريال يمني)، وهي ما يقول عنها تقرير الخبراء إنها أرباح خيالية جداً يتحصل عليها كثير من الحوثيين من بيعهم المشتقات النفطية في الأسواق السوداء نتيجة لاصطناعهم الأزمات الخانقة والمفتعلة في هذا الإطار.

المزيد من تقارير