Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تجوز معاقبة فنانين روس على ما يقترفه بوتين؟

حملات المقاطعة الثقافية في أوروبا وأميركا تتزايد دفاعاً عن الشعب الأوكراني

المخرج سرغي لوزينتسا ضد بوتين ومع السينمائيين الروس (صفحة المخرج على فيسبوك)

هل تشهد روسيا حصاراً ثقافياً شاملاً في الأيام القليلة المقبلة؟ معطيات كثيرة تؤكد أن الدولة التي قررت المضي في خيار الحرب على أوكرانيا بقيادة فلاديمير بوتين ستعاني التضييق على المستويين الفني والثقافي، في حين سيكون التعتيم الإعلامي على المنتج الثقافي الروسي في الغرب سيد الموقف. يحدث هذا بالتوازي مع العقوبات التي فرضتها دول غربية على الكرملين بسبب الحرب التي شنتها على جارتها، فأقدمت كل من أميركا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا على عزل بعض المصارف الروسية عن نظام "سويفت" الدولي المستخدم لتحويل الأموال. هذه العقوبات تهدف إلى ضرب القطاع الاقتصادي وإلحاق الضرر بالتصدير والتجارة. حتى سويسرا الحيادية التي عادة ما تنأى بنفسها، أعلنت أنها ستجمد أرصدة بعض الأثرياء الروس المحسوبين على الأوليغارشية الروسية. أما الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، فأعلنا في بيان مشترك عن رغبتهما في استبعاد منتخب روسيا وأنديتها من جميع المسابقات حتى إشعار آخر.

قد تكون لبعض هذه العقوبات مسوغاتها السياسية عند الدول التي تقف في المعسكر النقيض لمعسكر بوتين وحلفائه، لكن هل يجوز حذف تشايكوفسكي من برنامج حفل موسيقي، بحجة التضامن مع الأوكرانيين وحماية المصالح السياسية والاقتصادية؟ هذا السؤال ليس افتراضياً بل يأتي على خلفية سحب أوركسترا زغرب الفيلهارمونية، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، مقطوعتين موسيقيتين لتشايكوفسكي من حفلة كانت تنظمها. وقالت الفرقة عبر موقعها الإلكتروني "بسبب الوضع الجديد في أوكرانيا، تعرب أوركسترا زغرب، عن تضامنها مع الشعب الأوكراني وتغيّر برنامج حفلتها الليلة". ومن بين مؤلفات المؤلف الروسي الشهير الموسيقية الثلاثة التي كان من المقرر عزفها في قاعة فاتروسلاف ليسينسكي، بقيت مقطوعة واحدة على الكمان ضمن البرنامج، في حين استُبدل بالمقطوعتين الأخريين عملان لبيتهوفن وصامويل باربر. وقال مدير الأوركسترا "نحن فنانون، ولا يمكننا أن نحارب إلا بالموسيقى".

قرارات ظالمة

تشايكوفسكي بات أيضاً ضحية قرارات ظالمة اتخذتها إدارة مسرح بورد غايس في دبلن مع إلغاء عرضين لباليه "بحيرة البجع" الذي كان من المقرر أن تقدمه فرقة سان بطرسبرغ الروسية في أواخر هذا الشهر. دافع الإلغاء "الانتصار لشعب أوكرانيا ومساندة أمته، على أمل إيجاد حل دبلوماسي للهجمة المأساوية"، كما قال أصحاب الشأن. أما مسرح هليكس التابع لجامعة دبلن فقرر هو الآخر أن يحذو حذو زميله، فحذف على وجه السرعة عرضاً لتشايكوفسكي تضامناً مع أوكرانيا، على الرغم من اعتراف القائمين على المسرح أن فرقة روسيا الملكية للباليه أفرادها ليسوا فقط روساً، بل هم من أوكرانيا وروسيا البيضاء وإيرلندا واليابان وبولندا، لكن هدف الإلغاء كان توجيه رسالة إلى الحكومة الروسية للقول إن أفعالها ستكون ذات آثار سلبية في السياسة والاقتصاد والرياضة والفن. ودائماً في مجال الموسيقى، أعلن اتحاد البث الأوروبي حظر مشاركة روسيا في مسابقة ​​"يوروفيجن" لهذا العام، قائلاً إن "مشاركتها في المسابقة ستشوه سمعة الحدث".

انتشر كذلك على وسائط التواصل الاجتماعي خبر مفاده أن جامعة في ميلانو توقفت عن تدريس دوستويفكسي فقط لأنه روسي، مما أثار شجب الكثيرين وسخريتهم. علماً أن الكاتب الكبير كان أرسل إلى معسكر في سيبيريا. صفحة فيسبوكية باسم "الأدب الروسي" علقت على الخبر قائلة "هنا تتحقق نبوءة دوستويفكسي الذي توقع أن البشر لن يتركوه ينعم بالراحة حتى في القبر". لكن الجامعة عادت عن قرارها واعتذرت.

الدعوات إلى المقاطعة والحظر لم تأتِ فقط من أوروبا بل أيضاً من أوكرانيا. فشخصيات بارزة من المجتمع الفني الأوكراني من بينها وزير الثقافة الأوكراني، دعت إلى الحد من الحضور الفني الروسي في المحافل الدولية. ونشر موقع وكالة "أوكرينفورم" الرسمية، بياناً جاء فيه "روسيا دولة توتاليتارية، وهي في أغلب الأحيان توظف أدوات الثقافة لأغراض دعائية. الثقافة الروسية عندما تستخدم الدعاية تصبح سامة". 

