Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تداعيات الوضع السوداني على ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية!

استعدت موسكو للمقاطعة والعقوبات الغربية بأطنان من الذهب المستجلب من الخرطوم

الفريق عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو (اندبندنت عربية - حسن حامد)

في هذا الفصل الثوري المستمر والمعبّأ بتحديات كبرى تواجه القوى الثورية السودانية عبر اشتباك ملفات الثورة بمنظومة من المواجهات التي تنشط فيها قوى إقليمية ودولية، آخرها ما كشفته صحيفة "ديلي تلغراف"  البريطانية، عن أن روسيا استعدَّت للمقاطعة والعقوبات الغربية بأطنان من الذهب المستجلب من السودان، وهو ذهب يمثل 23 في المئة من الاحتياطي الروسي، أي ما قيمته 144 مليار دولار، وذلك بعد ما كشفت الصحيفة في تقريرها أن الكرملين هو المستفيد الأول من الذهب السوداني الذي يتم تصديره من السودان بواقع 30 طناً سنوياً عبر طائرات صغيرة إلى روسيا بعدما منح المكون العسكري امتيازات للروس عبر الترخيص لشركات روسية في الاستثمار في الذهب.

الأمر الذي  يلقي بظلال من الشك حول الكواليس الخفية والأسباب الحقيقية من زيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" في الأسبوع الماضي إلى موسكو، وهذا ما يعكس طبيعة الظروف الصعبة التي تتحرك فيها القوى الثورية السودانية عبر التظاهرات وردود الفعل التي يحدثها ذلك الحراك في ترتيبات المكون العسكري، لا سيما قوات الدعم السريع التي يترأسها "حميدتي" عبر التخطيط ضد قوى الثورة السودانية بما ترسمه له منظومات شبكة دولية خفية، لعبت دوراً كبيراً في التصدي للحراك الثوري من خلال تعويم حسابات مزيفة في وسائل التواصل الاجتماعي، نشطت في تشويه الحراك الثوري، عبر شركة "إم إنفست" (التي يقول خبراء من الولايات المتحدة إنها شركة تعمل كغطاء لمجموعة فاغنر المرتبطة بالكرملين من خلال يفغيني بريغوجين) التي قادت حملات تضليلية في الإنترنت ضد الثورة السودانية بحسب تقرير لتلفزيون DW الألماني وعبر التخطيط لإعاقة الحراك الجماهيري للتظاهرات على الأرض، وهو تخطيط أكد كثيرون من الناشطين في لجان المقاومة أن شركة "فاغنر" ضالعة فيه، ما يعني أن الثورة السودانية اليوم تخوض ملفات حاسمة تشتبك في سياقات إقليمية ودولية عبر تقاطعات فرضت نفسها على الأوضاع السياسية في البلاد منذ انقلاب المكون العسكري على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.  

وتبدو الأمور اليوم أكثر تعقيداً بزيارة "حميدتي" إلى موسكو في نهاية فبراير (شباط) الماضي، في توقيت مؤذٍ لمصالح السودان مع المجتمع الدولي على خلفية توقيت الزيارة - التي استمرت أياماً - مع بداية الغزو البوتيني لأوكرانيا، لا سيما بعدما صرّح دقلو عقب عودته من موسكو، بعدم ممانعته إقامة قاعدة بحرية للروس في البحر الأحمر، معززاً كلامه بأن في إقامة مثل هذه القاعدة فوائد لسكان شرق السودان عبر المسؤولية الاجتماعية للقاعدة!؟

وهو ما يجعلنا أكثر إدراكاً بأن المكون العسكري بعد انقلابه على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر الفائت، ماضٍ في التغوّل على سلطة الشعب من خلال الاستعانة بمثل هذه المنظومات الدولية التي أصبحت اليوم معروفة كذراع لبوتين في سياساته الخارجية كشركة "فاغنر"، التي تلعب أدواراً قذرة في عدد من الدول الأفريقية (أفريقيا الوسطى نموذجاً)، كما أن الانقلابيين اليوم يعرفون تماماً الدور الذي لعبته مثل هذه الشركات كأذرع أمنية أسهمت بقوة في القضاء على الثورة السورية منذ عام 2015.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 لكن ثمة عدداً من الاختلافات الجوهرية والفاعليات التي ستتصدى لذلك التموضع المحتمل لروسيا في البحر الأحمر، منها أن منطقة غرب البحر الأحمر تُعتبر فضاء جيوسياسياً مغلقاً للولايات المتحدة، إلى جانب عنفوان الحراك الذي وسم الثورة السودانية وما زال، مع الخبرة المتراكمة للشعب السوداني في العمل الثوري، إلى جانب اهتمام المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمجريات الأوضاع الثورية في السودان (على الرغم من انشغالهما الكبير بالحرب في أوكرانيا).

 وبدا ذلك واضحاً في مقابلة وفد سفراء الاتحاد الأوروبي في الخرطوم، المكلف مهمات وزير الخارجية السوداني السفير علي الصادق، إذ استفسر الوفد عن موقف السودان من الهجوم الروسي على أوكرانيا، وكذلك عن خلفية زيارة النائب الأول لرئيس مجلس السيادة وعدد من الوزراء إلى موسكو.

هذا إلى جانب البيان الذي أصدرته "مجموعة أصدقاء السودان" (وهي مجموعة دولية تضم كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والكويت وهولندا والمملكة العربية السعودية وإسبانيا والسويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، إذ رحبت المجموعة في بيانها الصادر الأربعاء الماضي (2-3-2022) بنشر البعثة الأممية لتقريرها الموجز عن المشاورات مع أصحاب المصلحة السودانيين.

وعبّرت أن "المشاركة الناشطة لمجموعة واسعة من أصحاب المصلحة السودانيين في المشاورات، بما في ذلك النساء والشباب والمجموعات والمناطق الأخرى، تمثل علامة قوية ومشجعة على التزام الجهات الفاعلة حل الأزمة السياسية وتمهيد الطريق أمام سودان ديمقراطي ومسالم". وفي هذا البيان ما يوضح تماماً وقوف المجتمع الدولي ممثلاً بـ"مجموعة أصدقاء السودان" إلى جانب الشعب.

هذا الاهتمام من قبل المجتمع الدولي بقضايا الثورة السودانية، بالرغم من الانشغال الكبير بمجريات غزو بوتين لأوكرانيا، يعكس طبيعة الصلات المتداخلة في حراك التقاطعات الذي تشهده الساحة السودانية وردود فعله داخلياً وخارجياً.

من جهة ثانية، كان لاجتماع دقلو مع اللواء عباس كامل، رئيس الاستخبارات المصرية في مطار القاهرة (أثناء عودة "حميدتي" من موسكو إلى الخرطوم) دلالة مثيرة للمراقبين، إذ إن مصر عادةً لا تبدي حماسة في التعاون مع "حميدتي"، نظراً إلى علاقتها التاريخية مع الجيش السوداني. لكن يبدو أن هذا التقارب ربما يعكس إدراك القاهرة بطبيعة العلاقة التي أصبحت اليوم كاشفة تماماً، إلى أي مدى يكمن تأثير الدعم السريع في الجيش السوداني، في ضوء بعض التكهنات التي تقول إن اللقاء بين الرجلين ربما شمل ترتيباً لخطة داخل المكون العسكري بهدف فك الاحتقان الذي تشهده الساحة السودانية تحت ضغوط الحراك الثوري، نظراً إلى ضغط المجتمع الدولي الذي بدا واضحاً من خلال "مجموعة أصدقاء السودان" في وقوفها مع عودة الحياة المدنية الديمقراطية واستئناف المرحلة الانتقالية التي تم إجهاضها في انقلاب 25 أكتوبر الماضي، وهو اجتماع ربما ترشح آثاره قريباً، في ظل تداعيات الحراك الذي تشهده الساحة الثورية السودانية والتفاعلات الخارجية معها من قبل المجتمع الدولي.

نتصوّر أن الضغوط الدولية على العسكر ستزداد مع حدة الحراك الثوري المنتظم عبر جداول مليونيات الثورة خلال شهر مارس (آذار) الحالي، وأن تلك الضغوط ستقوم أساساً كردود فعل على زيارة "حميدتي" المثيرة للجدل إلى موسكو. ولن يكون غريباً إذا شهدنا تفعيلاً لحزمة من العقوبات من قبل المجتمع الدولي (لا سيما عقوبات مشروع قانون الشفافية والمساءلة حول الانتقال السياسي في السودان من طرف الولايات المتحدة) في الأيام المقبلة على قادة المكون العسكري السوداني، كمزيد من الضغط للتسريع في إحداث انفراجة بالوضع المأزوم في البلاد.

تصريحات رئيس البعثة الأممية في السودان

وهو وضع كشف عن تداعياته السياسية الخطيرة، حوار صحيفة "تاز" الألمانية  في 2 مارس الحالي مع رئيس البعثة الأممية المتكاملة في السودان فولكر بيرتس (حوار مهم ترجمته إلى العربية صحيفة الجريدة السودانية).

وورد في الحوار أن "السودان يقف على حافة الهاوية، وأن هناك مركزاً متعدداً للقوى الثورية في السودان مثل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة والحركات المسلحة، وهي للأسف قوى غير متوافقة على برنامج عمل واحد".

كما قال فولكر "لا توجد قدرة حقيقية للدولة، والخدمة المدنية لا تعمل، وإن سيطرة الجيش تضع نجاحات العامين ونصف الماضية في خطر أو كأنها لم تكُن!".

وتعكس هذه التصريحات من شخص لصيق بالحراك السياسي في السودان، إلى أي مدى أصبح الوضع محتقناً، الأمر الذي يستدعي جملة من التحركات السريعة لاستدارك الأمر عبر سعي كل الأطراف ذات المصلحة، داخلياً وخارجياً، لا سيما أن الوضع السوداني اليوم في ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية، يؤشر إلى تداعيات خطيرة، إذا ما ترك المجتمع الدولي البلاد في قبضة العسكر الذين بدا ميلهم الواضح لروسيا، أكبر خطر على ثورة الشعب السوداني وعلى المصالح المشروعة للمجتمع الدولي في السودان بالتعاون مع قوى الثورة الديمقراطية الحية هناك.

مبادرة مديري الجامعات السودانية

كما تنتظر الساحة السياسية بعد ثلاثة أيام في 8 مارس الحالي، إعلان مبادرة مديري الجامعات السودانية وهي مبادرة ذكرت أن الدور الأساس لها هو جمع المبادرات والمواثيق وإخراجها في ميثاق وطني شامل يكون خريطة طريق لإنفاذ المبادرات، بحسب البروفيسور محمد طه، مدير جامعة الجزيرة والناطق الرسمي باسم المبادرة، الذي صرّح أن "المبادرة تستهدف كافة قوى الثورة المتمثلة في لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية الداعمة للحراك الثوري، وذلك بغرض جمع الصف الوطني وإحداث الانتقال الديمقراطي عبر برنامج وآليات، تمكّن من العبور بالبلاد نحو عهد ديمقراطي مستدام وفق منهجية علمية تعمل على مساعدة قوى الثورة في التوافق، في ظل وطن يتمتع بديمقراطية راسخة ومؤسسات حكم مدني فاعل".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء