Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي ينبغي أن يفعله الغرب بعد غزو روسيا لأوكرانيا؟

تعزيز الدفاعات التقليدية والردع النووي ودعم المقاومة وتجنب حرب أوسع

تختلف تقديرات الخبراء والمحللين والمسؤولين السابقين في واشنطن حول طبيعة التداعيات التي سيخلفها غزو روسيا لأوكرانيا على العلاقة المتوترة بين روسيا والغرب، وشكل الخطوات التي ينبغي أن تتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها رداً على ذلك. هل سيكون تعزيز قوات الناتو في شرق أوروبا رداً ملائماً؟ أم أن دعم المعارضة في أوكرانيا على غرار دعم المعارضة في أفغانستان خلال الثمانينيات هو الخيار المناسب؟ وهل من الأجدى تسريع الردع النووي الأميركي؟ أم أن الأولوية يجب أن تذهب لدعم الدفاعات الإلكترونية ضد الهجمات السيبرانية الروسية المتوقعة؟

حقبة جديدة من الصراع

لم يكن الهجوم العسكري الذي شنته روسيا، هجوماً عسكرياً على أوكرانيا فقط، بحسب كثير من المحللين والمسؤولين الغربيين. فقد دخل العالم الآن حقبة تاريخية جديدة أكثر خطورة، تتسم بنزاع مستمر بين روسيا والغرب، ذلك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يخطط فقط للسيطرة على أوكرانيا بالقوة في العملية العسكرية الحالية، بل يريد استعادة أكبر قدر ممكن من الهيمنة السوفياتية السابقة من طريق دفع قواته إلى أقصى الغرب والشمال والجنوب باستخدام الإجراءات العسكرية، والصواريخ النووية، وأدوات الحرب الهجينة.

ويقول باري بافيل مدير مركز "سكوكروفت" للاستراتيجيات والأمن في واشنطن، إنه من أجل مواجهة هذا التهديد الثلاثي الروسي، سيحتاج الناتو إلى دعم الدفاعات التقليدية لردع أية هجمات محتملة على أعضاء الحلف في شرق أوروبا، وزيادة التنسيق مع الاتحاد الأوروبي لمواجهة جهود الحرب الهجينة الروسية التي تعمل عبر الاستخبارات، والحروب السيبرانية، والمعلومات المضللة، إضافة إلى تعزيز الموقف النووي لدول الحلف من أجل ردع روسيا التي تتفوق بالقوات التقليدية في أوروبا.

وفي هذا العصر الجديد، ستتدهور الأزمات وتزداد خطورة على الأمن، ولكن التهديد الروسي الجديد لأوروبا سيوحد حلفاء "الناتو" وشركاء الاتحاد الأوروبي بشكل لم يسبق له مثيل، وفي النهاية، سيخسر بوتين في مواجهة قوة الغرب ووحدته، وفقاً لتوقعات باري بافيل.

خيارات عسكرية

غير أن المدير السابق لسياسة أوروبا وحلف "الناتو" في وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون، كريستوفر سكالوبا، يرى أن تجميع 200 ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا، كان يشير منذ البداية إلى تغيير واضح في ملامح الأمن الأوروبي بشكل دائم، وهو أمر يعود جزئياً إلى ما وصفه بـ"الفشل الذريع" لسياسة الولايات المتحدة وأوروبا تجاه روسيا عبر إدارات متعددة. إذ اعتبرت الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض، أن روسيا قوة متدهورة لا يمكنها تحدي الأهداف الغربية، وأعمى هذا الافتراض مجتمع السياسة الأميركية عن طموح بوتين وقدرته. وأدى الاعتقاد الخاطئ في الغرب بأن أعباء الأمن الأوروبي وردع روسيا مسائل يمكن أن تنتقل من الأوروبيين، إلى جعل الولايات المتحدة غير مستعدة للتعامل بشكل فعال مع الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك فإن تحديد واشنطن نيات الكرملين بشكل استباقي، والتحذير من الغزو، والكشف عن عدم شرعية الذرائع التي تسوقها موسكو، ترك روسيا معزولة سياسياً، وإن لم يوقف الغزو. ولهذا فإن تحدث بوتين بلغة القوة العسكرية، بينما يتحدث الغرب بلغة العقوبات الاقتصادية، أظهر نوعاً من التفاوت الأساسي، وسمح للكرملين بأن يسيطر على جدول الأعمال على الرغم من أن نيات بوتين واضحة. ولذلك فإن الغرب بحاجة ماسة إلى مزيد من الخيارات العسكرية لدعم جهود الردع التي يبذلها، بخاصة أن بوتين ليس من المرجح أن يتوقف حتى يتعرض إلى لكمات في أنفه، أو يعتقد أنه مُعرض لهذه اللكمات، حسب اعتقاد سكالوبا.

دعم المقاومة

ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين تكثيف الجهود لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، وتقديم أسلحة، ونصائح عسكرية، ومعلومات استخباراتية على الفور، لتمكين المقاومة الأوكرانية من فرض تكلفة عالية على الجيش الروسي.

ويتفق مارك بوليمروبولوس، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مع إمكانية أن تحذو الولايات المتحدة حذو دعمها للمقاتلين في أفغانستان خلال الثمانينيات، من أجل دعم أوكرانيا، عبر أعمال سرية كلاسيكية يقوم بها مجتمع الاستخبارات، إضافة إلى الحرب غير النظامية عبر قوات العمليات الخاصة الأميركية، تحت إشراف سلطات حكومية منفصلة، حيث يمكن أن تقدم الولايات المتحدة المشورة والمساعدة والتدريب والتجهيز للجيش الأوكراني وأجهزة الاستخبارات كمحور رئيس في هذا الجهد، لا سيما وأن حكومة الولايات المتحدة أثبتت أنها أفضل بكثير في دعم التمرد من إدارة عمليات مكافحة التمرد، فضلاً عن إمكانية الاستفادة من دعم الحزبين في الكونغرس لمثل هذا المزيج من العمل السري والحرب غير النظامية. وبالنظر إلى تفاعل حكومة الولايات المتحدة مع مؤسسة الأمن القومي الأوكرانية، فإن عناصر البنية التحتية وخبرة العناصر الأميركية، يمكن أن تُحدث فرقاً من خلال زيادة أعداد القتلى الروس وتسليط الضوء على تكلفة حماقة بوتين، وتصعيد الضغط عليه من الجمهور الروسي والجيش للانسحاب من أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التهديد بحرب نووية

أثار خطاب بوتين يوم الخميس الماضي كثيراً من النقاش في واشنطن، حين حاول ردع الولايات المتحدة والغرب من التدخل في حربه على أوكرانيا، مهدداً "بعواقب أعظم من أي عواقب أخرى في التاريخ". فقد كانت الرسالة واضحة، وهي أن روسيا مستعدة لحرب نووية، وهو يقول ذلك مدعوماً بالترسانة النووية الروسية القوية، التي تتضمن أسلحة قصيرة المدى ذات قدرة نووية، كما أن التدريبات النووية الروسية في نهاية الأسبوع الماضي تشير إلى أن الكرملين مستعد لتوجيه تهديدات نووية.

وفي حين أن بوتين لا يحتاج في غزوه لأوكرانيا إلى استخدام الأسلحة النووية، إلا أن العقيدة العسكرية الروسية تشير إلى إمكانية الاستخدام النووي المبكر، حسبما يقول مارك ماسا، الخبير الأمني في المجلس الأطلسي، الذي يرى أنه يجب على المجتمع الدولي أن يتوقع من بوتين مواصلة توجيه التهديدات النووية مع التركيز على الإمكانات النووية الروسية بهدف ردع "الناتو".

لكن وسط التوترات والعمليات العسكرية الجارية الآن، قد يحدث ما لا يتوقعه أحد. فإذا أوقفت القوات الروسية تقدمها وبدأت في تعزيز مواقعها، فقد تصدر روسيا تهديدات نووية لردع أي هجوم مضاد أوكراني، ومن المحتمل أن يساء تفسير هجوم بصواريخ تقليدية روسية على أنه هجوم نووي، حيث إن بعض هذه الأسلحة ذات قدرة مزدوجة يمكن أن تحمل رؤوساً حربية نووية مثلما يمكن أن تحمل رؤوساً تقليدية.

وبينما اتخذت الولايات المتحدة وحلف الناتو خطوات لتعزيز القوات التقليدية على الجناح الشرقي للحلف، كانت الجهود النووية أقل وضوحاً. ولكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لا تمتلك قدرات نووية كبيرة في أوروبا، ذلك أن سياسة واشنطن طويلة الأمد هي الاحتفاظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية للدفاع ضد أي هجوم تقليدي على حلفائها في المعاهدة، وهي سياسة كانت إدارة بايدن تعيد النظر فيها، كما توجد مجموعة من قاذفات القنابل الاستراتيجية "بي 52" المنتشرة في المملكة المتحدة، إضافة إلى مقاتلات "أف 35 أيه" و"أف 15 إي"، و"أف 16 سي" و"أف 16 دي" المنتشرة في أوروبا، لديها القدرة على إسقاط عدد من القنابل النووية الأميركية المتمركزة بشكل دائم في أوروبا. ومع ذلك فإن معظم الطائرات الحربية التي تم نشرها خلال اليومين الماضيين، تتمركز في الشرق على مسافات أبعد من قواعد القنابل، بينما تستهدف عمليات الانتشار هذه في المقام الأول تعزيز القدرات التقليدية.

الردع النووي

وعلى الرغم من أن إدارة بايدن يمكن أن تنقل القوات النووية الأميركية إلى مستويات أعلى من التأهب، بخاصة القاذفات الاستراتيجية، إلا أن رغبة الإدارة في اتخاذ إجراءات قوية للدفاع عن الحلفاء، قد تتعارض مع نية بايدن المعلنة لتقليص دور الأسلحة النووية في سياسة الأمن القومي للولايات المتحدة.

ويشير مارك ماسا إلى أن "الناتو" يحتاج إلى إعادة التفكير في موقفه الدفاعي في ضوء ما قد ينتهي به الأمر إلى احتلال عسكري روسي دائم لبيلاروس وأوكرانيا، ونشر روسيا أسلحة نووية في البلدين مستقبلاً، حيث يجب أن يتضمن ذلك عمليات نشر إضافية محتملة للأسلحة النووية الأميركية في القارة على الرغم من أنه قد يكون مثيراً للجدل، في وقت تسعى فيه الحكومة الألمانية الجديدة بقوة لإنهاء نشر الأسلحة النووية الأميركية على الأراضي الألمانية تماماً. لذا فإن إشراك جميع دول "الناتو" الثلاثين، وبعضها لديها أحزاب سياسية قوية مناهضة للأسلحة النووية، في استراتيجية موحدة تتضمن نشر مزيد من الأسلحة النووية يبدو أمراً صعباً، ولكنه سيكون أقل صعوبة اليوم عما كان عليه الأسبوع الماضي.

وفيما يصف البعض الغزو الروسي بأنه جرس إنذار لأوروبا، يحتاج الغرب أيضاً إلى التنبه لحقيقة أن الأسلحة النووية ليست من مخلفات الحرب الباردة، ولكنها في الواقع أساسية لأهم التحديات الأمنية في العالم المعاصر.

مسرح عمليات أميركي

ويعتقد توماس واريك، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق لسياسة مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي، أن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تمتد إلى الولايات المتحدة، ولكن ليس في شكل قذائف وصواريخ، وإنما عبر ما يسمى بالحرب المختلطة التي ستكون فيها الأراضي الأميركية ساحة عمليات حقيقية، ذلك أن الرئيس الروسي بوتين يمتلك أدوات الحرب المختلطة، ويستطيع تفعيل حملات التضليل، وشن هجمات إلكترونية، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح، والتلاعب بالانتخابات.

وعلى الرغم من أن هذه الأدوات لم تكن مصيرية بالنسبة إلى بوتين، لكنها يمكن أن تكون كذلك الآن، إذ أصبحت شركات وسائل التواصل الاجتماعي ومؤسسات البنية التحتية الحيوية في الخطوط الأمامية المستهدفة، فضلاً عن أجهزة الكمبيوتر الشخصية والهواتف المحمولة الخاصة بالأميركيين والأوروبيين العاديين، الذين يتلقون أخبارهم المفضلة من خلالها.

ولأن بوتين قد يفوز إذا أضعف عزيمة الغرب عن طريق خلق الانقسام داخل المجتمعات الأميركية والأوروبية، وتضخيم الأصوات المنشقة بهدف زرع الفرقة والانشقاق داخل المجتمع الغربي، في وقت أصبح التماسك المجتمعي للولايات المتحدة أكثر أهمية من أي وقت مضى، يجب على الإدارة الأميركية الاستعداد لهذا السيناريو ومواجهته لتقليل أخطاره بكافة السبل الممكنة.

تجنب حرب أوسع

وتحذر كيلي غريكو، كبيرة الباحثين في المجلس الأطلسي، من تكرار سيناريو مشابه لاندلاع الحرب العالمية الأولى. فمثلما أدى اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند في سراييفو عام 1914 إلى سلسلة من الأحداث غير المتوقعة، التي كان من الصعب السيطرة عليها إلى أن بلغت ذروتها في الحرب العالمية الأولى، كذلك فإن الأزمة الحالية حول أوكرانيا تخاطر بانتشار الحرب وتهدد بتورط الولايات المتحدة وأوروبا في حرب أوسع، لا سيما بعد تهديد بوتين المبطن بالتصعيد النووي، في سياق تحذيره من التدخل الغربي، ما يعد تذكيراً صارخاً بالمخاطر الأمنية على أوروبا والعالم.

ولهذا ترى غريكو أنه يجب على إدارة بايدن العمل على ثلاثة إجراءات، أولها مقاومة الدفع بالتدخل، حيث ستثير الصور المروعة لمعاناة الأوكرانيين في الأيام والأسابيع المقبلة ضمير الرأي العام، وتتصاعد دعوات في واشنطن للقيام بشيء ما عسكرياً. لكن المساعدات العسكرية الغربية، مهما كانت حسنة النية، من المرجح أن تضر أكثر مما تنفع، لأنه في ظل التفوق العسكري الكبير لروسيا، فإن المساعدات العسكرية الأميركية والأوروبية مهما زادت، لن تكون كافية لتغيير ميزان القوى لصالح أوكرانيا. كما أن هذه المساعدة العسكرية التي تهدف بالأساس إلى وقف المعاناة، ستطيل بلا شك أمدها، وسيكون هذا وصفة لتصعيد غير مقصود، فقد يستهدف الروس ممرات إمدادات "الناتو"، أو المقاتلين الأوكرانيين الذين يعبرون إلى حدود دول "الناتو" المجاورة، أو أي قواعد تدريب داخل دول "الناتو"، ومن السهل تصور كيف يمكن أن تخرج هذه الأحداث عن السيطرة.

أما الإجراء الثاني الذي يجب أن تتبناه إدارة بايدن وحلف "الناتو"، فهو إنشاء آليات لتفادي الصدام. فمع نشر الولايات المتحدة وحلف "الناتو" لقوات ومعدات في دول الحلف المتاخمة لأوكرانيا وروسيا، تصبح الحوادث العسكرية محتملة بما يهدد بالتحول إلى صراع عسكري، الأمر الذي يستدعي تنسيقاً لتفادي الصدام، كما هي الحال في سوريا.

ويتعلق الإجراء الثالث بضرورة اتخاذ خطوات تنسيقية واضحة يمكن التنبؤ بها لتجنب حرب أوسع. فمع خشية القوات الروسية هجوماً مفاجئاً من "الناتو" في ظل عمليات عسكرية متقلبة وغير مؤكدة، التي يصفها خبراء عسكريون ببيئة ضباب الحرب، فإن فرص سوء الفهم تكون مرتفعة، وفي هذه البيئة الخطرة، يجب على "الناتو" أن يقدم إخطاراً مسبقاً للروس بتحركات قواته، كما يجب على الجانبين تجنب سوء التفاهم الذي يمكن أن يؤدي عن غير قصد إلى حدوث دوامة من شأنها أن تحول الأزمة الحالية إلى حرب أوروبية أوسع، كما حدث بشكل مأسوي عام 1914.

هل من مكان للدبلوماسية؟

وترى إيما آشفورد الباحثة في مبادرة المشاركة الأميركية الجديدة، أن هناك القليل من الخيارات الجيدة لصانعي السياسة الغربيين. فالدبلوماسية غير واردة بينما تدور الحرب، والعقوبات الاقتصادية العقابية لن تغير مسار الغزو، ومع ذلك ينبغي أن تكون للإدارة ثلاثة أهداف أساسية في المستقبل، هي منع امتداد الصراع من أوكرانيا إلى أوروبا على نطاق أوسع، ودراسة التداعيات الأوسع للصراع على مستقبل الأمن الأوروبي، بما يعنيه ذلك من دعم الالتزامات العسكرية المتزايدة. ولكن الأهم هو أن أوروبا ستصبح أكثر عسكرة وستعود بشكل خطير إلى الأيام الأولى للحرب الباردة، وهذا من شأنه أيضاً أن يفرض على الإدارة الأميركية الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية، والتفكير بعناية في طرق التخفيف من مخاطر الصراع أو اللجوء إلى سياسة حافة الهاوية النووية المثيرة للقلق.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل