Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عام على الانقلاب في ميانمار... عنف يتأجج ومأساة إنسانية تتجدد

جو بايدن وإدارته حذرا الشركات الدولية من القيام بأي أعمال تجارية كجزء من العقوبات

أخبار عن تسجيل عمليات تزوير في الانتخابات كانت الشرارة الأولى للانقلاب العسكري في ميانمار (أ ف ب)

في الأول من فبراير (شباط) العام الماضي، أقدم الجيش في ميانمار على تحرك عسكري أطاح بالحكومة المنتخبة، وفرض قبضته على أنحاء البلاد مما تسبب بأزمة كبيرة في ميانمار، امتدت إلى المجتمع الدولي. وعلى الرغم من مرور عام على الانقلاب في ميانمار، ما زال الوضع متأزماً والتظاهرات مستمرة، ولم تنجح المبادرات المطروحة ومحاولات رابطة "آسيان" حتى الآن في إحلال طريق سلمي بالبلاد.

الأزمة دقت ناقوس الخطر، ووقع نصف سكان ميانمار تحت خط الفقر هذا العام نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع أسعار الأغذية، مما ضاعف الوضع المتأزم داخل ميانمار.

ما قبل الانقلاب 

عقب إجراء الانتخابات العامة في البلاد في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي وفوز حزب الزعيمة أونغ سان سو تشي، ظهرت مزاعم بتزوير الانتخابات، وكانت هذه المزاعم الشرارة الأولى للانقلاب العسكري.

وفي أول فبراير من العام الماضي أعلن القائد العام للجيش حال الطوارئ لمدة عام في البلاد، واعتقلت قوات الجيش مستشارة البلاد أونغ سان سو تشي وعدداً من المسؤولين، كما أعلن الجيش تشكيل مفوضية انتخابات الاتحاد لعقد انتخابات برلمانية في نوفمبر (تشرين الثاني) مع انتقال السلطات الحاكمة في الوقت الحالي للقائد الأعلى للجيش الجنرال مين أونغ هلاينغ.

وكانت ميانمار تنفست الصعداء من حقبة انقلابات بالوصول إلى ما دون الحكم الديمقراطي للمرة الأولى، فلدى الجيش باع طويل في الحكم بميانمار، إذ استحوذ على السلطة 50 عاماً بعد انقلاب عام 1962.

وفي عام 1990 تجاهل الجيش نتائج الانتخابات وكانت سو تشي وقتها تحت الإقامة الجبرية في منزلها منذ العام 1989، ولم تخرج إلا في عام 1995.

ومع وضع الدستور الجديد في ميانمار العام 2008، أصبح للجيش دور دائم في النظام الحاكم بالمشاركة في الحكم في الحكومة المدنية، إذ ضمن الدستور 25 في المئة من المقاعد البرلمانية للجيش، إضافة إلى السيطرة على ثلث الوزارات في حكومة أونغ سان سو تشي، فيما تعرض الجيش في ميانمار لاتهامات عدة من منظمات مدنية ومسؤولي حقوق الإنسان لقيادة حملة منظمة ضد الروهينغا المسلمين في إقليم راخين، مما قادهم للجوء إلى بنغلاديش.

ويبلغ القائد العام للجيش مين أونغ هلاينغ 65 عاماً وقد درس القانون في جامعة يانغون بميانمار، ويذكر تقرير لوكالة "رويترز" نقلاً عن أحد معارفه أن الرجل قليل الكلام وعادة ما يكون بعيداً من الأنظار، وحاز الجنرال رئاسة الجيش في الفترة الانتقالية عام 2011. 

وتشير التقديرات إلى أن الانقلاب العسكري تسبب في مقتل ما يصل إلى 1400 شخص منذ فبراير الماضي، إلى جانب اعتقال مئات المعارضين وفرار كثير من المواطنين إلى البلدان المجاورة مثل تايلاند وماليزيا والهند.

محاكمة أونج سان سو تشي

ووقف الجيش الميانماري للزعيمة أونغ سان سو تشي بالمرصاد، بل وألقى القبض عليها في أعقاب الانقلاب. ووجهت الحكومة العسكرية في الثالث من فبراير الماضي تهماً جنائية للزعيمة سو تشي لمخالفات تتعلق بقوانين الاستيراد والتصدير، وفقاً لما جاء في وثائق الشرطة، إذ اتهمتها بحيازة أجهزة ومعدات اتصالات بشكل غير قانوني، إلى جانب تهم أخرى متعلقة بانتهاك قواعد فيروس "كوفيد-19".

وبعد سلسلة من المحاكمات أقرت المحكمة في ميانمار في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بالسجن سنتين للزعيمة الميانمارية في قضية تعدي قوانين فيروس "كوفيد-19"، ولا زالت المحاكمات مستمرة لعدد من التهم الأخرى، فيما يتعرض أعضاء من حزبها للتحقيق من قبل لجنة الانتخابات، بينما خرج وزير الإعلام في ميانمار عقب المحاكمة ليقول إن الحكم على سو تشي يُظهر أنه لا أحد فوق القانون، وإن النظام القضائي في البلاد لا يوجد به أي تحيز.

وتعد أونغ سان سو تشي، التي تبلغ من العمر 76 عاماً، رمزاً في بلادها للنضال والوطنية من أجل الوصول إلى الديمقراطية، بعد أن كانت تحت الإقامة الجبرية في منزلها لحوالى 15 سنة بين عامي 1989 و2010، وأطلق سراحها داعية إلى انتخابات حرة وانتقال سلمي ديمقراطي لسلطة مدنية تحكم البلاد.

وحازت بنضالها وعملها السياسي جائزة نوبل للسلام عام 1991 باعتبارها "مثالاً رائعاً لقوة من لا قوة لهم"، بحسب توصيف نوبل. واستطاعت بشعبيتها الطاغية قيادة حزبها، "الرابطة الوطنية لأجل الديمقراطية"، بفوز ساحق في أول انتخابات بميانمار عام 2015. وعلى الرغم من الشعبية الطاغية، تعرضت سو تشي لانتقادات واسعة من المجتمع الدولي على تراخيها في التعامل مع الجيش الذي تورط في عدد من العمليات ضد أقلية الروهينغا بالبلاد.

ميانمار والمجتمع الدولي

ومع اندلاع الانقلاب أعلنت الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية على لسان قادتها رفضها التحرك العسكري، فيما فرضت الدول الغربية العديد من العقوبات على النظام الحاكم في ميانمار، وأقدمت على تجميد المساعدات للبلاد. وتؤكد الولايات المتحدة باستمرار في رسائلها خلال الزيارات للمنطقة رفضها للوضع القائم في ميانمار، ودعوتها للعودة إلى المسار الديمقراطي والإفراج عن الزعيمة السابقة للبلاد أونغ سان سو تشي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان جو بايدن وإدارته حذرا الشركات الدولية من القيام بأي أعمال تجارية في ميانمار، كجزء من العقوبات التي فرضتها على الحكم العسكري هناك، وانتهاكات حقوق الإنسان التي أقدم عليها النظام الحاكم. فيما استجابت العديد من الشركات العالمية وأوقفت عملياتها في ميانمار اعتراضاً على ما يرتكبه نظام الجيش الميانماري، مما تسبب في تفاقم البطالة وخسائر اقتصادية.

الصين التزمت نهجاً أكثر مرونة في التعامل مع حكم العسكر في ميانمار، وعينت مبعوثاً صينياً لميانمار ضمن جهودها في حل الأزمة السياسية في نايبيداو في نوفمبر الماضي، كما حثت بكين ميانمار على تنفيذ خطة سلام. وأعلنت بكين عزمها تحويل ستة ملايين دولار للحكومة في ميانمار لتمويل 21 مشروعاً مخالفة بذلك الدول الغربية، التي أجمعت على عزل النظام الحاكم وعدم الاعتراف به دولياً.

وتشير تقارير إلى توطيد العلاقات بين الجانب الميانماري والروسي في الوقت الحالي، خصوصاً مع رفض النظم الغربية التعامل مع النظام الحاكم في البلاد.

وتربط الصين وميانمار حدود برية ممتدة، وتخشى الصين تدفق اللاجئين الميانماريين هرباً من الوضع المتردي والصراع الدموي في البلاد.

وفي أعقاب الانقلاب وردت تقارير عن عبور عدد من اللاجئين بشكل غير قانوني إلى رويلي، المدينة الصينية المتاخمة لميانمار، وفي أبريل الماضي ارتفعت حالات الإصابة بفيروس "كوفيد-19" في مدينة صينية متاخمة لميانمار نتيجة تزايد عدد اللاجئين غير الشرعيين إليها، مما استدعى صرامة من الجانب الصيني لإحكام السيطرة على الحدود.

محاولات "آسيان" 

ولم تأبه القيادة العسكرية بالتنديدات الدولية المتكررة للوضع في ميانمار، ولم تفلح الدعوات المتكررة من المجتمع الدولي في تهدئة الأوضاع، فيما أعلن الجيش الحاكم عزمه إجراء انتخابات في أغسطس (آب) عام 2023 بالالتزام بالخطة التي وضعتها الحكومة العسكرية، ورفض أي ضغوط من الخارج.

وبينما كانت "آسيان" العام الماضي في اختبار صعب حول إمكان الإقدام على خطوات جدية ضد الانقلاب العسكري الذي حدث في ميانمار، لم تكن التوقعات متفائلة خصوصاً مع عدم التزام الرابطة بالتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للأعضاء.

وتوصل قادة دول "آسيان" خلال قمة القادة في أبريل الماضي إلى توافق حول نقاط خمس لحل الأزمة في ميانمار، واتفقوا على ضرورة الوقف الفوري للعنف وممارسة أقصى درجات ضبط النفس من قبل جميع الأطراف هناك، والبدء في حوار بناء للبحث عن حل سلمي لمصلحة الشعب، وأن يقوم مبعوث خاص من رئيس "آسيان" بالعمل على تسهيل الوساطة في عملية الحوار بمساعدة الأمين العام للرابطة، مع تقديم "آسيان" المساعدة الإنسانية العاجلة، وزيارة المبعوث الخاص والوفد لميانمار للقاء جميع الأطراف المعنية. 

وأكد البيان أهمية جهود ميانمار المستمرة في معالجة الوضع في ولاية راخين، بما في ذلك البدء في عملية العودة للوطن بطريقة طوعية وآمنة وكريمة، وفقاً للاتفاق الثنائي مع بنغلاديش.

وشهدت قمة القادة التي عقدت في أبريل حضور الجنرال أونغ مين أوانغ هيلانغ للمرة الأولى، فيما انتقدت المعارضة في ميانمار وحكومة الظل حضور الحاكم العسكري.

ولم تشهد مبادرة "آسيان" تطبيقاً على أرض الواقع فظلت حبراً على ورق، مما تسبب في استياء عدد من أعضاء "آسيان" الذين رفضوا حضور الجنرال أونغ مين أوانغ هيلانغ لقمم الرابطة. وبالفعل رفضت "آسيان" دعوة الجنرال لقمتيها الـ 38 والـ 39 في العام الماضي، وطلبت حضور ممثل غير سياسي لميانمار في قمة الرابطة، وهو ما دعا يانغون إلى الغياب عن قمم "آسيان" وكذلك قمة "آسيان- الصين" التي احتفلت العام الماضي بتأسيس 30 عاماً من العلاقات بين الرابطة وبكين.

كمبوديا حل أم مشكلة؟ 

ومع تسلم كمبوديا قيادة رابطة "آسيان" من سلطنة بروناي، ظهر تغيير نهج التعامل مع الأزمة في ميانمار، تجلى في تصريحات رئيس الوزراء الكمبودي الذي أكد نيته الانخراط بشكل أكبر في حل الأزمة ومساعدة الشعب في ميانمار، كما استهل هون سين قيادة بلاده للتكتل الإقليمي رابطة "آسيان" بزيارة إلى ميانمار، التقى فيها قائد الجيش مين أونغ هيلانغ، ليعتبر أول زعيم أجنبي يزور البلاد منذ الانقلاب العسكري في فبراير الماضي. 

وتسبب التحرك الكمبودي في انقسام الرابطة الآسيوية، إذ وصف وزير الخارجية الماليزي صفي الدين عبدالله هذه الزيارة بأنها توريط لـ "آسيان" في الاعتراف بالجنرال على أنه حاكم شرعي للبلاد، بحسب وصفه.

ورداً على تصريحات الوزير الماليزي وصف رئيس الوزراء الكمبودي وزير الخارجية الماليزي بأنه فاقد للاحترام ومتعجرف، كما أكد هون سين على دعوته القائد العسكري مين أونغ هيلانغ لحضور قمة رابطة "آسيان" في حال تحقيقه تقدماً لخطة السلام التي وضعت العام الماضي، وهو الأمر الذي تتحفظ عليه عدد من دول الرابطة، أهمها ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير