Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"رعي الغنم" أسلوب استيطاني جديد للسيطرة على المراعي الفلسطينية

غانتس وبارليف يتفقان على وجود أكبر للشرطة في الضفة الغربية لمحاربة هجمات المستوطنين

المستوطنون يستهدفون المراعي الفلسطينية في الضفة الغربية للسيطرة عليها   (اندبندنت عربية)

استقبل الناس في معظم دول العالم رأس السنة الميلادية الجديدة 2022 بإطلاق وابل من المفرقعات النارية الآسرة في السماء، فيما قفز آخرون فرحاً بعودة الاحتفالات الجماعية التي افتقدها العالم بسبب جائحة كورونا، حيث تعد هذه الاحتفالات بالنسبة للكثيرين، من أكثر التجارب تألقاً على الإطلاق، لكن لم يكن هذا حال محمد الكعابنة (35) عاماً، حينما استقبل الدقائق الأولى من العام الجديد بعراكٍ دامٍ مع مجموعة من المستوطنين سممت له أكثر من 20 رأس غنم، وأتلفت محصوله الزراعي بالكامل لهذا العام.

استيطان رعوي

كعابنة الذي يسكن بيتاً من الصفيح في خربة محكول بالأغوار الشمالية، يعاني منذ سنوات مثل مئات المزارعين الفلسطينيين في غور الأردن، مضايقات يومية من قبل المستوطنين، حيث يسيطر بضعة منهم مع قطعان من الأغنام والأبقار على مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين المحيطة بتجمعاتهم السكانية، ويفرض المستوطنون طوقاً حول تلك التجمعات، عبر إنشاء كتل مُتراصّة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية ذات الطابع الرعوي، ليمنعوا بذلك 27 تجمعاً فلسطينياً إلى جانب عشرات التجمعات البدوية، تضم 65 ألف نسمة، من الدفاع عن محاصيلهم، أو استغلال أراضيهم التي سيطرت عليها إسرائيل عام 1967، والتي تقدر بـ720 مليون متر مربع (ربع مساحة الضفة الغربية)، بخاصة أن سكان التجمعات البدوية ورُعاة الأغنام في الأغوار يعتمدون بشكل شبه كلي في معيشتهم على الزراعة والثروة الحيوانية ومنتجات الألبان.

كعابنة الذي يعمل راعياً منذ 20 عاماً يتحدث لـ"اندبندنت عربية"، قائلاً "مساحات شاسعة من المراعي تم منعها عنّا للتضيق علينا تحت ذرائع متنوعة، بتسميات مختلفة منها، محميات طبيعية ومناطق تدريبات عسكرية، وأخرى مزروعة بالألغام، بالإضافة إلى فرض الاحتلال غرامات مالية باهظة بحق عدد كبير منّا بحجة رعي المواشي في مناطق ممنوعة، واليوم جاء المستوطنون بأبقارهم وأغنامهم ليُحكموا الخناق على ما تبقى لنا من مَراعٍ، سواء بالتهديد والملاحقة والاعتداء الجسدي، أو الاحتجاز بذرائع مختلفة، مروراً بمداهمة قطعاننا بجراراتهم الزراعية بهدف تشتيتها، وصولاً إلى دهسها أو وضع مواد سامة لها في الأراضي الرعوية، وهو ما أدّى إلى عزوف عدد كبير منّا عن المهن الزراعية والصناعات التقليدية، مثل تربية الأغنام، وزراعة المحاصيل الموسمية المختلفة، التي لطالما شكّلت لنا مصدراً للدخل وفرصة للبقاء".

عنف ممنهج

يقول متخصصون، إن "هذا النوع الجديد من الاستيطان ينتشر في الأغوار عموماً، والشمالية منها بشكل خاص، وانتقل إلى بعض القرى المحيطة بمدينة نابلس (شمال الضفة الغربية)، ومن خلاله يرعى مستوطنون فرادى وجماعات مواشيهم في أراضٍ لا تُلائم الزراعة، يضمونها لاحقاً لمستوطنة قائمة، أو يشيدون بؤرة جديدة فوقها، وهو ما جعله بشهادة مجالس المستوطنين أكثر جدوى، حيث يتم بسط سيطرة المستوطنين على مساحات واسعة من الأرض دون رادع، وبتكاليف أقل".

المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" (منظمة غير حكومية)، قال "إن إسرائيل تستخدم عنف المستوطنين "كأداة رئيسة غير رسمية لطرد الفلسطينيين من أراضيهم الزراعية والمراعي في الضفة الغربية، حيث استولى المستوطنون على مدى السنوات الخمس الماضية، على ما يقارب 30 كيلومتراً مربعاً (30 مليون متر مربع) من أراضي المزارع والمراعي في الضفة الغربية".

ووفقاً للمركز، تسمح السلطات الإسرائيلية للمستوطنين بالعيش في أرض تمت سرقتها ومصادرتها باستخدام العنف، وتسمح لهم كذلك بزراعة الأراضي وتربية الأغنام، وتقوم بحمايتهم، وتشق الطرق لهذه المستوطنات، وتربطها بالبنية التحتية للمستوطنات، إلى جانب الدعم الحكومي الذي تقدمه الوزارات الحكومية المختلفة للمشاريع الاقتصادية التي أقيمت فيها، وكل ذلك بحماية الجيش الذي يشارك المستوطنين في حالات كثيرة في الاعتداء على الفلسطينيين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غسان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية، يقول: "هذا الأسلوب الجديد يختلف عن أساليب الاستيطان الأخرى، الزراعية أو العمرانية، وغيرهما، بمحاكاة أسلوب الحياة الفلسطيني، باستخدام الثروة الحيوانية كوسيلة للسيطرة على الأرض، فهو يقوم على مبدأ التمدد على أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد من المستوطنين، ويمنع الفلسطينيين من رعيها أو الدخول إليها بادعاء أنها ملكيتهم الخاصة". يوضح، "التجمعات الفلسطينية التي تعتمد في معيشتها على الرعي تمنع في كثير من الأحيان من إيصال المياه لتجمعاتها، ومن تطوير أي بنية تحتية مهما كانت بسيطة، بل على العكس يتم التضييق عليهم أكثر، سواء في شراء الأعلاف أو التنقل في الأماكن المحيطة بتجمعاتهم، والمستوطن الراعي مدعوم من مجلس المستوطنات الإسرائيلية، الذي يوفر له الدعم والحماية، ويمدهم بالخراف والأبقار، وحتى بمولدات الكهرباء، والبيوت المتنقلة وكثير من الخدمات".

وتيرة متسارعة

تشير المعلومات الرسمية من هيئة الجدار والاستيطان (منظمة حكومية)، إلى أن "إسرائيل تحول 160 مليون متر مربع من أراضي الفلسطينيين الخاصة إلى منشآت زراعية استيطانية"، فيما أوضحت إحصاءات إسرائيلية أن "أعداد المستوطنين في الضفة الغربية تزايدت بنسبة 222 في المئة منذ عام 2000". ووفقاً لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فإن "عدد المستوطنين في الأغوار يقدر بنحو 6 آلاف مستوطن"، فيما تشير المصادر الفلسطينية إلى أن "عدد المستوطنين في الأغوار ارتفع خلال السنوات الأخيرة ليصل إلى 13 ألف مستوطن، يتوزعون على 38 مستوطنة وعشرات البؤر".

الناشط الحقوقي في الأغوار عارف دراغمة يقول في تصريح خاص، "خلال السنوات الأخيرة أقام المستوطنون أكثر من ثلاث بؤر استيطانية، وأحضروا المئات من الأبقار والأغنام، وبدأوا بالانتشار وإغلاق نحو 3 ملايين متر مربع في منطقة الأغوار الشمالية، حيث مُنع الفلسطينيون من حراثة الأراضي وزراعتها، ووصلت الاعتداءات إلى حد اعتقال رُعاة الأغنام ومصادرة قطيعهم، ونقله إلى حظائر خاصة داخل المستوطنات أو معسكرات الجيش، فيما تلجأ مجموعات أخرى من المستوطنين لرش المزروعات بالمبيدات الحشرية لقتل أكبر عدد من رؤوس الماشية، تماشياً مع الخطة الإسرائيلية الرامية لفصل شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية عن بعضها البعض، والمحافظة على تواصل ديموغرافي وجغرافي للمستوطنات".

يضيف دراغمة، "في الوقت الذي تلاحق فيه ما تسمى (سلطة حماية الطبيعة) الإسرائيلية، الفلسطينيين، وتمنعهم من الوصول إلى مناطق الرعي الوفيرة التي تتكاثر فيها الحشائش والأعشاب والمياه، بحجة حماية البيئة، تطلق العنان للمستوطنين ومواشيهم وأبقارهم باستباحة كل شيء فيما يبقى حراس المستوطنات المسلحون لحمايتهم. الاستيطان في الأغوار قضى على آمال الفلسطينييين في استعادة أراضيهم التي لم يتبقَّ منها سوى 18 في المئة".

تقرير لهيئة البث الإسرائيلية "كان 11" ذكر في وقت سابق، أن "وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، زئيف إلكين، يدفع باتجاه تمرير مخطط لمضاعفة عدد المستوطنين في غور الأردن في غضون أربع سنوات".

وصمة عار

وميض الأحداث المتسارع في الأغوار الفلسطينية، يُذكّر بما حدث في بورين، وبرقة، وكفر مالك، وبيتا، والمغير، والمفقرة (قرى فلسطينية في الضفة الغربية)، التي تشهد ارتفاعاً متصاعداً في هجمات المستوطنين. يقول مسؤولون أمنيون لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، إن "العام الماضي شهد تصاعداً حاداً في أعمال العنف من قبل المتطرفين اليهود بالضفة الغربية، حيث سجل جهاز الأمن العام (الشاباك) قرابة 400 اعتداء، مقارنة بـ272 حادثة عنف عام 2020".

وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، قال في وقت سابق من ديسمبر (كانون الأول) نهاية العام الماضي، إن عنف المستوطنين "وصمة على جبين إسرائيل"، في إشارة إلى الهجمات العنيفة التي ينفذها متطرفون إسرائيليون ضد الفلسطينيين. وأكد أن "كل من يهاجم الأبرياء مثير للشغب ومُجرم، وسيعامل على هذا النحو"، مضيفاً: "لن يكون هناك تسامح مع هذه المسألة".

وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فقد دعا وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قوات الجيش إلى التدخل الفوري في حالات عنف المستوطنين قائلاً، "هذه ظاهرة خطيرة من حيث الأخلاق والأمن، ولها تداعيات دبلوماسية".

ووفقاً للإحصاءات التي جمعتها منظمة "يش دين" الحقوقية الإسرائيلية، التي تتابع عنف المستوطنيين اليهود في الضفة الغربية، تم إغلاق 91 في المئة من تحقيقات الشرطة في الهجمات التي شنها إسرائيليون على الفلسطينيين بين عامي 2005 و2019 دون توجيه اتهامات. وأوضحت المنظمة أن "عنف المستوطنين وجرائمهم أصبح أحداثاً روتنية ومألوفة في الضفة الغربية. والدافع الذي يقف وراء هذه الممارسات العنيفة والإضرار بالممتلكات توجهات استراتيجية، الغاية من ورائها ترويع الفلسطينيين، وخلق تهديد حقيقي بغية تجريدهم من أراضيهم وتقليص حيزهم الحياتي".

صد ورد

تعليقات لبيد آنذاك، نشرت وسط التداعيات التي أعقبت تصريحات وزير الأمن الداخلي (الشاباك) عومر بارليف، الذي أعلن أنه ناقش عنف المستوطنين مع دبلوماسي أميركي، وهو ما دفع اليمين في الحكومة الحالية إلى اتهام بارليف بتعميم تصرفات قلّة من المتطرفين لإدانة مجتمع بأكمله.

زعيم المستوطنين عوديد ريفيفي، الذي يرأس مجلس إفرات الإقليمي، أكد في تصريحات لوسائل إعلام إسرائيلية، أن أعمال العنف قامت بها قلّة هامشية. وقال إن "الهجمات الفلسطينية ضد الإسرائيليين تجاوزتها بكثير".

