خلص تحقيق أجرته صحيفة "اندبندنت" إلى أن النواب الذين يقودون سياراتهم إلى برلمان "وستمنستر" يتجنبون دفع رسوم ازدحام ورسوم "منطقة الانبعاثات المنخفضة للغاية" (أولِز ULEZ) تقدّر قيمتها بعشرات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية سنوياً، من خلال إضافتها إلى نفقات العمل التي يحق لهم أن يتقاضوها.
ووجّهت مجموعات "الهواء النظيف" رسائل إلى هيئة الرقابة البرلمانية على تلك النفقات وطالبتها بمنع النواب من تجنّب دفع رسوم مكافحة التلوث، التي يفترض أنها تردع الناس من التوجّه بسياراتهم إلى وسط لندن، الأمر الذي يؤدي إلى رفع تلوث الهواء فيها إلى مستويات غير قانونية.
وضمّن أعضاء البرلمان نفقاتهم عن رسوم الازدحام ورسوم "أولِز" التي تُقدر قيمتها بحوالى 70 ألف جنيه استرليني (96.38 ألف دولار)، في آخر سنة مالية كاملة. وتمكّنوا من مراكمة مبلغ جديد طالبوا به في فاتورة أخرى، ووصل إلى 10 آلاف جنيه استرليني (13.76 ألف دولار) في الشهرين السابقين لعطلة الصيف هذا العام.
واستطراداً، يقود عدد من النواب الذين يضيفون الرسوم إلى نفقاتهم البرلمانية، سيارات تُلوّث أكثر من غيرها، ما يقتضي منهم دفع رسوم "أولِز"، ويجعل إجمالي مدفوعاتهم 27.50 جنيه استرليني (37.87 دولار) يومياً. في المقابل، يستطيع أولئك النواب تحميل دافع الضرائب هذه التكلفة بموجب قانون النفقات البرلمانية. وحذّرت رئيسة لجنة الصحة في لندن من هذا الإجراء، معتبرة أنه تصرف "يقضي على فكرة الحاجة إلى وضع هذه الخطوات الرادعة موضع تطبيق".
وحددت صحيفة "اندبندنت" الأعضاء البرلمانيين الـ116 الذين أضافوا إلى نفقاتهم مبلغ 15 جنيهاً استرلينياً (20.65 دولار) على شكل رسوم ازدحام أو رسوم "أولِز"، مرّة واحدة في الأقل، منذ بداية السنة المالية الحالية. وتشمل صفوف أولئك البرلمانيين، 86 نائباً من حزب المحافظين و24 من حزب العمال. ولم ينتهك أيٌّ من هؤلاء النواب قواعد "هيئة المعايير البرلمانية المستقلة" باعتبار أن هيئة الرقابة على نفقات البرلمان تسمح بالتعويض عن نوعَي الرسوم المذكورين بشكل مشروع.
واستطراداً، يُشار إلى أن النائب الأكثر شهرة بين أولئك الذين جعلوا دافع الضرائب يغطي قيمة رسوم الازدحام و"أولِز" التي دفعوها، هو مات هانكوك الذي قدّم المطالبة بالتعويض حينما شغل منصب وزير الصحة، وكان على علاقة مزعومة بإحدى مساعداته.
وهناك وزراء آخرون يضيفون إلى نفقاتهم البرلمانية الرسوم التي تفرضها "هيئة النقل في لندن"، من بينهم جو تشرشل وزيرة الدولة لشؤون البيئة، التي طالبت بمبلغ قدره 325 جنيهاً تسترلينياً (447.49 دولار) لتعويض قيمة الرسوم في شهر مارس (آذار) وحده. وقد ضمّن كونور بيرنز، وزير الدولة لشؤوون إيرلندا الشمالية، نفقاته خلال السنة الحالية وحتى الآن، في رسوم الازدحام و"أولِز"، فبلغت 302 جنيه استرليني (415.85 دولار)، فيما اشتملت نفقات ديفيد تي سي دايفيز، وزير دولة لشؤون ويلز، على 192 جنيهاً استرلينياً (264.38 دولار).
