Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهرولة الأميركية والهيمنة الإيرانية

من الصعب أن يتجاهل بايدن الضغوط الداخلية في عام الانتخابات النصفية

ليس انتظار القرار السياسي في مفاوضات فيينا النووية سوى خدعة دبلوماسية وإعلامية وسعي للحصول على شيء إضافي. والمنتظرون يعرفون أن القرار السياسي متخذ سلفاً في واشنطن وطهران، والشركاء الآخرون في اتفاق "5+1" مع إيران لم يخرجوا منه. ولولا ذلك، لما بدأت المفاوضات التي رفضت جمهورية الملالي إجراءها تحت "الضغط الأقصى" الذي مارسته إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بعد خروجها مما سمته "أسوأ اتفاق في التاريخ". وما كان ممكناً أن تبدأ المفاوضات لو أصرت إدارة الرئيس جو بايدن على البحث عن اتفاق "أقوى وأطول" بحسب تعبير الوزير أنتوني بلينكن، يتضمن الحد من البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني والنفوذ الإقليمي و"السلوك المزعزع للاستقرار" وإشراك السعودية وإسرائيل في المفاوضات. ولا كان الدهاء الإيراني التقليدي قليلاً في استغلال الحسابات الأميركية في بدعة "القيادة من المقعد الخلفي" في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، لتقوية موقف الملالي التفاوضي. فضلاً عن تحمل العقوبات القاسية أيام ترمب. ثم جاء بايدن الواعد بالعودة إلى الاتفاق، وسط الحديث عن "عودة القيادة" الأميركية التي عادت إلى التأثر بضعف شعبية بايدن في الداخل وانسحابه المهين من أفغانستان واهتزاز ثقة الحلفاء والشركاء بالالتزامات الأميركية.
وهذا ما سمح لإيران بأن تبدو رابحة لمعركتها قبل الاتفاق، وخلال التفاوض عليه، وبعد خروج أميركا منه، وفي ظل التفاوض من جديد على العودة إليه. فهي عملت منذ البدء على خطين: خط سري لبرنامج عسكري، وخط علني لبرنامج سلمي. ولم تتوقف عن العمل على الخط العسكري السري بعد توقيع الاتفاق بما فيه التزامات صارمة تمنع تخصيب اليورانيوم إلى ما يتجاوز 3.7 في المئة لمدة خمسة عشر عاماً.

ابتزاز أوروبا
وعندما خرجت أميركا من الاتفاق، جاءت الفرصة الأكبر لإيران في ابتزاز أوروبا ومطالبتها بآلية لتفادي العقوبات الأميركية، واسترضاء روسيا والصين، وخرق الالتزامات علناً رداً على الخروج الأميركي، كأن الاتفاق النووي "اتفاق ثنائي" بين واشنطن وطهران، ولا وجود للشركاء الآخرين: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، والصين. قمة التحدي من دون رد. واستناداً إلى الشهادة السرية لوزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف الذي اعترف بأن "روسيا حاولت منع الاتفاق أو تأخيره وأن الوزير سيرغي لافروف غاب عن الصورة النهائية"، فإن المعادلة هي: موسكو لا تريد إيران نووية ومتعاونة مع الغرب بل إيران معادية للغرب وقريبة من روسيا ولو صارت نووية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السيناريو الحالي
وما يحدث اليوم هو استكمال السيناريو: إيران توحي بأنها صارت "دولة عتبة" نووية، أميركا تهول بأن الملالي باتوا قادرين على صنع قنبلة نووية خلال سنة، وإسرائيل تحدد بضعة أسابيع لذلك. والنتيجة: هرولة الإدارة الأميركية للعودة إلى الاتفاق كما هو، حتى بعدما "وصلت إيران في خرق الالتزامات إلى نقطة لا يمكن بعدها الإفادة من مزايا الاتفاق" بحسب بلينكن نفسه. وتهديدات إسرائيلية بقصف المشروع النووي الإيراني من دون قدرة عسكرية كافية في غياب أميركا. ومحاولات إيرانية لفرض مطالب صعبة على أميركا بعدما قبلت شرط التفاوض غير المباشر.
أجواء الكونغرس
لكن الكونغرس الأميركي في مناخ آخر. الجمهوريون وبعض الديمقراطيين يطالبون بايدن بالتشدد والإصرار على معالجة الصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي. وبين الكبار في مجلس الشيوخ من يدعو إلى تغيير النظام الإيراني لا سلوكه فقط. وفي مقال للمسؤولين السابقين جيمس جيفري ودنيس روس تأكيد أن "المشكلة هي إيران لا الاتفاق النووي" وسؤال: "أيهما أخطر القنبلة أم النفوذ الإقليمي الإيراني؟".
لا شيء يوحي أن بايدن يتأثر. لكن من الصعب أن يتجاهل الضغوط الداخلية في عام الانتخابات النصفية التي تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال استعادة الجمهوريين الأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ. والأصعب هو أن تبدو أميركا "نمراً من ورق" أمام قوة إقليمية تريد الهيمنة على المنطقة وإخراج القوات الأميركية من "غرب آسيا". وليس أمراً قليل الدلالات أن يستقيل ريتشارد نيفيو، نائب المفاوض روبرت مالي، احتجاجاً على رخاوة الأخير والإدارة الأميركية.

المزيد من تحلیل