وفي الوقت الذي أشادت فيه السلطة الفلسطينية بتصريحات بارليف قائلة، إن "هذا الاعتراف خطوة أولية في الاتجاه الصحيح، لكنه ليس كافياً". وصفت وزيرة الداخلية الإسرائيلية أييليت شاكيد المستوطنين "بملح الأرض". وأضافت في تغريدة عبر "توتير"، "العنف الذي يحتاج المرء إلى الصدمة به، هو عشرات حالات إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف على اليهود التي تحدث كل يوم لمجرد أنهم يهود، كل ذلك بتشجيع ودعم من السلطة الفلسطينية"، فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، "إن المستوطنين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) يعانون العنف والإرهاب يومياً، لعقود. إنهم الحصن الدفاعي لنا جميعاً، وينبغي علينا تعزيزهم ودعمهم، بالكلمات والأفعال".

وزير الشؤون الدينية الإسرائيلية متان كهانا صرح بدوره بأن المستوطنين في يهودا والسامرة "ليسوا عنيفين، بل رواد".

تهديد واضح

مجموعة "مقاتلون من أجل السلام"، التي تضم ضحايا العنف الإسرائيلي والفلسطيني، دانت تصريحات بينيت، متهمة إياه عبر بيان "بدعم كامل لعنف المستوطنين الفاسد الذي وصل إلى مستويات جديدة في عهده".

من جانبها، قالت حركة "السلام الآن" (منظمة غير حكومية)، إن العنف والجرائم التي يرتكبها المستوطنون تقوض مكانة إسرائيل الدولية، فضلاً عن أن هؤلاء المستوطنين بممارساتهم يشكلون، بحسب الحركة، "تهديداً وجودياً للطابع اليهودي والديمقراطي للدولة، ويشكلون في الواقع عقبة رئيسة أمام أي اتفاق سلام مستقبلي".

التقرير السنوي للجيش الإسرائيلي نشر أن الفلسطينيين نفذوا 100 هجوم ضد إسرائيليين في الضفة الغربية، و5 آلاف و532 حادثة رشق بالحجارة في عام 2021، في إشارة لارتفاع الهجمات الفلسطينية عن 2020 التي شهدت 60 هجوماً، و4 آلاف حادثة رشق حجارة.

وسجل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 410 هجمات نفذها مستوطنون إسرائيليون على فلسطينيين في الأشهر العشرة الأولى من 2021، مقابل 358 في 2020 بأكمله.

نصف مليون مستوطن

بحسب البيانات الرسمية لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسليم" ينتشر في جميع أنحاء الضفة الغربية قرابة 280 مستوطنة إسرائيلية، 138 مستوطنة منها معترف بها رسمياً، ونحو 150 بؤرة استيطانية غير معترف بها (لا تشمل 12 حياً استيطانياً أقامتها إسرائيل على الأراضي التي ضمّتها للقدس) يعيش فيها قرابة نصف مليون مستوطن. ثلث تلك البؤر أقيمت خلال العقد الماضي تحت اسم "المناطق الزراعية"، أو ما يعرف بالمزارع، وهو ما شجّع المستوطنين للسيطرة على ملايين الأمتار التي يُمنع على الفلسطينيين الدخول إليها. وتتراوح هذه السيطرة ما بين الأوامر العسكرية أو اعتبارها "أراضي دولة"، أو محميات طبيعية، أو من خلال المصادرة المباشرة، كاستيلاء المستوطنين على الأراضي بواسطة أعمال العنف اليومية.

وبينما يعتبر المجتمع الدولي أن جميع الأنشطة الاستيطانية غير قانونية، فإن إسرائيل تفرق بين المباني في المستوطنات القانونية التي شيّدت على أراضٍ تابعة للدولة، والبؤر الاستيطانية غير القانونية التي أقيمت دون ترخيص، وغالباً ما تكون قائمةً على أراضٍ فلسطينية خاصة.

يذكر أن الولايات المتحدة أعربت عن قلقها بشأن تشريع جديد يتم الدفع به قدماً في الكنيست (البرلمان)، لشرعنة 70 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية وربطها بشبكة كهرباء. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، "من الأهمية بمكان أن تمتنع إسرائيل عن اتخاذ خطوات أحادية الجانب تؤدي إلى تفاقم التوترات، أو تبعدنا عن السلام. وهذا يشمل عمليات الإخلاء والنشاط الاستيطاني وهدم المنازل، وبالتأكيد يشمل شرعنة البؤر الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية التي تعتبر غير قانونية منذ فترة طويلة حتى بموجب القانون الإسرائيلي".

المزيد من تقارير