Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قمة "كوب 26" استضافتها بريطانيا لكن التاريخ قد لا يسجلها في مصلحتها

شكلت سابقة نادرة في الفارق بين مداولات مؤتمر للمناخ وجهود الدولة المضيفة من جهة والنتائج الختامية من الجهة الثانية

ألوك شارما رئيس قمة "كوب 26" وقد أوشك على البكاء في آخر أيام تلك القمة (غيتي)

حسناً، ثمة إلحاح لتناول النسخ المتحورة الجديدة من كورونا وحفلات عيد الميلاد (في الماضي والحاضر) خلال هذا الوقت من السنة، قد لا تحظى به اهتمامات أخرى. ومع ذلك، فإنه من الملفت للغاية، أليس كذلك، سرعة غياب "قمة التغير المناخي" في غلاسكو [كوب 26] عن دائرة الضوء، نظراً إلى مدى هيمنة الاستعدادات للقمة ومداولاتها أيضاً، على الأخبار بشكل كامل، ليس في المملكة المتحدة وحدها، بل أيضاً في أماكن أخرى أبعد؟

  وبالطبع، فإن هذه الهيمنة في حد ذاتها مضللة، إذ كانت على الدوام عبارة عن نوع من المظاهر، أكثر منها هيمنة حقيقية، وعبرت عن طموح الدولة المضيفة في إظهار نفسها ليس كمجرد قوة دبلوماسية مؤثرة فيما يتعلق بالتغير المناخي، بل أيضاً بوصفها "بريطانيا العالمية" و"قوة من أجل الخير"، وفق وزير الخارجية السابق دومينيك راب. وكذلك ليس صحيحاً تماماً القول بأن القمة قد تلاشت، ففي الدوائر المناخية المتخصصة ومراكز البحوث أيضاً، تتواصل محاولات تقييم ما اشتملت عليه قمة "كوب 26".

  ومع ذلك، فإن السرعة التي طويت بها صفحة "كوب 26" وصارت طي النسيان، في الأقل على الأرض التي استضافتها، قد توحي بأن هذه الأهداف لم تتحقق بالكامل، وفق ما لمحت بعض التقارير في ذلك الوقت.

  وبلغة المناخ المحضة، تعزز هذا الرأي جزئياً، خلال الأسبوع الحالي، من خلال التقييم الرسمي لـ"لجنة تغير المناخ". وقد أنشئت تلك اللجنة بموجب قانون تغير المناخ في 2008 كمجموعة استشارية مستقلة، وكلفت مهمة مراقبة كل شيء له علاقة بتغير المناخ وتقديم المشورة للحكومة بناء على ذلك. وقد وجهت تلك اللجنة إلى "مؤتمر غلاسكو" ما يعتبر في أحسن الحالات، نوعاً من الإدانة عبر [الاكتفاء] بالمديح الخافت الذي خصته به.

  وفي حين أن الطموحات المتزايدة التي أعلن عنها في "كوب 26" مثلت "خطوة إلى الأمام"، بحسب اللجنة، فإن النجاح يمكن تقييمه حصراً عبر ما يتحقق "خلال العام المقبل وما بعده". واقترحت اللجنة أنه قد يكون من الأفضل بالنسبة إلى الحكومات أن تضمن تحقيق الأهداف الموجودة سلفاً في جعبتها، بدلاً من وضع مجموعة أهداف جديدة. وكذلك أشارت اللجنة إلى أن المملكة المتحدة "بعيدة كل البعد" عن بلوغ الأهداف المتعلقة بالانبعاثات، حتى المتواضعة نسبياً منها، وسيتعين عليها أن تبذل مزيداً من الجهد كي تستطيع مجرد الاقتراب من تحقيق تلك الأهداف. ويتلخص رد الحكومة على ذلك بالقول، حسناً، لا داعي للقلق، نحن نمضي على طريق النجاح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

  وثمة طرق أخرى أيضاً، يبدو من خلالها أن مسار ونتائج "كوب 26" مخيبان للأمل، وفق ما يبدو. فقد تغيبت شخصيات بارزة كرئيسي الصين وروسيا، الأمر الذي قلل من قيمة التشكيلة العالمية الحاضرة على أرفع مستوى، حتى وإن لم يؤثر ذلك على النتيجة. وكذلك برزت شكاوى شملت كيفية تنظيم الأشياء، بدءاً من وسائط النقل إلى طرق الدخول والاتصالات، ما قد يلحق الأذى بسمعة المملكة المتحدة التي تحرسها بحرص شديد كبلد مضيف نموذجي (ويأتي ذلك في أعقاب إجراءات الأمن الكارثية في نهائيات بطولة أوروبا لكرة القدم الصيف الماضي). وظهر عدم ارتياح أيضاً لدى المراسلين الأجانب بشأن المدى الذي شعروا بأن المعلومات تدار أو "يجري التلاعب" فيها.

  في المقابل، على الجانب الإيجابي، أبرمت اتفاقات حول الميثان وإزالة الغابات، حتى لو لم يوقع الجميع على كل شيء فيها. كذلك جرى التوصل إلى عدد من الاتفاقات بشأن كثير من التفاصيل العملية والأساسية المتعلقة بمناقشة تغير المناخ، مع التوافق على تعريفات ومعايير للمرة الأولى، ولا يشكل ذلك مادة تتلقفها العناوين الصحافية العريضة، لكنه يمثل تقدماً حاسماً. ومن الممكن أيضاً الإشارة، على سبيل التخفيف، إلى أن جمع ممثلي 190 دولة في غلاسكو بعد مجرد سنة واحدة من تفشي وباء "كوفيد" وفي وقت استمر التهديد الذي يشكله، جاء [إنجازاً] يشبه المعجزة.

ومع ذلك، فإن الصورة الملازمة لـ"قمة غلاسكو" ستكون بالتأكيد صورة ألوك شارما، المبعوث البريطاني للمناخ ورئيس "كوب 26"، معتذراً وموشكاً على البكاء في اليوم الأخير لتلك القمة. وإذ جرى التوصل إلى الاتفاق، فإن ذلك تحقق لقاء ثمن تمثل في تعديل أدخل في اللحظة الأخيرة وأدى فعلياً إلى إضعاف ما اعتبره كثيرون التزاماً رئيساً. إذ حل التعهد بمجرد "خفض تدريجي" محل الالتزام بـ"إلغاء تدريجي" لـ"استخدام الفحم المستمر بلا هوادة و[توفير] الدعم للوقود الأحفوري".

وبكل تأكيد، لقد شكل ذلك تغيراً طفيفاً، غير أنه، وفق ما يعرفه جميع من يسهمون في صياغة أي اتفاقات حق المعرفة، يمكن لتفاصيل كهذه أن تصنع الفارق بين النجاح والفشل. إن الكلمات مهمة. وتشير عبارتا "الإلغاء التدريجي" و"الخفض التدريجي" إلى أشياء مختلفة كل الاختلاف. ولقد شعر شارما بوضوح، على غرار كثيرين، أن قمة "كوب 26" تحت رئاسته، قد أخفقت في بلوغ غاياتها.

  ويشكل ذلك توصيفاً صحيحاً بشكل دقيق. فقد اعتبر عديد من المندوبين المشاركين في "كوب 26" أن الالتزام بوضع حد نهائي لاستعمال الفحم الحجري في أنحاء العالم، يشكل هدفاً رئيساً للمؤتمر، ولكن ذلك الالتزام قد خفف. ومع ذلك، أتساءل عن مدى ما يحمله ذلك الأمر من معان أخرى، وإذا كانت حقيقة حصول التعديل لا تعني أكثر بكثير من أن هذا التعهد بالذات قد جرى توهينه. وعلى وجه التحديد، أتساءل عن إمكانية أن ينظر إلى "مؤتمر غلاسكو" من خلال عدسة التاريخ في المدى الأطول، بأنه مغير لقواعد اللعبة، على نحو أكبر بكثير حتى من العرض الأنيق اللافت في باريس للإجماع [في قمة المناخ التي استضافتها العاصمة الفرنسية وخرجب بإجماع على "اتفاق باريس 2015"] قبل ست سنوات، الذي سعت المملكة المتحدة جاهدة كي تتجاوزه.

 لا أتذكر بعد سنوات عدة من تغطية مؤتمرات دولية ومؤتمرات قمة متنوعة، أي اجتماع من هذا النوع جاءت إحدى نتائجه متعارضة مع فيض المداولات التي جرت فيه بمجملها، ومتعارضة أيضاً مع كل الجهود المثلى التي بذلها المنظمون، ربما باستثناء محتمل مثلته القمة التي جمعت [الرئيسين] غورباتشوف وريغان في "ريكافيك" سنة 1986. وبالكاد يعتبر طرح طلب ما في اللحظة الأخير، حيلة جديدة [إشارة إلى أن تبني مصطلح "التخلص تدريجياً" بـدلاً من "التخلص نهائياً"، جاء في اللحظة الأخيرة من تلك القمة]. في المقابل، بدا في "قمة غلاسكو" أن كل شيء قد أنجز بعناية وجرى التفاوض عليه بنجاح، إلى أن [جاءت لحظة الفشل في النهاية و] لم يحصل.

  ليس من الواضح تماماً ما هو أصل ذلك الطلب [بتبني "التخلص تدريجياً]. لقد ورد اسما الهند والصين، إلا أن الأولى أصرت على أن كل ما فعله مندوبها اقتصر على قراءة التعديل، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين قد شاركت في وضع الصياغة الجديدة. وكذلك ظهرت وجهة نظر معينة مفادها أن التعديل جاء في أعقاب الإعلان المفاجئ عن اتفاق بين الولايات المتحدة والصين وأنه [التعديل] عبر عن الصياغة التي جرت هناك [في الاتفاق بين أميركا والصين]. وقد يكون صحيحاً أيضاً أن الولايات المتحدة رحبت بالتعديل و[اعتبرته] فرصة للاحتماء وراء الآخرين.

  ومع ذلك، تبقى النقطة الأكبر هي أن الصين والهند قد تمكنتا، فيما بينهما، من تغيير ما نظر إليه بوصفه عنصراً أساسياً في أي اتفاق دولي، وكان لهما الثقل الكافي لإحداث هذا التبديل. ويمثل هذا تغييراً هائلاً، وتاريخياً، في الديناميكيات الدولية، ومن الصعب رؤية أي إمكانية في التراجع عنه. لم يعد باستطاعة شمال الكرة الأرضية أن يملي الشروط، لقد تغيرت ديناميكيات العلاقات الدولية وتغير ميزان القوى.

  لقد بدأت الرسالة بالوصول للتو. فقد لفت انتباهي قبل كتابة هذه الكلمات تصريح أدلى به المسؤول الأسترالي مايكل لوش، وهو مبعوث بلاده الخاص لشؤون سياسة الصناعة الخضراء، إلى مركز بحوث "بروغيل" في بروكسل بأن الاتحاد الأوروبي "لم يعد الطرف الأكبر حول الطاولة"، وقد صار يتمتع بتأثير أقل، وسيتوجب عليه تعديل منهجه من أجل أن "يجعل الآخرين"، وقصد بهم الصين والهند، أن "يلتحقوا بالركب".

  إن أهمية هذا التغيير هائلة. إذ يعني أن "مؤتمر باريس للمناخ" شكل قمة "كوب" [= قمة الأطراف الموقعة على بروتوكول التغيير المناخي] الأخيرة التي يستطيع فيها شمال الكرة الأرضية أن يملي الشروط بشكل أساسي. وبالتالي، سيترتب على مؤتمرات "كوب" في المستقبل أن تأخذ في الحسبان بشكل أكبر الاهتمامات (وأيضاً الحقائق) الخاصة بالصين وجنوب الكرة الأرضية. ربما لم يعد كافياً أن يعد الشمال بتقديم حوافز وتعويضات لتلك البلدان التي تتعهد بإصلاح اقتصاداتها وفق رغبة الشمال، وتلك وعود لم يجر الوفاء بها وجاءت على الدوام غير كافية بشكل سخيف، على أي حال. قد يضطر الشمال إلى تقديم تنازلات بشأن المضمون والجدول الزمني أيضاً.

  واستطراداً، من المقرر أن يعقد مؤتمر "كوب" التالي في مصر السنة المقبلة. وليس من الصعب أن نتخيل أن الصين والهند يمكن أن تكونا قد صارتا تشعران بالجرأة [الكافية] من أجل التعاون معاً على تحقيق هدف مشترك مرة أخرى. وكذلك فإن تعبير الجنوب عن استيائه من أن يخبره الشمال الغني بأن يسلك طريقاً مختلفاً في التصنيع [بمعنى الاعتماد على الوقود الأحفوري كطاقة في الصناعة] عن ذلك الذي منح الولايات المتحدة وأوروبا نوعية الحياة الحالية، يمكن [لذلك التعبير] أيضاً أن يصبح أكثر صخباً، ويغدو تجاهله أشد صعوبة.

  واستكمالاً، قد تعتقد المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (مع حماسة أقل بقليل) أن وصفتهما في مكافحة تغير المناخ، تسير نحو كسب تأييد العالم بأسره. في المقابل، تشير المباراة الطويلة التي لعبتها الصين في "قمة غلاسكو" إلى احتمال ظهور شيء آخر.

© The Independent

المزيد من آراء