ومن بين النواب الآخرين المعروفين جيداً ممن أضافوا رسوم الازدحام إلى نفقاقهم البرلمانية، يبرز نك توماس سيموندز وزير الداخلية في حكومة الظل، وجيس فيليبس نجمة حزب العمال الصاعدة، والنائب المحافظ مارك هاربر الذي يرأس مجموعة التعافي من "كوفيد" التي تجادل ضد القيود المفروضة لمكافحة فيروس كورونا. وقد أدرج ليندساي هويل، رئيس مجلس العموم، ضمن نفقاته 25 جنيهاً استرلينياً (34.44 دولار) دفعها لقاء رسوم الطرق لـ"هيئة النقل في لندن" خلال مارس 2021. ولم يوضح جميع النواب الـ116 الذين جرى تحديدهم، إذا كانت الرسوم التي كانوا يطالبون بقيمتها ضمن نفقاتهم، تتصل بالازدحام أو الانبعاثات. ويجعل ذلك من غير الممكن استنتاج عدد من قادوا سيارات تنفث مقداراً أكبر من التلوث، ما رفع قيمة الرسوم التي ترتّبت عليهم.
واستكمالاً، يأتي هذا الكشف قبل البدء بتوسيع نطاق رسوم "أولِز" المقرر البدء به قريباً، مع تمديد سريان رسوم مكافحة التلوث كي تشمل معظم المناطق الداخلية في لندن كلها وحتى الطرق الدائرية الشمالية والجنوبية. وتتربع المسائل البيئية على قمة الأجندة حالياً، مع توجّه قادة العالم إلى المملكة المتحدة لحضور اليوم الأول من "مؤتمر التغيّر المناخي" ( كوب 26) الذي يُعتبر علامة فارقة.
وفي رسالة إلى "الهيئة البرلمانية للرقابة على النفقات" اطلعت عليها صحيفة "اندبندنت"، ذكرت ست من مجموعات "الهواء النظيف" أنها شعرت "بقلق عميق"، داعية إلى مراجعة "عاجلة لسياسة نفقات أعضاء مجلس العموم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذ جادلت هذه المجموعات بأن المخطط بحاجة إلى أن يؤدي كل شخص دوره ويكون النائب "قدوة"، فقد اعتبرت [المجموعات الست] أن "الجمهور ينبغي ألا يتحمّل مسؤولية دفع فاتورة أعضاء مجلس العموم ممن يختارون قيادة سياراتهم التي تسبب التلوث في لندن. ويضاف ذلك إلى التكاليف العامة التي نواجهها فعلاً من تلوث الهواء، إذ يقدّر علماء أن كل سيارة تسير في منطقة داخلية في أي مدينة بريطانية تكلّف هيئة "خدمة الصحة الوطنية" والمجتمع حوالى 7714 جنيهاً استرلينياً (10632 دولاراً) خلال حياتها كلها".
وبينما أقرّت هذه المجموعات أن المطالبات بالنفقات "مشروعة" في ضوء القواعد الحالية، أضافت، "ثمة مع ذلك واجب أخلاقي لاتخاذ كل الإجراءات الممكنة بغية تحسين نوعية الهواء. ولذا، نحن نكتب لكم طالبين إخضاع هذه السياسة للمراجعة العاجلة من أجل عدم السماح للنواب بعد الآن أن يطالبوا بتعويضات عن رسوم ’أولِز‘ ورسوم منطقة الهواء النظيف أيضاً. وسيؤدي ذلك إلى حماية صحتنا، والمال العام، ويضمن أيضاً حصول تطور مهم يتمثّل في تشجيع النواب على أن يتصدروا مستخدمي وسائل النقل الأخضر".
يُشار إلى أن الرسالة التي وجّهت إلى "الهيئة البرلمانية للرقابة على النفقات"، كُتبت من قبل "حملة المدن النظيفة"، وهي تحالف لمنظمات غير حكومية أوروبية تنشط من أجل تحقيق هدف التنقل في مناخ خالٍ من الانبعاثات تماماً. ووُقّعت الرسالة من قبل ممثلين عن منظمات "أمهات من أجل الرئات" و"حملة المدن الخالية من السيارات" و"سي بي آر إي لندن" و"حملة لندن للدراجات" و"مدينة عادلة".
في ذلك الصدد، نقلت كارولين راسل، وهي عضوة في "مجلس لندن الأخضر" ورئيسة لجنة الصحة المنبثقة منه، إلى "اندبندنت" رأياً مفاده بأن "سماح أرباب العمل لمستخدميهم بالمطالبة بانتظام بالتعويض عن رسوم مثل تلك التي تمثلها رسوم ’أولِز‘، أو رسوم الازدحام، لمجرد أن يصلوا إلى أماكن العمل، يشكّل تصرفاً يفضي إلى القضاء على فكرة الحاجة لوضع هذه الإجراءات الرادعة موضع تطبيق".
وعلى نحو مماثل، ذكرت جيني بيتس، وهي ناشطة في مجال النقل لدى "منظمة أصدقاء الأرض"، أنه يتوجّب "على النواب أن يكونوا قدوة تُحتذى ولا ينبغي بهم أن يقودوا سياراتهم إلى وسط لندن من دون مبرر، فيسهمون في زيادة الانبعاثات المؤذية للمناخ، وتلوث الهواء الفتاك في العاصمة".
وتابعت، "يتحمّل تلوث الهواء مسؤولية الموت المبكر للآلاف من سكان لندن سنوياً، ومنع نمو رئتي الأطفال بشكل سليم، ما يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة، وكذلك تنجم عنه سكتات قلبية، إضافة إلى مشكلات أخرى".
وزادت بيتس، "إن مستوى الغاز السام ثاني أوكسيد النيتروجين في عدد من أجزاء العاصمة أعلى من المستويات القانونية الحالية في المملكة المتحدة. كذلك تتجاوز العاصمة بأكملها تقريباً المعدلات الإرشادية الصادرة عن ’منظمة الصحة العالمية‘ بشأن تلوث أخطر تسببه الجسيمات الدقيقة [التي ترافق الغازات المنبعثة من السيارت] التي يمكن أن تذهب عميقاً في الرئتين، وحتى إلى مجرى الدم".
وأردفت، "إذا كان أعضاء البرلمان يدفعون رسوم ’أولِز‘، فهذا يعني أن سياراتهم تؤدي إلى التلوث بشكل خاص، بالتالي، يجب أن يتركوها في المنزل أو أن يستبدلوا بها سيارة أنظف".
وبعدما جمعت صحيفة "اندبندنت" البيانات الخاصة بهذه القصة الإخبارية، عمدت "الهيئة البرلمانية للرقابة على النفقات" إلى إزالة التفاصيل ذات العلاقة من بيانات النفقات الموجودة على موقعها الإلكتروني، وذلك قبل أن تردّ على الطلب الموجّه إليها للتعليق على القصة.
ولدى سؤاله عن سبب فعلها ذلك، أشار متحدث باسم تلك الهيئة الرقابية إلى أنها حذفت "بشكل مؤقت" مجموعة من "التفاصيل الوصفية من مطالبات منشورة سابقاً على موقعنا الإلكتروني"، كإجراء احترازي ضمن الاستجابة لمقتل النائب ديفيد أميس قبل أسبوع.
وتذكيراً، تبلغ رسوم الازدحام التي تترتب على قيادة سيارة إلى وسط لندن 15 جنيهاً استرلينياً (20.67 دولار) في اليوم. وتصل رسوم "أولِز" المتعلقة بأكثر السيارات تلويثاً، إلى 12.50 جنيه استرليني (17.22 دولار) إضافية أخرى. ولا يتعيّن على السيارات الكهربائية أن تدفع شيئاً، فيما يمكن للأشخاص الذين يعيشون داخل منطقة رسوم الازدحام، على غرار الحال مع عدد من النواب، أن يطالبوا بتخفيض مقداره 90 في المئة، يُدعى "تخفيض القاطنين".
© The Independent