Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استقبال فاتر للعودة الجريئة لـ"الجنس والمدينة" و"ذا ميتريكس"

ربما لم يخطر الأمر ببالكم سابقاً، لكن هناك أوجه تشابه غريبة بين العملين، كإحيائهما في التوقيت نفسه وفتور الجماهير التي خاب ظنها. لكن إذا باتت ثقافة إعادة إحياء الأعمال الشهيرة عادتنا الجديدة، فلماذا لا نشيد أكثر بجرأة النسخ الجديدة وطموحاتها؟

قالت المخرجة لانا واتشوسكي إن ميتريكس 4 وسيلة لختم الحداد على والديها، لكن يبدو أيضاً أنها تستعيد حق ملكية سلسلتها (رويترز)

هناك شيء مرعب متعلق بالنسختين الجديدتين من فيلم "ذا ميتريكس" The Matrix ومسلسل "الجنس والمدينة" Sex and the City. هناك تشابه بينهما تماماً مثل العملين الأصليين اللذين أثّرا في الثقافة الشعبية لكنهما أيضاً كئيبان بعض الشيء ويبعثان على الإحباط، ومصاغان بطريقة معقدة. من الناحية البصرية، هما مضادان لأسلافهما - إذ إن فيلم "ذا ميتريكس 4: الانبعاث" The Matrix Resurrections  كان أكثر إشراقاً وتفاؤلاً من الأجزاء الثلاثة السابقة، بينما بهتت الألوان في مسلسل "هكذا ببساطة" Just Like That . الماضي الأكثر جاذبية يلاحق بلا كلل الشخصيات الرئيسة التي تشرع في التأمل فيه بمزيج من الندم والاشتياق. وقوبل كلا العملين بامتعاض جماهيري.

من المنطقي أن عودة "ذا ميتريكس" التي أثبتت أنها مثيرة للانقسام تزامنت مع عودة "الجنس والمدينة". على الرغم من أنه نادراً ما يخطر بالبال الجمع بين العملين في عالم واحد، ناهيك بالجملة نفسها، لطالما كانت هناك أوجه تشابه غريبة بينهما. فقد كان الفارق بين إصدارهما لأول مرة في التسعينيات هو عشرة أشهر، وكلاهما يدور حول شخصيتين جميلتين تعيشان أحلام اليقظة - شخصية "نيو" التي يلعبها الممثل كيانو ريفز، و"كاري" التي جسدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر- وغالباً ما رأينا هذين البطلين ينقران بصورة محمومة على لوحة المفاتيح في أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهما. تعيش كلتا الشخصيتين في مدن متخيلة، سواء كانت مدينة نيويورك الساحرة ولكن ميسورة التكلفة الموجودة فقط في السيناريو الحالم، أو مدينة غير معروفة تبدو مثالية وعملية للغاية لدرجة أنها لا يمكن أن تكون حقيقية.

عندما كان المشروعان في ذروة نجاحهما هيمنا بصورة متبادلة على الموضة، في حين لا يمكننا تصور المشهد السينمائي أو الدرامي التلفزيوني اليوم من دون تأثيرهما. حتى إنه تم الدمج بينهما ذات مرة في فقرة منسية منذ فترة طويلة قُدمت ضمن حفل توزيع جوائز "أم تي في" السينمائية، إذ تذهب كاري في موعد غرامي مع نيو (الذي جسده بطريقة مضحكة الممثل جيمي فالون). تقول كاري لصديقاتها في السكتش "وافقت على مرافقته إلى نادٍ يسمى ذا ميتريكس... لكننا ذهبنا قبل ذلك إلى منزله لتناول كأس من النبيذ".

على كل حال، كان العملان أشد تشابهاً من ناحية الجدل الذي أثاراه. لطالما وظفت القوى الشريرة فيلم "ذا ميتريكس" لصالحها - إذ تبنى اليمين المتطرف بشكل سيئ "الحبة الحمراء" التي تمكّن البطل "نيو" من معرفة حقيقة الواقع - أو ألقيت لائمة أعمال العنف في العالم الحقيقي على الفيلم. في هذه الأثناء، أثار مسلسل "الجنس والمدينة" انتقادات من جميع الجهات لتصويره –أو قلة تصويره- الميول الجنسية أو المال أو العرق أو الطبقة الاجتماعية. تصطدم النسختان الحديثتان من العملين مع هذا الإرث بطرق مختلفة، تحتفيان بالحكايتين الأصليتين وتنأيان بنفسيهما عنهما في آن معاً. يصور "هكذا ببساطة" شخصياته على أنها بعيدة كل البعد عن الواقع، بينما يرسم "ذا ميتريكس 4: الانبعاث" نسبة لا بأس بها من جمهور سلسلة الأفلام على أنها شخصيات مُضلَّلة غريبة الأطوار.

ربما نتيجة لذلك، كان هناك إجماع على عدم الترحيب بإعادة إحياء القصتين. حتى لو تجاهلنا حقيقة أن فيلم "سبايدرمان: لا عودة إلى الديار" Spider-Man: No Way Home استحوذ على شباك التذاكر خلال الشهر الماضي، فإن "ذا ميتريكس 4: الانبعاث" كان خيبة أمل مالية، إذ حقق حتى الآن 100 مليون دولار فقط (ما يعادل 73 مليون جنيه استرليني) في حين أن ميزانيته تساوي ضعف هذا المبلغ تقريباً. لقد أحبه النقاد إلى حد كبير، لكن حتى الجماهير التي استُطلعت آراؤها بعد مشاهدته في الولايات المتحدة أعطت العمل ككل تقييماً ضعيفاً هو (- ب)، كان الأسوأ في تاريخ السلسلة حتى الآن. كما أن "هكذا ببساطة" قوبل بتقييمات فاترة من قبل معظم النقاد (إن لم يكن الأمر كذلك، في الأقل من قبلي أنا ضمن مراجعتي في ذي اندبندنت)، وكان الانقسام بين معجبيه يزداد مع عرض المزيد من حلقاته.

ردود الفعل في الحالتين منطقية. يفتقد "ذا ميتريكس 4" إلى كثير من مشاهد الأكشن التي كانت من المعالم المميزة للأجزاء السابقة، ويبلغ طموحه في بعض الأحيان حد ارتكاب الأخطاء. كما أن "هكذا ببساطة" هو عمل متشائم بشدة - فقد بدأ بموت شخصية رئيسة، ومنذ ذلك الحين يتمحور العمل حول قصص الحزن والشيخوخة وإدمان الكحول والاكتئاب. إذ نجد بالكاد العناصر الرائعة المميزة للمسلسل الأصلي، من الأحذية والجنس إلى التلاعب بالكلمات وحفلات تناول الشراب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على كل حال، هناك جانب مثير للإعجاب في عدم اهتمام العملين الشديد بتكرار الماضي، وعدد المرات التي تميل فيها المعالجتان الأخيرتان إلى الماضي المخرب بشكل غامض. يبدأ فيلم "ذا ميتريكس 4: الانبعاث" بنكتة متقنة، يمكننا القول إنها مصممة تقريباً لإثارة المعجبين. "أنا متأكد من أنك تستطيع فهم سبب قرار شركتنا الأم المحبوبة، وورنر بروس إنتاج جزء تتمة للثلاثية"، يوضح العميل الشائن سميث الذي يؤديه الممثل جوناثان غروف بينما يقوم عملياً بإجبار مصمم ألعاب فيديو المكتئب على إعادة صياغة ماضيه الإبداعي.

في فيلم الانبعاث، تقوم الأنا البديلة للبطل "نيو" المعروفة باسم "توماس أندرسون" بصنع ثلاثية من ألعاب الفيديو التي تعد علامة مميزة لنوع الألعاب تلك وتحمل اسم "ذا ميتريكس". يحب تلك الألعاب أشخاص مهووسون لا يفهمون ماهيتها حقاً، بينما تحرص كيانات الشركات على استنزافها لتحقيق المزيد من الأرباح. قيل لأندرسون إنه يمكن أن يكون الشخص الذي يقود إعادة إحياء اللعبة، لكن رفضه لن يقف في طريق القيام بذلك على أي حال. في النهاية أمامه خياران: إما القيام بإعادة إطلاق اللعبة أو السماح للآخرين بتولي المهمة نيابة عنه.

عند هذه النقطة، يصبح فيلم "الانبعاث" أكثر تعقيداً، إذ يقنعنا بإجراء المزيد من عمليات المحاكاة للواقع، ونرى يوتوبيا صوفية في قاعدة الكون والممثلة جادا بينكيت سميث شائخة بفضل حيل المكياج. لكن المشاهد الأولى في الفيلم تبدو متضاربة، وهو اعتراف كامل بأنه لم تكن هناك ضرورة أبداً لصناعة هذا العمل. وإذا كان لا بد من صناعته، فسيتم تنفيذه بأكثر الطرق المحيرة وغير المحتملة التي يمكن تخيلها. تحدثت المخرجة لانا واتشوسكي عن استخدامها الفيلم وسيلة لتخليص نفسها من حزن فقدان والديها، لكن يبدو أيضاً أن المخرجة تستعيد حق ملكية سلسلتها. ففي نهاية المطاف، لقد ظل اسم "ذا ميتريكس" حاضراً لفترة طويلة، وينتشر ويتحول إلى تفاهة لا يمكن التعرف عليها من خلال مواقع الكراهية مثل 4Chan  والجدل الفارغ بين إيلون ماسك وإيفانكا ترمب. ثم تأتي واتشوسكي مرة أخرى وتشمر عن ساعديها وتقول فعلياً "لن يحدث هذا على مرأى مني".

كما أن مسلسل "هكذا ببساطة" رفض إعطاءنا ما نريد. ربما كانت الدلالة موجودة دائماً في العنوان -إذ لم يُطلق على المسلسل اسم "الجنس والمدينة" لسبب معين- لكن الأمر ما زال محيراً إلى حد ما. لقد فتر حماسي للعمل بعد أول حلقتين، لكن السبب يرجع في ذلك فقط إلى أن بضعة محاور من قصته بدت مبعثرة ومتخبطة، وليس لأنه لا يشبه "الجنس والمدينة". بدلاً من ذلك، تبين أنه تحفة مقنعة إن لم يكن نجاحاً تاماً، وعرضاً يقوم في الأقل بتبني خيارات جريئة للغاية.

لنأخذ مثلاً شخصية سامانثا التي تلعبها كيم كاترال. تم حذف الشخصية من العمل عندما رفضت كاترال المشاركة مجدداً فيه، كان من الممكن عدم التطرق إلى ذكر سامانثا بمجرد إخبارنا بما حدث لها -إذ إنها اختلفت مع كاري وهربت إلى لندن- ومع ذلك فهي لا تزال داخلة ضمن نسيج المسلسل. لا تتم الإشارة إليها بالاسم في بضع حلقات، حتى إنها تظهر عبر رسالة نصية تتذكر فيها بحزن مع كاري تجربة صحية نسائية تشاركتها الصديقتان في الماضي. لقد أعاد ذلك إلى الأذهان الفيلم الميلودرامي المخيف "المتسوق الشخصي" Personal Shopper  للمخرج أوليفييه أساياس، الذي تقوم فيه الممثلة كريستين ستيوارت بتبادل رسائل نصية مطولة مع توأمها المتوفى الذي يبدو أنه يرسل إليها الرسائل النصية من العالم الآخر.

من خلال تحويل شخصية سامانثا إلى ما يشبه الشبح الغريب الذي يطارد كاري في أحلامها، يقوم مسلسل "وهكذا ببساطة" بشيء لم يكن بحاجة إلى القيام به. ليس الغرض من هذا التعامل مع غياب الشخصية باستسهال ولا التخفيف من وطأة الحزن الذي استمر لفترة طويلة بعد إنهاء علاقة صداقة مهمة. بدلاً من ذلك، إنه يضع نفسه في موقف شائك تنتفي فيه الإجابات السهلة، حتى إنه يثير فكرة لم شمل بين الصديقتين نحن نعلم ربما أنه لن يحدث أبداً - إذا أخذنا في الاعتبار ازدراء كاترال الواضح باركر في الحياة الواقعية.

كان ينبغي أن يحصل كل من "ذا ميتريكس 4: الانبعاث" و"هكذا ببساطة" على الثناء، لأنهما تبنيا تلك الدرجة من الصعوبة في سرد الحكاية. إن عدم حصولهما على التقدير -من قبل النقاد أو المشاهدين أو الجماهير الناقدة- يبعث على الاكتئاب. إذا كانت ثقافة إعادة إحياء الأعمال هي أمر طبيعي جديد في هوليوود، فينبغي في الأقل أن تحاول الصياغات الجديدة وتسعى إلى طرح شيء مختلف ضمن الحدود التي قُدمت بها في السابق. لن ينجح الأمر دائماً، لكن النسخة الجديدة ستكون متميزة في الأقل. وإذا كان لا بد من الاختيار بين معالجة جديدة صعبة وغير مألوفة وأخرى تكون عبارة عن تكرار لكل العناصر التي أحببناها قبل عقدين من الزمن، فالإجابة تبدو سهلة جداً.

© The Independent

المزيد من سينما