هوليوود تقاطع

هذا كله يأتي في وقت قررت فيه خمسة استوديوهات هوليوودية مقاطعة الصالات الروسية وعدم تزويدها بأفلام جديدة. شركة "وارنر" حسمت قرارها: لن تعرض آخر إنتاجاتها، "باتمان"، في الصالات الروسية. وكذلك بالنسبة إلى "ديزني" التي اعتزمت الكف عن إرسال أفلامها إلى روسيا، ومن بينها "التحول إلى أحمر" من إنتاج "بيكسار". 

أكاديمية الفيلم الأوروبي من جهتها نددت بالغزو الروسي لأوكرانيا ودعت إلى استبعاد السينما الروسية من جوائز السينما الأوروبية في دورتها المقبلة. أما المخرج الأوكراني سيرغي لوزنيتسا، الذي كان امتعض من رد الأكاديمية الضعيف (قال: "لماذا لا تسمّون الحرب حرباً؟") وقرر الانسحاب من عضويتها، عاد ودافع عن المخرجين الروس بالقول إن "هؤلاء ضحايا مثلنا مثلهم" ولا ينبغي استهدافهم، وكشف عن أن أول رسالة وصلته كانت من صديقه المخرج الروسي فيكتور كوساكوفسكي يقول فيها "سامحني، هذه كارثة، أشعر بعار"، وفي اليوم نفسه تلقى أيضاً كلمة مصورة من المخرج الروسي أندره زفياغينتسف. 

لوزنيتسا مخرج العديد من الأفلام الوثائقية والروائية التي عرضت في أكبر المهرجانات، وقد أنجز "دونباس" عن المنطقة في شرق أوكرانيا التي تسيطر عليها العصابات، وتدور فيها حرب ضروس بين الانفصاليين المناصرين لروسيا والجيش الأوكراني. لمن يعرف لوزنيتسا جيداً، فهو معروف بمعاداته لروسيا، ولكن مَن يدقق أكثر يفهم أنه يناهض النظام الروسي الحالي "الذي يعرف دائماً كيف يوظف الظروف لصالحه"، على حد تعبيره. لا يخفي كرهه لبوتين، إذ يقول "وكأننا عدنا إلى القرون الوسطى حيث الحاكم يقرر كل شيء. فعندما أفكر في بوتين، أتذكر ماكبث". في مهرجان "كان" قبل بضع سنوات، تضامن مع المخرج الروسي كيريل سيريبرينيكوف الذي كان يشارك بفيلمه "صيف" (سيرة الروك في زمن بريجنيف)، وتغيب عن المهرجان لكونه في إقامة جبرية في موسكو بعدما تم اتهامه باختلاس أموال عامة في إطار عمله رئيساً لمسرح، إلا أن محاكمته أخذت طابعاً مسيساً، مما دفع بالعديد من الفنانين حول العالم إلى مساندته.

مهرجان "كان"

مهرجان "كان" السينمائي من جهته صرح أمس بأنه لن يتم استقبال أي وفود رسمية من روسيا في الدورة المقبلة، ولن يقبل حضور أي شخصية مرتبطة بالحكومة الروسية. وتابع "إلا إذا اختتمت الحرب على نحو يرضي الشعب الأوكراني". هذا مع العلم أن المهرجان نادراً ما يضم، إلى مسابقته أفلاماً روسية من تمويل الدولة. والفيلم الأكثر تعبيراً عن سياسة الدولة كان "حرقتهم الشمس 2" (2010) لنيكيتا ميخالكوف المقرب من بوتين، والذي أثارت كلفته الباهظة امتعاض السينمائيين الروس. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مرة أخرى تدفع الثقافة ثمن المواجهات والتجاذبات السياسية بين الأطراف المتخاصمة. فجدار الثقافة والفن لا يزال قصيراً، ما يدفع بالسلطات إلى استسهاله. وفي حين لا تزال أوروبا تشتري حاجتها المعتادة من الغاز من السلطات الروسية، لا تتوانى عن معاقبة فنانين ومثقفين لجرائم بوتين على نحو يتعارض مع مبادئها في إرساء القيم المرتبطة بالمعرفة والاطلاع. هذه الحرب العبثية كشفت أيضاً عن الفجوة التي بين أوروبا وأميركا من جانب وروسيا من جانب آخر. عادت المتاريس وكأنها لم تكن تحتاح إلى أكثر من قرار، وعاد التقاذف على نحو يوحي بأنها لم تتوقف يوماً، بل إن ما ساد لعقود من سلم مزعوم لم يكن سوى هدنة. الاختلاف بين الغرب وروسيا، يشرحه المخرج الروسي نيكيتا ميخالكوف ببلاغته المعهودة، فيقول: "العالم أجمع مهموم بسؤال واحد: كيف نعيش؟ أما الروس فيؤرقهم الآتي: لماذا نعيش؟ انطلاقاً من هذا، كيف تريد ألا يكون هناك طلاق أيديولوجي كامل بيننا وبين الغرب. في الحقيقة، بعد تفكير، نحن لم نعد في حاجة إلى هذا الغرب الذي يحتقرنا. الأوروبيون شعوب معظمها من العجزة، يجلسون بمؤخراتهم السمينة على مقاعد قديمة ويريدوننا أن نستمع إلى نصائحهم الباهتة ويعتقدون أنهم يمكنهم استعادة هيبتهم وفرضها على الآخرين. يريدون أن يقرروا نيابة عنا نحن الشعب الروسي، ما يناسبنا وما لا يناسبنا. لديهم مطبخ رائع طبعاً. لكن، لدينا اكتفاء ذاتي في كلّ شيء تقريباً. أوروبا عبارة عن متحف، فلتبقَ كذلك…". 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة