Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من كورونا إلى أوكرانيا

 اجتاحت الجائحة العقل الغربي وكشفت عن هشاشته

أوكرانيون يخلون قراهم التي يحتلها الروس (رويترز)

تسابق بوتين وترمب في مضمار كورونا، كل منهما تحوّل إلى وزير الصحة، الخبير في الجوائح، الطبيب المداوي، وحتى المعلن عن اكتشاف دواء جديد، والسباق في ذلك، كان كل منهما حريصاً أن يكون نجم كورونا.

ومن ناحية أخرى، حرص ترمب بشكل أو بآخر، على مديح بوتين، من اتُّهم في الولايات المتحدة، بأن له يداً في وصول ترمب، إلى كرسي الرئاسة الأميركي!، الرئيس الذي سيستخف كثيراً بالجائحة!

كورونا لم تفعل هذا مع هذين المتشابهين فحسب، بل اجتاحت العقل الغربي وكشفت عن هشاشته، بخاصة عندما منحها جنون عظمة بوتين توأماً، هو أوكرانيا بعد اجتياحها. كورونا وأوكرانيا، بمثابة الجائحة المتواكبة، ما أزالت سترة خفيفة، فتكشفت لا عقلانية أوروبا، ومن ثم العالم.

لقد ضربت جائحة كورونا، التي لم تنتهِ بعد، كما صرّح غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، يوم الأربعاء 9 مارس (آذار) الحالي، أوروبا جملة وأميركا ضربة قاصمة، فخلت الشوارع وتراكمت التوابيت.

لكن هذا لم يمنع، بعد تخفيف المنع من التجول، أن تجتاح الشوارع جماهير غفيرة، ضد اللقاح، ضد التحرز من الجائحة، ضد التكميم ما عُدّ تكميماً للحريات. وعلى ذلك فإن المتظاهرين، كانوا يطالبون بالحق في حمل الفيروسات، باعتباره من مبادئ الحرية، وذلك من دون أي اعتبار لنقل العدوى إلى الآخرين.

وزاد الطين بلّة أن من هذه الجماهير، علماء وأطباء وممرضين ومثقفين كباراً. حتى وصل الأمر في مدينة بولندية أن يخاف مَنْ تلقّى اللقاح، من العنصرية ضده والاستخفاف به. ولقد انتشرت بين قطاع من النخبة: نظرية المؤامرة، وعند فئة أنها قدر وإرادة إلهية، وعند فئة أخرى، يمكن التداوي منها أو صدّها بتناول بعض الخضروات أو الاعشاب!

فماذا حدث بعدما اجتاح الجائحة بوتين أوكرانيا؟ في أوكرانيا أولاً، وثانياً أوروبا وأميركا، وثالثاً العالم، بدا وكأن كورونا كذبة أبريل!

فقد كشفت الكاميرات والأقمار الاصطناعية، المسلطة على أوكرانيا ومواقع الحرب فيها، ثم التي نقلت تجمعات رسمية أوروبية وشعبية فيها والعالم، أن الجميع استبدلوا كمامات كورونا بكمامات أوكرانيا. وكأن في الجائحة بوتين، التداوي من الداء، الجائحة كورونا.

خلال هاتين الجائحتين، بان أن الرعب لا توازن له، فالفيروس القاتل قوبل بالتظاهرات الشعبية، والحرص على المال قبل الصحة. فيما بوتين استخدم بيدٍ السلاح التقليدي، وفي اليد الأخرى التهديد بالسلاح النووي. عندئذ كان بايدن يريد الحج والسلامة، أن يشارك وحلفاؤه في الحرب بالسلاح الاقتصادي، من دون دفع أي ثمن! هكذا فإن أوروبا بشرقها وغربها وأميركا، اجتاحتهما جائحة اللاعقلانية، وبدا وكأنهما لم يخوضا حربين عالميتين، كان ختامهما في ناغازاكي وهيروشيما. أما العالم، فقد عاد إلى حاله عند الحربين، لقد ظهر مدهوشاً فاغراً فاه، كطفل أبله يلوم أباه، بالصمت عما يجري في حال كورونا أوكرانيا.

لقد تلكّأت أوروبا والعالم في الحالين، وفي حال حرب أوكرانيا، يبيّن ذلك كيسينجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق بالقول "يجب أن يعترف الاتحاد الأوروبي من جهته بأن بطء تدابيره البيروقراطية، وتأثّر مقاربته الاستراتيجية بالسياسات المحلية، عند التفاوض حول علاقة أوكرانيا بأوروبا، أسهما في تحويل التفاوض إلى أزمة بحدّ ذاتها، إذ تُعتبر السياسة الخارجية، مرادفة لفن تحديد الأولويات"، ويقول "ويكمن اختبار السياسة الحقيقي في طريقة إنهاء الحروب، لا كيفية إطلاقها"، لكن المأمول الآن ليس إيقافها، بل العودة المأمونة إلى الحرب الباردة، بخاصة من طرف بوتين.

ومن هذا، فإن التلكّؤ يبدو وكأنه استراتيجية، ناتجة من اعتبار الحقائق، حقائق فوق الزمان والمكان، مما يعني أن اللاعقلانية هي الغالبة على التفكير، وأنها أيديولوجيا ما بعد عصر الأيديولوجيا؟

وحتى نتبيّن العته، ما أصاب العقل البشري في عقر داره، فإن العالم الذي قَبِل تدمير مدينة تاريخية مثل حلب السورية، من قبل قوات روسية، قد قدّم سابقة لهذه القوات، لتفعلها في مدن أوكرانية، ولمَ لا؟، بخاصة أن بوتين يبرر حربه بأنها كفاح ضد "النازية الجديدة".

وكردّ فعل عجول للحرب الروسية في أوكرانيا، جاء في عاجل الأخبار: أن "جامعة بيكوكا الإيطالية، منعت تدريس أعمال الكاتب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي، فألغت الجامعة الحكومية التي تقع في ميلانو، دورة دراسية كان مقرراً انطلاقها في الجامعة، تحت إشراف المحاضر باولو نوري".

والجامعة ذاتها ألغت في ما بعد قرارها، لكن للأسف جاء ذلك بعد موجة من الاحتجاجات. وإن تتبّعنا كالأخبار هذه، فإنها كرة الثلج، تكبر حتى تكون جبل ثلج.   

الخلاصة التي تبيّنها، مفارقة خبر منع فيودور دوستويفسكي، أن رواياته ترصد شخصيات، كالأبله من منع دراسته، وتبيّن في عالم كهذا، أن العقاب ليس من جنس الجريمة. وأن الحرب أفق مفتوح تديرها أدمغة لا عقلانية، ولكي لا تذهب حيث اللاعودة، يحتاج العالم كافة إلى النزر اليسير، لما تبقّى فيه من العقلانية. من أجل ألا يكون بوتين شمشون، إذ عندئذ "لا ينفع أي لقاح"، أو كما رُفع هذا الشعار في شوارع أوروبا، لمّا اجتاحتها كورونا قبل أوكرانيا.                        

اقرأ المزيد

المزيد من آراء