Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يبارك محافظو إيران التفاوض المباشر مع واشنطن؟

تؤكد طهران أن مباحثات فيينا تجري بإجماع وطني وإصرار داخلي لإنجاحها والمعارضون يتخوفون من مسار التنازلات

لم تشهد إيران هذا الكم من الحديث العلني عن ضرورة الحوار المباشر مع الولايات المتحدة (أ ف ب)

لم تعد الأصوات المعارضة للحوار مع الإدارة الأميركية مجرد توزيع أدوار، أو لعبة سياسية يمارسها النظام الإيراني وتيار السلطة، تارة لقطع الطريق على الفريق أو المعسكر المنافس الذي يقود مساعي الحوار، وتارة أخرى من منطلقات أيديولوجية بُنيت على شعار العداء مع واشنطن، وإذا ما حصل أي خرق في جدار هذه المنطلقات، فإنهم يتخوفون من انهيار كامل هذا البناء الأيديولوجي، ويصبحون مكشوفين في عراء ضرورات النظام والسلطة في الذهاب إلى خيار التسويات العلنية.

ليونة في الموقف الأيديولوجي

وفي إطار الفئة الثانية المعترضة على ما يجري في فيينا بين إيران والسداسية الدولية، يمكن التوقف عند الخطوة التي قام بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي وكبير المفاوضين سعيد جليلي، والتقرير المؤلف من 200 صفحة، الذي رفعه إلى المرشد الأعلى يفند فيه موقفه الرافض هذه المفاوضات، ومساعي إعادة إحياء اتفاق عام 2015. معتبراً أن ما يجري في فيينا والمفاوضات التي يقودها صديقه ومساعده السابق علي باقري كني لا يخدم المصالح الإيرانية.

في حين أن الصوت، الذي رفعه حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة "كيهان" الناطقة باسم النظام والمقربة من مكتب المرشد الأعلى، لم يكن اعتراضاً على مبدأ الحوار من أجل إعادة إحياء الاتفاق، بل اعتراض على الليونة في الموقف الأيديولوجي من "الشيطان الأكبر"، وإسقاط المحرمات في الحديث عن إمكانية الحوار المباشر مع واشنطن، ما يمكن أن تؤدي له من دخول النظام في مسار من التنازلات، تبدأ بتحجيم البرنامج النووي، ولا تنتهي بتقليص ومحاصرة النفوذ الإقليمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا ما كان النظام قد اتخذ قراراً باستبعاد جليلي عن أي موقع أو منصب رسمي في حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، إذ كان الوحيد من المرشحين في السباق الرئاسي الذي لم يحصل على جائزة ترضية، بخاصة بعد تكهنات كثيرة بعودته إلى إدارة المجلس الأعلى للأمن القومي، بدلاً من علي شمخاني أو توليه قيادة الفريق المفاوض، إلا أن قرار الاستبعاد جاء منسجماً مع مخاوف قيادة النظام من جليلي، وإمكانية تفجيره مسار المفاوضات والمسارات غير المعلنة والمؤسسة للحوار مع الولايات المتحدة الأميركية، في حين النظام قادر على السيطرة، وكبح أي تصعيد قد يلجأ إليه شريعتمداري من خلال تغليب المصالح الوطنية والقومية والمصلحة الدينية التي تشكل مسوغاً للالتفاف على الموقف الأيديولوجي.

وفي النهاية من خلال الدور الذي يضطلع به كناطق باسم النظام قد تتحول مواقفه إلى الذريعة، التي يمكن أن تعتمد عليها قيادة النظام لتسويغ سحب الغطاء عن المفاوضات في حال كانت الأثمان خارج حساباتها.

محاصرة روحاني

وفي المقابل وعلى مسار الأصوات المعارضة من منطلق الصراع السياسي، فإن السنوات الثماني التي قاد فيها الرئيس السابق حسن روحاني وفريقه التفاوضي بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف عملية التفاوض مع مجموعة "5+1"، وانتقل إلى التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة ووزير خارجيتها جون كيري، كان معسكر النظام أو التيار المحافظ وقوى الدولة العميقة أكثر قدرة على توجيه الانتقاد إلى مواقف الحكومة الرسمية، والتشكيك بنتائج وفوائد الاتفاق، الذي عقدته، واتهامها بالتفريط في الحقوق الإيرانية في امتلاك وتطوير برنامج نووي سلمي. وقد جارتها قيادة النظام العليا في هذه المواقف وهذه السياسات، باحتفاظها بمسافة أبعدتها عن تحمّل مسؤولية الاتفاق على الرغم من يقين جميع الأطراف أن إدارة روحاني لم تكن تملك الجرأة التي تسمح لها بالتوقيع من دون الحصول على موافقتها والضوء الأخضر للمضي بهذا المسار.

وحدة التيار المحافظ العلنية على نصاب سلبي من الاتفاق النووي في رئاسة روحاني، سمحت له وبعد سيطرته التامة على البرلمان أن يعمد إلى محاصرة روحاني وفريقه من خلال سن قوانين مررت بطريقة تحمل كثيراً من علامات الاستفهام برضا وموافقة المرشد الأعلى، لعل أبرزها قانون "الخطوات الاستراتيجية لإلغاء العقوبات والحفاظ على حقوق إيران النووية"، الذي جاء بالتزامن مع مساعٍ دولية متشعبة عملت على إعادة إحياء المفاوضات حول العقوبات الاقتصادية، والآليات التي تضمن تجمد خطوات إيران بتقليص التزاماتها النووية.

الخروج من دائرة التهديد

تعليق الجولة الثامنة من المفاوضات وعودة مندوبي الدول المشاركة إلى عواصمهم للحصول على موقفها في الجانب أو البعد السياسي، ترك جميع الأوساط السياسية الدولية بانتظار الموقف النهائي للقيادة الإيرانية من الخطوة الحاسمة التي تنقل الاتفاق من المستوى الفني والتقني والاقتصادي، وما فيه من عقوبات وآليات إلغائها، إلى المستوى السياسي المؤسس لمسار من الحوار المباشر بين الطرفين الأساسيين: طهران وواشنطن.

وفي وقت تؤكد طهران أن فريقها المفاوض والمباحثات التي يجريها في فيينا تجري بإجماع وطني وإصرار داخلي تام لإنجاح هذه المفاوضات، فإن هذا الموقف يحمل رسائل باتجاهات متعددة، داخلية تستهدف الأصوات المعارضة للمفاوضات والحوار في الوقت نفسه، وبأن النظام لن يسمح لأي جهة بعرقلة أو تخريب هذا المسار والتوجه، بخاصة في هذه المرحلة الدقيقة، التي تمر بها إيران، التي جعلت مما يجري في فيينا بمثابة مصلحة وطنية وقومية ومصيرية وإقليمية، من المفترض أن تسمح لإيران بتوظيفها في بث رسائل طمأنة لدول المنطقة بإمكانية التوصل إلى تفاهمات وتسويات تساعد على تخفيف التوتر، وتؤسس لمرحلة من التعاون الثنائي في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ودولية تعبر عن رغبة إيران في الخروج من دائرة التهديد الدائم والمستمر، وفتح صفحة جديدة من التعاون مع عواصم القرار الدولية حول الملفات الإقليمية التي تشكل ساحة اشتباك معها، وتسمح لإيران بتكريس موقعها وشراكتها مع هذه الدول في منطقة غرب آسيا والشرق الأوسط على وجه الخصوص.

ولم تشهد إيران هذا الكم من الحديث العلني عن ضرورة الحوار المباشر مع الولايات المتحدة، وإذا ما كانت مثل هذه الدعوة تعتبر من خصوصيات القوى الإصلاحية والمعتدلة، وكانت تشكل المدخل لمحاربتها ومحاصرتها. فالمرحلة الحالية تشهد دخول قوى النظام والتيار المحافظ على هذا المسار، بحيث بات صوتها ومواقفها الداعية لمثل هذا الحوار أعلى وأكثر تأثيراً من الأصوات الإصلاحية، تحديداً داخل مؤسسة حرس الثورة المتشددة والعدو الأول المفترض لواشنطن، التي تحولت إلى حارس لجهود الفريق المفاوض، ووضعت إنجازات الميدان في خدمة الدبلوماسية لاستخدامه كورقة تدعم الموقف التفاوضي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل