Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من غرائب تاريخ النفط

من "بفيرلي هيل هيلبيليز" إلى حاسي مسعود في الجزائر إلى شركة "شل" مروراً بقناة السويس

اجتمعت "الصُدفة" مع "الصَدَفَة" في تاريخ النفط (أ ب)

المسلسل التلفزيوني الفكاهي الأميركي، "بفيرلي هيل هيلبيليز"، الذي يمكن ترجمته إلى "متخلفو بفيرلي هيلز"، يتحدث عن أسرة أميركية فقيرة تعيش في مزرعة وجد النفط تحتها. اكتشف النفط عندما صوب صاحب المزرعة، جيد كلامبنت، بندقيته تجاه أرنب، فأخطأه وضرب الأرض، فخرج النفط. بعدها، أصبحت الأسرة غنية جداً، وانتقلت للعيش في بيفرلي هيلز في كاليفورنيا بين الأثرياء. وهناك، تحصل الآلاف من القصص الطريفة، التي تم بثها على مدى أكثر من 10 سنوات في الستينيات من القرن الماضي.

قد تبدو هذه القصة اختراعاً هوليوودياً، ولكن تاريخ النفط مليء بهذه الصدف المثيرة. تم تأسيس شركة النفط الهولندية "رويال دتش" بعد اكتشاف النفط في شمال جزيرة سومطرة. ولكن، كيف تم اكتشافه؟ مزارع تبغ هولندي كان يحرث الأرض (الجزيرة كانت مستعمرة هولندية/ بريطانية)، فاصطدم المحراث بحجر، وعندما أزال الحجر، خرج النفط، ثم تحول المكان إلى سبخة مليئة بالنفط!

بدأ مقال اليوم بهذه القصة، وسينتهي بها أيضاً.

حتى شركة "شل" دخلت عالم النفط بالصدفة. فقد كان مؤسسها، سامويل ماركوس، وهو بريطاني من أصل يهودي عراقي، تاجراً في دول عدة في شرق آسيا، وكون علاقات قوية، خصوصاً في اليابان، بعد أن ورث عن أبيه شركة لاستيراد الأصداف وتصديرها (كانت الأصداف تستخدم بشكل كبير في الديكور والتزيين). ومن هناك، جاء اسم شركة "شل" التي تعني "صَدفة"، وشعارها الذي ما زال حتى اليوم على شكل صَدفة. ومنها جاءت أسماء ناقلات النفط التي تملكها الشركة، وهي أسماء أنواع مختلفة من الأصداف. باختصار، اجتمعت "الصُدفة" مع "الصَدَفَة"!

ودخلت عائلة روثتشايلد اليهودية المعروفة صناعة النفط بالصدفة أيضاً. فهذه العائلة معروفة في عالم المال والبنوك، ولكنها دخلت عالم النفط عندما أفلست شركة سكة حديد تصل حقول نفط باكو بميناء باتومي في جورجيا على البحر الأسود. وكانت العائلة قد مولتها، فآلت ملكية سكة الحديد والقطارات إلى العائلة. وأيقنت العائلة أن مصير الشركة مرتبط بتصدير النفط من باكو (عاصمة أذربيجان الآن) إلى دول أخرى من طريق تصدير النفط بالقطار إلى البحر السود، ومنه إلى أوروبا في علب صفيح محملة بالسفن. وبسبب المنافسة الشديدة وقتها، أيقنت أنه لا بد من تصدير النفط إلى شرق آسيا، فتوصلت إلى سامويل ماركوس، الذي حول شركة "شل" من شركة تجارة عامة إلى شركة لنقل النفط، ثم شركة لإنتاجه، ثم اشترى حصة عائلة روثتشايلد!

حتى اكتشاف أكبر الحقول في إيران والسعودية وعمان، حصل في اللحظة الأخيرة عندما قررت الشركات الانسحاب بعد حفر آبار جافة عدة، أو حتى بعد صدور قرار الانسحاب. وكان رقم الحظ دائماً 7!

في الجزائر، تم اكتشاف النفط في حاسي مسعود في الصحراء من طريق الصدفة أيضاً. فقد قام مسعود بحفر بئر في الرمال لتجميع الماء لسقي عائلته وأغنامه، فكانت الرائحة نتنة، والسائل أسود. وبدأت الإشاعات تدور بين القبائل حول الجن وغيرها بخصوص بئر مسعود، وطلبت منه قبيلته ترك المكان والانتقال إلى مكان آخر. علم الفرنسيون بالأمر، وكان لهم معرفة بالنفط وأهميته، فأخلوا الناس من المنطقة، وسيطروا عليها، ثم طوروها لاحقاً. إلا أن المنطقة راحت تنتج النفط حتى الآن، وبقي الاسم أيضاً، حاسي مسعود.

مؤامرة شركة "شل" على قناة السويس

من أغرب وأعجب القصص في تاريخ النفط، قصة السماح لناقلات النفط بالعبور في قناة السويس. فقد قامت عائلة نوبل السويدية التي سيطرت على جزء كبير من إنتاج النفط في باكو وجمعت ثروة مالية ضخمة، ببناء ناقلة النفط الأولى في العالم التي نُقل عبرها الكيروسين من ميناء باتومي على البحر الأسود إلى لندن عبر نهر التايمز. هذه التجربة سببت هلعاً في لندن لأن الناقلة محملة بالكيروسين، وهو مادة سريعة الاشتعال. وتسبب الهلع بانتشار إشاعات بأن انفجار الناقلة في النهر سيدمر كل المنازل في المنطقة. وما زاد الطين بلة أن طريقة بناء الناقلة لم تكن سليمة، فإذا مالت على جنب، مالت كل الحمولة معها، مما زاد الهلع.

وكانت قناة السويس ملكية خاصة لأوروبيين، بما في ذلك الحكومة البريطانية. انتقل هذا الهلع الذي سببته ناقلة نفط عائلة نوبل إلى مجلس إدارة القناة المفتتحة حديثاً، فأصدروا قراراً بمنع عبور حاملات النفط فيها.

وجود هذا القرار يعني عدم قدرة عائلة روثتشايلد وسامويل ماركوس على تسويق النفط في آسيا. فالطريقة الوحيدة للمنافسة في آسيا هي استخدام الطريق القصير عبر قناة السويس.

بتخطيط محكم، أو بمؤامرة إن شئت، تمكنت شركة "شل" من تمرير ناقلات النفط في قناة السويس... ناقلات "شل" فحسب... ومنعت ناقلات النفط الأخرى!

كيف تم ذلك؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أيقن ماركوس أن تسويق النفط في آسيا يتطلب تكاليف نقل منخفضة. لهذا فإن نقل النفط بعلب الصفيح كما كان يحصل في ذلك الوقت لن يحل المشكلة، وأن الحل في بناء خزانات ضخمة، تماماً كما هي الحال في حاملة النفط التي بنتها عائلة نوبل. ولكن، تفادياً للمخاطر يجب بناء ناقلة نفط آمنة. فتعاونت شركة "شل" مع شركة لبناء السفن ببناء ناقلة نفط ليس لها مثيل في العالم، وتتمتع بأحدث أنواع التقنية وقتها وبأعلى مواصفات السلامة. 

بعدها، قدم طلباً لقناة السويس للسماح للسفينة بالعبور، فرفضت القناة. حتى عندما شرح لهم كل مواصفات الأمن والسلامة، رفضت إدارة القناة السماح للسفينة بالعبور.

لنتذكر الآن، "شل" هي الشركة المسوقة لنفط عائلة روثتشايلد. عائلة روثتشابلد هي التي مولت الحكومة البريطانية لشراء حصة في القناة، ومن ثم فإنها ممثلة في مجلس إدارة القناة. ضغطت العائلة، بناء على طلب من سامويل ماركوس، على الحكومة البريطانية للضغط على مجلس إدارة القناة للسماح للناقلة بالعبور.

وافق مجلس إدارة القناة بشرط أن توافق شركة "لويد" للتأمين على مرور السفينة، وأن تقترح عليها مواصفات لحاملات النفط. وافقت شركة "لويد"، وقدمت مقترحات بالمواصفات. أعلن مجلس قناة السويس عن مواصفات ناقلات النفط التي سيسمح لها بعبور القناة. المواصفات مأخوذة حرفياً من كتيب مواصفات السفينة التي بنتها "شل"!

كيف تم ذلك؟

رئيس شركة بناء السفن التي بنت حاملة النفط لشركة "شل" عضو مجلس إدارة شركة "لويد" للتأمين، هو الذي وافق، وهو الذي سرب المواصفات إلى مجلس إدارة قناة السويس.

على إثر ذلك، وقعت شركة "شل" عقوداً ضخمة مع شركة بناء السفن لبناء مزيد من حاملات النفط، التي عبرت قناة السويس إلى شرق آسيا. ولسوء حظ ماركوس وعائلة روثتشايلد... مجرد وصول هذه السفن لآسيا، تم اكتشاف النفط في شمال سومطرة! لهذا، كان اندماج "شل" مع "رويال دتش" طبيعياً... أو مجرد صدفة أخرى إن شئت. وسلامتكم!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء