أخيراً، صارت التصريحات من داخل إيران تؤكد أن "الشروط مواتية لاتفاق يربح فيه الجميع مع الولايات المتحدة"، على الرغم من أن المحادثات المباشرة مع واشنطن لا تزال غائبة. فقد تحدّث كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كاني في الأول من فبراير (شباط) في جلسة للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، حول وضع المفاوضات النووية في فيينا، وأجاب أنه على الرغم من الاتجاه الإيجابي للمفاوضات، لا تزال هناك قضايا مهمة تحتاج إلى التفاوض، إذ إن أكبر مشكلة بالنسبة لإيران هي ضمان أن لا تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق مرة أخرى، لكنه في الوقت ذاته أكد أن الولايات المتحدة وافقت على رفع جزئي للعقوبات.
وعلى الرغم من التصريحات الغربية التي تشير إلى التفاؤل بقرب إتمام الصفقة على الأرجح منتصف الشهر الحالي، إلى جانب تصريحات ممثل روسيا في المفاوضات، ناهيك بالتصريحات الإيرانية ذاتها، إلا أنه ليست التصريحات وحدها توحي بقرب التوصل لإحياء الاتفاق النووي، إذ بدأت إيران تستعد لمرحلة التعاون الاقتصادي والتجاري لما بعد إحياء الاتفاق. فمنذ أيام وافق مجلس الوزراء الإيراني على افتتاح قنصلية صينية في بندر عباس، الميناء التجاري الرئيس لإيران وعاصمة مقاطعة هرمزجان الساحلية. وستكون هذه أول قنصلية لبكين في إيران.
من المحتمل أن يكون هذا التطور مرتبطاً بالاتفاق الاستراتيجي لمدة 25 عاماً الذي وقعته إيران مع الصين في مارس (آذار) 2021، حيث اشتملت الاتفاقية على تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني وتموضع إيران ضمن مشروع الصين، مبادرة الحزام والطريق، بينما تم التوقيع على الاتفاقية منذ ما يقرب من عام، فقد بدأت "مرحلة التنفيذ" في وقت سابق من هذا الشهر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتباراً من تمحور سياسة إيران الخارجية حول الاتجاه شرقاً في ظل سيطرة الحرس الثوري والتيار المتشدد برئاسة إبراهيم رئيسي، بدأت طهران تتحرك نحو وقف المماطلة التي اعتادتها في مفاوضاتها في فيينا مع الغرب والتي امتدت نحو عشرة أشهر، وذلك تمهيداً لرفع العقوبات عن القطاعين النفظي والمالي، ومن ثم السير في سياستها نحو تعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع روسيا والصين ودول وسط آسيا، بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط. فقد صرح حسين أمير عبد اللهيان أن تنفيذ الشراكة الصينية - الإيرانية طويلة الأمد قد بدأ الآن، وستدخل حيز التنفيذ، ومع ذلك لم يكن البرلمان الإيراني قد صادق على الاتفاقية بعد. ربما كان تنفيذها يواجه تحدي نجاح مفاوضات فيينا، التي تريد الصين لها أن تتم لأسباب عدة منها أن الصين لا تريد تزايد برنامج إيران النووي. كما أنه لطالما كانت بكين شريكاً استراتيجياً لطهران - لا سيما بصفتها مشترياً لنفطها الخام. كما أنها تحتاج إلى إيران لتعزيز مبادرة الحزام والطريق ومصالحها الجيوسياسية، وكلا البلدان يوظف بعضهما البعض لاحتواء الوجود الأميركي في المنطقة. لذا فإحياء الاتفاق النووي سيسهل نمو الاستثمار الصيني في مجالات النفط والغاز والبنية التحتية والبتروكيماويات.
وإذا تمت استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، ستكون إيران في وضع أفضل بكثير لتطوير علاقات خارجية متوازنة وتنافسية. وأصبحت إيران أكثر اعتماداً على علاقتها الاقتصادية مع الصين بسبب العقوبات الأميركية. ومع ذلك، يتحدث المسؤولون الإيرانيون مثل علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، عن حاجة البلاد لتأمين علاقات خارجية متوازنة وتنافسية، إذ يمكن لإيران أن تحقق أقصى فائدة، لذا تسعى إلى تنفيذ اتفاقية مماثلة مع روسيا، كما تحتاج لتعزيز علاقتها بدول منظمة شنغهاي وأفغانستان ودول وسط آسيا.