يبدو أن رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة رافض تماماً فكرة التراجع أو التنازل عن منصبه لرئيس الحكومة المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، بعد إعلانه خريطة طريق جديدة للمرحلة المقبلة، موازية للخريطة البرلمانية التي كان أول بند فيها حل حكومته وإعفاؤه من مهماته.
ونصت خريطة الدبيبة التي سماها "خطة عودة الأمانة للشعب" على إجراء انتخابات تشريعية بداية الصيف المقبل، بالتزامن مع الترتيب لعملية الاستفتاء على الدستور قبل تحديد موعد للانتخابات الرئاسية في موعد لاحق، وسط تساؤلات كثيرة عن واقعية هذه الخطة وإمكان تنفيذها على أرض الواقع، خصوصاً في ما يتعلق بإجراء انتخابات برلمانية بعد أربعة أشهر تقريباً.
الجزء الأكثر إثارة للجدل في الخطة الحكومية كان إعلان الدبيبة تشكيل لجنة لصياغة قوانين جديدة للانتخابات، مما فتح نقاشاً واسعاً حول اختصاص السلطة التنفيذية في إصدار هذه التشريعات، ومخاوف جديدة من جر القضاء الليبي لقلب الصراع السياسي الحالي مثلما حدث قبل الانتخابات الرئاسية المتعثرة نهاية العام الماضي.
خطة الدبيبة
وتبدأ الخطة الحكومية، وفق الدبيبة، بصياغة اللجنة الفنية الحكومية مشروع قانون الانتخابات وتقديمه إلى مجلس الوزراء الذي بدوره سيحيله إلى مجلس النواب للموافقة عليه خلال أسبوعين، لافتاً إلى أن هذا المسار "سيمنح أربعة أسابيع لإنهائه بحد أقصى تنتهي في الـ 14 من مارس (آذار) المقبل".
وفي حال تعذر هذا المسار، قال الدبيبة "ليس أمامنا إلا العمل بالقانون رقم (2) لسنة 2021 في شأن الانتخابات البرلمانية أو القانون رقم (4)لسنة 2012 الذي نظم أول انتخابات تشريعية، كي لا يكون هناك عذر لعدم إجراء الانتخابات".
المرحلة الثانية في الخطة تتمثل في "انطلاق العملية الانتخابية قبل انتهاء المرحلة التمهيدية لخريطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي في الـ 24 من يونيو (حزيران) المقبل، وفق جدول زمني تفصيلي تضعه المفوضية العليا للانتخابات بالتشاور مع الحكومة والمجلس الرئاسي، يتضمن تحديث سجل الناخبين ومنح الوقت الكافي للحملات الانتخابية"، أما الجزء الثالث فيتضمن "إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور وفق التعديل الـ 10 للإعلان الدستوري وقانون الاستفتاء المحال إلى المفوضية، والذي عززه اتفاق الغردقة بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية".
وبحسب الدبيبة فإنه "في حال أراد أي طرف استخدام القوة لمنع التصويت فسيتم اللجوء إلى خيار التصويت الإلكتروني بإشراف دولي يضمن سلامة التصويت، أو إجراء انتخابات جزئية في بعض المناطق".
تجاوز الصلاحيات التنفيذية
وكانت أطراف ليبية رسمية اتهمت رئيس الحكومة بتجاوز صلاحياته التنفيذية حتى قبل أن يعرض التفاصيل الكاملة لخطته، بمجرد إعلانه تشكيل لجنة حكومية لصياغة قوانين جديدة للانتخابات، ومن بينها المفوضية الانتخابية التي رفضت التعامل مع هذه اللجنة، وقالت إنها لن تتعامل مع أي تشريعات خاصة بالانتخابات قبل إحالتها إلى البرلمان أولاً بصفته الجهة التشريعية، قائلة إن "دور الجهاز التنفيذي يقتصر على تقديم الدعم المادي فقط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد عضو المفوضية العليا للانتخابات أبوبكر مردة على أن "المفوضية تنتظر ما يصلها من الجهات التشريعية"، مشيراً إلى أن "مقترح رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة بتشكيل لجنة وصياغة قانون للانتخابات لا بد من أن يحال إلى مجلس النواب أولاً بصفته الجهة التشريعية". وأكد مردة أن هناك خطوات كثيرة يلزم اتخاذها قبل تحديد أي موعد جديد للانتخابات، "وجاهزية المفوضية لتنفيذ قوانين البرلمان في شأن الاستحقاقات الدستورية متوقفة على نوع الانتخاب الذي سيقره وما يترتب عليه من التزامات، وما إذا كانت بحاجة إلى لوائح جديدة أم لا، فمن الضروري الاطلاع على تلك الأمور قبل تحديد الجدول الزمني للانتخابات".
دعم ومعارضة
وعلق المتحدث السابق باسم "عمليات البنيان المرصوص" أحمد الروياتي المقرب من رئيس الوزراء الجديد فتحي باشاغا على الخطة التي أعلنها عبدالحميد الدبيبة، معتبراً إياها مجرد "هلوسة سياسية". وخاطب الروياتي رئيس الحكومة قائلاً، "أنت اليوم بما سردته في هذا الخطاب هددت بالانقسام والحرب وناقضت نفسك حول موضوع الانتخابات، وكأن الأطراف الأخرى هي من تعرقل الانتخابات وأنت لا تعرقلها، وهذا غير حقيقي".
ورأى أن "الدبيبة يرقص رقصته الأخيرة ولم يجد وسيلة إلا واستعملها للبقاء في السلطة حتى لو جر البلاد إلى الحروب، على الرغم من أن ما حصل بين البرلمان ومجلس الدولة يمثل توافقاً كاملاً، وهو أقوى توافق يحصل بينهما بعد سبع سنوات من الخلافات، وقاد إلى إقرار تعديل دستوري لم يتوقعه أحد عندما عدل التعديل الدستوري رقم (12)الذي ينص على خريطة طريق للاستفتاء على الدستور".
من جانبه، ساند عضو مجلس الدولة الاستشاري عبدالقادر حويلي خطة الطريق التي أعلنها الدبيبة والتي تحل مشكلة ليبيا الرئيسة التي رأى أنها "تشريعية"، مشيراً إلى أن "شرعية مجلسي الدولة والنواب والرئاسي مؤقتة، يستمدانها من الاتفاق السياسي والمادة (13) من الأحكام الإضافية التابعة له". ولمح حويلي إلى احتمال وقوع صدام عسكري بعد اعتماد حكومة فتحي باشاغا من البرلمان، قائلاً إن "الحكومة الجديدة لن تكون قادرة على العمل في طرابلس، وسيضطر باشاغا إلى مباشرة مهماته من بنغازي أو طبرق، لأن الدبيبة لن يسمح له بالدخول إلى العاصمة".
تفاقم الانقسام
ومع تعقد الأزمة الحكومية وتنازع فتحي باشاغا وعبدالحميد الدبيبة منصب رئاسة الوزراء، تفاقم الانقسام السياسي والشعبي في الغرب الليبي بين داعمين للحكومة الجديدة ومناصرين لنظيرتها المقالة من البرلمان، والذي من المتوقع أن يتسع بعد منح حكماء وأعيان مصراتة وطرابلس الكبرى أعضاء مجلسي النواب والاستشاري للدولة مهلة يومين (حتى يوم الجمعة المقبل) كحد أقصى لتقديم استقالاتهم، وحمل حكماء وأعيان مصراتة وطرابلس في بيان أصدروه الأربعاء، 23 فبراير (شباط)، "أعضاء مجلسي النواب والدولة مسؤولية الانقسام والاحتراب الذي سيحدث بعد تصويتهم على تمرير حكومة موازية"، وأكد الأعيان في بيانهم أنهم "ماضون نحو اتخاذ ما يلزم لإجراء الانتخابات قبل شهر يونيو المقبل، وندعو أعضاء مجلس الدولة الاستشاري لرفض قرارات النواب وأية محاولة لتمديد المرحلة الانتقالية".
جهود للوساطة
واستباقاً لأي انزلاق محتمل نحو صراع مسلح جديد في طرابلس بسبب التنافس على السلطة، بدأت أطراف محلية ودولية عدة جهوداً للوساطة للحد من التوتر والانقسام السياسي في البلاد وحل الخلاف بين رئيس الحكومة المكلف من البرلمان فتحي باشاغا ورئيس الوزراء الحالي عبدالحميد الدبيبة، وتحدثت مصادر ليبية متطابقة عن لقاء ثلاثي مرتقب سيجمع بين رئيس مجلس الدولة خالد المشري وعبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا الأسبوع المقبل في أنقرة، بهدف الخروج من المأزق السياسي ومنع انجرار البلاد إلى حرب جديدة.
في الأثناء، تتحرك المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز لخفض التصعيد السياسي بلقاءات متتالية مع مختلف الأطراف السياسية، تزامنت مع دعوتها في أكثر من تصريح إلى ضرورة التوافق من أجل الحفاظ على الهدوء القائم في البلاد.
كما فتح المغرب على لسان وزير خارجيته ناصر أبو ريطة الباب مجدداً لأي حوار ليبي على أرضه للخروج من الأزمة الحالية التي وصفها بـ "الخطرة على المسار التوافقي".