Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل عجزت المبادرات الداخلية عن حل الأزمة السياسية السودانية؟

تواصل الحراك الشعبي في الشارع يرافقه ضغط دولي واحتمال فرض عقوبات

تتوالى الأحداث المتسارعة مع تأزم الوضع في السودان، سواء من خلال إعلان "تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم"، يوم الثلاثاء 1 فبراير (شباط)، جدول مسيرات شعبية خلال الشهر الحالي، الذي يتضمن أربعة مواكب، حُددت لها تواريخ 7 و14 و21 و28 من هذا الشهر، معتبرةً إياها بمثابة "خطوة نحو الهدف المنشود" ألا وهو "مدنية الدولة"، إضافة إلى الضغوط الدولية التي كان آخرها تأكيد مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي فيي، الثلاثاء، في جلسة لمجلس العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي عن السودان، أن أميركا "تعمل بالتنسيق مع الشركاء لفرض عقوبات على النظام العسكري في السودان بسبب ما قام به به في 25 أكتوبر (تشرين الأول) من تعطيل للشراكة مع المدنيين"، كما تدرس "تقليص المساعدات لهذا البلد وعزله عن الأسرة الدولية". لكن تظل الحلول لإنهاء هذه الأزمة بعيدة المنال، بل تشهد المكونات المختلفة مزيداً من الانقسامات، فهل عجز السودانيون عن لملمة جراحهم وحل أزمتهم، وبات العنف سيد الموقف؟

تضاؤل السلطة

الكاتب السوداني عبدالله آدم خاطر، رأى أن "المواكب التي ما زالت مستمرة في الشارع السوداني منذ وقت مبكر، بخاصة بعد انقلاب 25 أكتوبر، برهنت على أن الشعب السوداني متماسك بشكل واضح وكبير، وأنه لن يتخلى عن أفق ثورته والتأكيد على شعاراتها المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة. وكما هو معلوم أن التحول الاجتماعي الاقتصادي بخاصة في الثورات الشعبية يأخذ وقتاً، ودورته الطبيعية، لكن من الناحية الفكرية نجد أن هناك ضغطاً كبيراً تسبب في إحداث معاناة مركبة للمجتمع في كل نواحي الحياة". وأضاف خاطر، "بلا شك، المواكب تشكل حلاً أساسياً للأزمة الحالية لأنها جعلت السلطة تتضاءل أمام الوطن والمواطن، إذ لم تستطع تلبية طموحات الشباب الذين يقودون هذا الحراك الثوري من أجل مستقبل مشرق لبلادهم. وفرض هذا التضاؤل على الآخرين المستنيرين واجب البحث عن حلول، لكن في الأفق هناك أمل كبير بلم الشمل السوداني بشكل أو بآخر". وتابع، "على الرغم مما يحدث من انسداد وتظاهرات وما يصحبها من عنف مفرط من قبل الأجهزة الأمنية، إلا أنه من المؤكد أن باستطاعة السودانيين بذل الجهود لإحداث توافق يجنب البلاد شر الانزلاق نحو المجهول، فالمواكب والمسيرات التي تُنظم من وقت إلى آخر بصورة متكررة اسبوعياً هي السند الأساسي للتحول الفكري والسياسي، وذلك من خلال وضع قاعدة جديدة للحل الدستوري القانوني الاقتصادي للأزمة السودانية التي تبدو الآن وكأنها مستفحلة في أذهان كثيرين من المراقبين والسياسيين".

استجابة عامة

وأكد خاطر أن "الضغوط التي وفرتها المسيرات ساعدت مجموعات كبيرة من مؤسسات الفكر والثقافة في أنها تقدم مبادرات على مستويات مختلفة، سواء ما يتعلق بوحدة الرأي العام السوداني تجاه وطنه أو جمع القوى السياسية من أجل العمل المشترك، أو كيفية النظر إلى المجتمع الخارجي كمساهم في حل الأزمة وليس من أجل شيطنته"، لافتاً إلى أن "هذه المبادرات أنتجت استجابةً عامة حتى وسط المجموعات التي لديها آراء ومواقف حادة مثل لجان المقاومة التي ظلت ترفع شعارات: لا شراكة، لا شرعية، لا تفاوض مع العسكر، حيث أخذت هذه اللجان تطرح أسئلة جديدة حول مدى الوقوف على قاعدة الشراكة وعدم التفاهم وغيرها من المواقف المتصلبة، وهذا التوجه قد يفرض واقعاً لن يقلل من الزخم الثوري، بل يعززه في اتجاه الحل".
وزاد الكاتب السوداني، "كما نجد أيضاً أن القوى السياسية بدأت تستجيب بنواح عملية أكثر مرونة وجدية بأن تكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من تعقيد الأزمة، فضلاً عن ذلك نجد أيضاً، أن الذين أقدموا على الانقلاب بدأوا يفكرون في أنهم لن يحصدوا أبداً غير الحصاد المر، لذلك أخذوا يسألون أنفسهم ويقدمون الأسئلة للآخرين عن كيف يتم الحل. وأعلن نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو (حميدتي) قبل أيام قليلة، أنهم على استعداد للاستجابة "لأي مبادرة يكون فيها الحل وتجاوز الأزمة الراهنة، وعلى ضوء ذلك، فإن كل السودانيين الذين ينشدون سلمية الثورة، وسلمية الفكر، سيجعلون من السودان دولة مدنية ديمقراطية فدرالية تؤسَس بجهود الجميع ومن أجل الجميع".

خلق الأزمات

في السياق، قال أستاذ الاقتصاد السياسي الحاج حمد، إن "المدهش هو أن النخب التي تتصدى حالياً للمسألة السياسية منذ اندلاع الثورة الشعبية تجدها تعتمد على المجتمع الخارجي في الخروج من أي أزمة تستفحل في البلاد، فهي تجيد خلق الأزمات وتعميقها، بينما لا تستطيع تقديم أي حلول لها، أياً كان شكلها، فكل واحد من هذه النخب تجده متخندقاً عند موقفه ويحمل بطرفه ميثاقاً فضفاضاً كرؤية سياسية للحل، فالقضية أصبحت لديه منافسة للعرض أكثر من كونها قناعة". وأضاف حمد، "المشكلة هي أن الحراك الثوري الدائر في الشارع بشكل متواصل أصبح يقابَل بمغامرة مهولة من القوة العسكرية، وهذا عمل مؤسف لأنه يزيد الاحتقان الشعبي والعزلة الدولية، ومهما حاول العسكريون الاحتماء بحلفاء دوليين من أجل تقديم الأسلحة وغيرها من الدعم اللوجستي لهم، لكن لا يستطيع هؤلاء الحلفاء والشركاء خلق حاضنة محلية للعسكريين تقودهم إلى الأمام".
ومضى أستاذ الاقتصاد السياسي في القول، "كذلك من الواضح أن الجميع ركن إلى الحلول الخارجية، لكن تظل لجان المقاومة الجهة الوحيدة القادرة على التأثير في الحلول إذا أدارت حواراً واسعاً غطى أقاليم السودان، وتقدمت خطوة نحو الأمام، باعتبارها تملك مفاتيح تحريك الشارع، لكن بشكل عام، إن الوضع الراهن معقد جداً، فالحراك الثوري المستمر سيؤدي إلى الزعزعة، وتململ حركات الكفاح المسلح التي انتظرت كثيراً لتنفيذ اتفاق السلام الذي وقعته مع الحكومة الانتقالية مطلع أكتوبر 2020، فضلاً عن أن هناك بوادر تفكك في التحالف الداعم لقرارات 25 أكتوبر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


انعدام ثقة

في المقابل، أوضح الباحث السياسي السوداني الزمزمي بشير، أن "الأزمة السياسية الحالية هي أول أزمة معقدة ومستعصية منذ استقلال السودان في عام 1956، في ظل وقوع عدد كبير من الضحايا منذ بداية هذه التظاهرات في 25 أكتوبر احتجاجاً على ما اتخذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان من قرارات بتعطيل الشراكة مع المكون المدني وإعلان حالة الطوارئ، لكن ما يحدث هو أن هناك انعدام ثقة بين الأطراف السودانية المختلفة، ما أطال أمد هذه الأزمة بسبب التباعد والاختلاف بينهما، إذ نجد أن لجان المقاومة التي تنظم المواكب الثورية وتقودها، لا تؤمن بقوى الحرية والتغيير سواء المجلس المركزي أو الميثاق الوطني، وكذلك لا تلتقي مع العسكريين ولا الأحزاب الإسلامية".
وتابع بشير، "لذلك تشير كل التوقعات إلى أن المبادرة التي طرحها المبعوث الخاص للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس في الثامن من يناير (كانون الثاني) الماضي، هي الأنسب والأنجح بالنظر لما تجده من قبول محلي ودولي وإقليمي. صحيح هناك بعض القوى السياسية السودانية لم تعلن موقفها بوضوح، لكن ما نلحظه هو حالة التفاعل والاستقطاب، وهي إحدى مقومات النجاح، كما تعني أن هناك قبولاً من أطراف بارزة واتساع دائرة هذا القبول من كيانات يسارية وإسلامية ووسطية مؤثرة في المجتمع. فهذه المبادرة الأممية تظل الخيار الأول لأهل السودان الذين يأملون وقف نزيف الدم وسط الشباب لأن مآلاته خطيرة جداً، حيث يشجع بعض المجموعات للاتجاه نحو التسلح كما حدث في سوريا وليبيا". وأضاف، "معروف تاريخياً أن السودانيين إذا جلسوا للصلح، على الرغم من حدة طبعهم، فإنهم سيصلون في النهاية إلى اتفاق. ومتوقع أن يكون هناك حوار مباشر وغير مباشر للوصول إلى نقطة التقاء من خلال تقديم تنازلات من كل الأطراف حقناً للدماء، لكن لا بد أن يأخذ القانون مجراه في القضايا الجنائية".

حراك مستمر

ووضعت التظاهرات المتواصلة، التي بلغ عددها 18 تظاهرة حتى الآن، راح ضحيتها 79 قتيلاً بحسب لجنة أطباء السودان المركزية، الشارع السوداني وقواه السياسية والعسكرية، أمام اختبار صعب في كيفية الخروج من الأزمة التي تتعقد يوماً بعد يوم في ظل اتساع دائرة العنف من قبل الأجهزة الأمنية لقمع هذه التظاهرات باستخدام الرصاص الحي والمطاط، وقنابل الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية من ناحية، واتساع شقة الخلاف بين المكونَين المدني والعسكري في التعاطي مع هذه الأزمة من ناحية أخرى. وعلى الرغم من طرح المجتمع الدولي ممثلاً ببعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، مبادرةً أطلقها رئيس البعثة، فولكر بيرتس، فضلاً عن المبادرات الوطنية التي تقودها شخصيات سودانية مؤثرة في المجتمع، إلا أن هذه المبادرات مجتمعةً لم تحرز التقدم الملحوظ باتجاه حلول ناجعة، فما زال الانسداد السياسي مسيطراً على المشهد العام.

وشهدت مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان) الأسبوع الماضي، تصعيداً ثورياً وفاءً للضحايا الذين سقطوا خلال الأشهر الثلاثة  الماضية، حيث نفذت تنسيقيات لجان المقاومة في الخرطوم برنامجاً تصعيدياً تضمن إقفال الطرق ووقفات احتجاجية وإلقاء خطابات وتسيير مواكب للتنسيقيات، واختُتم البرنامج الأحد الماضي، بتظاهرة 30 يناير.
وما زالت فرص الحوار بين الفرقاء السودانيين لإنهاء أزمتهم السياسية، ضئيلة، بينما تتواصل عمليات العنف ضد المتظاهرين الذين يخرجون دورياً إلى شوارع العاصمة مستهدِفين محاصرة القصر الرئاسي احتجاجاً على إعلان حالة الطوارئ في البلاد في 25 أكتوبر الماضي.

المزيد من العالم العربي