Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روايات تحيكها الصين

الذاكرة التاريخية الجديدة التي تعيد تشكيل القومية الصينية

في مؤتمر القاهرة، 1943 (إدارة أرشيف الوثائق الوطنية الأميركية)

في 3 سبتمبر (أيلول) 2015، استعرضت الصين موكباً من قاذفات الصواريخ الصينية وأكثر من 12000 جندي في ساحة "تيان أنمين" في بكين، للاحتفال بالذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية. ونُشر حوالى 850 ألف مدني لإجراء دوريات في بكين. وفي أجزاء من المدينة، أغلقت الأنشطة التجارية وأوقفت حركة المرور وجميع الاتصالات اللاسلكية. لكن تفادياً لأي انطباع خاطئ، سعى الرئيس شي جينبينغ في خطابه إلى تهدئة القلقين من كل تلك القوة النارية والبشرية المعروضة، مؤكداً لجمهوره الذي ضم بضع عشرات من قادة العالم أنه "بغض النظر عن مدى قوتها، فإن الصين لن تسعى أبداً إلى الهيمنة أو التوسع".

في الحقيقة، جادل الرئيس شي بأن الصين أدّت دوراً مهماً في هزيمة الفاشية في القرن العشرين، وأنها الآن تساعد في الحفاظ على النظام الدولي في القرن الواحد والعشرين. وباستخدامه مصطلحات "الحزب الشيوعي الصيني" في وصف الحرب العالمية الثانية، أشاد شي بالتزام الصين "دعم نتائج حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية"، ودعا جميع الدول إلى احترام "النظام العالمي المسنود بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وبناء نوع جديد من العلاقات الدولية التي تتسم بالتعاون المربح لجميع الأطراف، فضلاً عن تعزيز الغاية النبيلة للسلام والتنمية العالميين".

في عهد شي، حاول الحزب الشيوعي الصيني إبراز صورة السعي إلى تحقيق السلام من خلال القوة، من دون إثارة المعارك ولا الهروب من المواجهة. لكن في الأعوام الأخيرة، أدى سلوك الصين الحازم بشكل متزايد والخشن أحياناً، إلى إضعاف محاولتها ادعاء القيادة الدولية. ويمثل استحضار شي للماضي إحدى الطرق في تعويض هذا التوتر الكامن.

في المقابل، بدأ اهتمام الصين بإحياء ذكرى الحرب العالمية الثانية قبل ذلك بكثير، أي حقبة الثمانينيات من القرن العشرين. لقد تركت الفوضى والصدمة اللتان خلفتهما المجاعة في حقبة ماو والثورة الثقافية، ندوباً في النفسية الوطنية وكذلك كشفت عيوب الماركسية اللينينية كفلسفة في الحُكم. حينما تولّى دنغ شياو بينغ زمام القيادة بعد وفاة ماو تسي تونغ عام 1976، أخمد "الحزب الشيوعي الصيني" نيران الصراع الطبقي وأجج عوضاً عن ذلك الحماسة الرأسمالية والنزعة الاستهلاكية. ومع ذلك، حتى مع تعديل الحزب لأيديولوجيته، ظل بحثه عن الشرعية الشعبية مرتبطاً بالقومية ومتجذراً بشكل متزايد في دور الصين في الحرب العالمية الثانية، الذي عادة ما يعتبره القادة الصينيون دليلاً على دفاع الحزب عن الشعب الصيني في مواجهة العدوان والإذلال الأجنبيين.

في كتابه الجديد، يفتح المؤرخ رانا ميتر نافذة على إرث تجربة الصين في الحرب العالمية الثانية، موضحاً كيف تحيا الذاكرة التاريخية في الحاضر وتسهم في التطور المستمر للقومية الصينية. في هذا العمل البارع والمحكم للتاريخ الفكري، يقدّم ميتر للقراء، الباحثين وصانعي الأفلام ومروجي الدعايات ممن سعوا إلى إعادة تعريف تجربة الصين في الحرب العالمية الثانية. كذلك يوضح كيف تعبّر جهود هؤلاء عن اهتمام شي بتصوير الصين كمدافع عن النظام الدولي لما بعد الحرب، أي كقوة رائدة منذ نشأتها في 1945، لا كقوة حديثة العهد منذ حصولها على مقعد في الأمم المتحدة خلال ذروة "الحرب الباردة" [بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي].

ويشير ميتر إلى أن هذا يُعدّ أمراً حميداً نسبياً في سياق النزعة التحريفية التاريخية، معتبراً الدوافع وراء ذلك مفهومة من بعض الجوانب، إذ نادراً ما يعترف الغرب بمساهمات الصين في الحرب ضد الفاشية. ومع ذلك، لا يتجنّب ميتر فضح بعض الأوهام السياسية التي يضفيها "الحزب الشيوعي الصيني" على ماضي البلاد، حتى على حساب محاولتها صياغة رواية مقنعة حول مستقبل الصين.

أيديولوجيا جوفاء

في عهد شي، أظهرت الصين رغبة متزايدة بالقيادة العالمية. لقد صرّح شي بأن "الصين ستدعم النظام الدولي بقوة" باعتبارها "عضواً مؤسساً للأمم المتحدة وأول دولة توقّع على ميثاق الأمم المتحدة". ووفق ملاحظة ميتر، يخفي شي بشكل ملائم حقيقة أن الزعيم القومي تشيانغ كاي تشيك، وليس ماو، الخصم الشيوعي لتشيانغ، هو الذي جلس إلى جانب الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في مؤتمر القاهرة عام 1943، لوضع أسس نظام ما بعد الحرب. لقد كان القوميون الصينيون، وليس أعداؤهم الشيوعيون، من ساعدوا في إنشاء الأمم المتحدة ومؤسسات اتفاقية "بريتون وودز" التاريخية [وضعت أسس الاقتصاد والتجارة بعد الحرب العالمية الثانية، مع التركيز على حرية تنقل الأفراد والبضائع والأموال والخدمات]، بما في ذلك "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي".

لذا، فإن الحزب الشيوعي الصيني يبالغ أحياناً عندما يتحدث عن دور الصين في إنشاء نظام ما بعد الحرب. لكن مجرد التحجج بذلك يمثّل تحوّلاً مهماً في القومية الصينية، التي لطالما صوّرت الصين ليس كمنتصر بل كضحية، خصوصاً للعدوان والإمبريالية اليابانيين. ومن خلال تقديم الصين كشريك رئيس للحلفاء إبان الحرب ومؤسس مشارك في نظام ما بعد الحرب، تسعى القيادة الصينية، بحسب ميتر، إلى التلويح بأن "الصين تؤدي دوراً تعاونياً مماثلاً في المجتمع الدولي اليوم". وتتمثل الرسالة المقصودة في أن الصين مهتمة بإعادة تشكيل المؤسسات الموجودة، انطلاقاً من الداخل، أكثر من اهتمامها بإلغاء هذه المؤسسات بالكامل.

هناك فائدة أخرى لهذا الشكل من النزعة التحريفية للتاريخ، إذ إنه يصرف الانتباه عن المسافة الأيديولوجية التي قطعتها الصين منذ أعوام ما بعد الحرب. إلى حين وفاة ماو، لم تكُن الصين من المدافعين عن الليبرالية الدولية. لقد كانت من دعاة الثورة الشيوعية العالمية. ويُخفي تركيز بكين الجديد على ما يسمّيه ميتر بـ"الأجندة الأخلاقية" المشتركة لهزيمة الفاشية، أحد الأسباب التي تدفع الصين إلى الادعاء بأنها تدعم النظام العالمي اليوم، إذ يتمثّل ذلك السبب في أن "الحزب الشيوعي الصيني" قد تخلى إلى حد كبير عن أيديولوجيته التأسيسية. ففي الصين اليوم، صارت "الخزانة الأيديولوجية فارغة نسبياً"، بحسب وصف ميتر، الذي يضيف أنه في عهد شي "ما زالت الصين تواجه صعوبة في اعتبار رؤيتها الاقتصادية والأمنية أي شيء آخر سوى كونها نسخة استبدادية متنامية من أميركا".

واستطراداً، يُعتبر قول ميتر إن الصين "دولة تجاوزت الاشتراكية في الواقع إن لم يكُن في الاسم"، بديلاً معقولاً عن التصريحات المبالغ فيها لإدارة ترمب التي تفيد بأن "الحزب الشيوعي الصيني" يسعى إلى تحقيق "نظام دولي اشتراكي" و"مجتمع عالمي شامل". ولقد استندت تلك الاتهامات إلى حقيقة أن الخطاب الصيني الرسمي لا يزال حتى الآن يستخدم عبارات ومفاهيم متجذرة في الماركسية اللينينية. ووفق ما يوضح كتاب ميتر، لا ينبغي أن تؤخذ هذه اللغة في ظاهرها، إذ غالباً ما يستخدم المفكرون والمسؤولون الصينيون عبارات أيديولوجية لتوفير غطاء سياسي للمعارضة. وفي مواجهة الروايات التقليدية، عمل المؤرخون ومروجو الدعاية الصينيون على ترديد "الشعارات السياسية" لعصرهم، بما في ذلك السير في نهج "المادية الجدلية للماركسية اللينينية". في المقابل، "بين العبارات السياسية المبتذلة، يهاجم المفكرون التأريخ التقليدي للحزب الشيوعي الصيني"، بحسب ميتر. لا يزال الفكر الماركسي صائباً سياسياً في الصين اليوم، لكن الحجج الماركسية تُستخدم أحياناً بطرق مدهشة. ومثلاً، اعتمد أخيراً جي دالي، الباحث في العلاقات الدولية في بكين، على المبادئ الماركسية كي يشير إلى أن "صعود الصين هو أولاً وقبل كل شيء قصة نجاح اقتصادي" وأنه ينبغي على الصين استخدام الدبلوماسية الاقتصادية بهدف تجنّب "الصراع الأيديولوجي مع الولايات المتحدة".

تركت الفوضى والصدمة اللتان خلفتهما مجاعة حقبة ماو والثورة الثقافية، ندوباً في النفسية الوطنية

في حرب مع ذاتها

تتمثل إحدى نقاط قوة كتاب ميتر في تسليطه الضوء على الكيفية التي نظرت من خلالها أصوات مختلفة داخل الصين إلى التاريخ بهدف الكشف عن حقائق جديدة حول هوية الدولة ومسارها، وكذلك فإن تلك الأصوات ليست جميعها مناصرة لـ"الحزب الشيوعي الصيني". وبالمقارنة مع الأساليب التقليدية في سرد تاريخ حقبة الحرب العالمية الثانية، تكشف هذه التيارات التنقيحية للتاريخ عن أعداء الصين أقل مما تكشفه عن الصين نفسها. ولقد كتب ميتر أن "كثيراً من النقاش الدائر حول الحرب في الحيز العام لا يتعلق في الحقيقة باليابان على الإطلاق، بل بالصين وما تفكر فيه بشأن هويتها اليوم، وليس في 1937 أو 1945". ويجادل أيضاً بأن البلاد "ليست في صراع مع اليابانيين بقدر ما هي في صراع مع ذاتها، بشأن قضايا عدم المساواة الاقتصادية والتوترات العرقية".

من هذا المنطلق، يروي ميتر كيف بدأ المؤرخون الصينيون في الأعوام الأخيرة لفت الانتباه إلى مجاعة 1942 في مقاطعة هونان، وقد أودت بحياة ثلاثة ملايين شخص. ويُعدّ هذا الحدث أحد الفصول المتعددة في التاريخ الصيني الحديث التي تتطلب مواجهتها "قدراً من السخرية ومساعدة كبيرة من النسيان"، وفق تعبير الروائي الصيني ليو تشينيون. لقد أسهمت السياسات القومية في تلك المجاعة، ما يجعل الإشارات إليها مسلكاً آمناً نسبياً للروائيين والمخرجين والمدونين الصينيين بغية تقديم انتقادات مبطّنة لما يوصف بـ"القفزة الشيوعية العظيمة إلى الأمام"، المتمثلة في تجربة كارثية في الصناعة والزراعة المجتمعية التي أدت إلى مجاعة راح ضحيتها 30 مليون صيني على الأقل.

ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، شجعت التواريخ المنقحة عن حقبة الحرب العالمية الثانية، على خلق نظرة أكثر تعاطفاً مع القوميين الذين تعرّض كثيرون منهم للاضطهاد على أيدي "الحزب الشيوعي الصيني" بعد هروب القيادة القومية إلى تايوان في 1949. يستقرئ ميتر كتابات وأعمال المسؤولين الصينيين والمفكرين والمخرجين الذين اجتازوا رقابة السلطة وكذا مقاومة المحافظين الثقافيين، كي يسلّط الضوء على قصص مساهمات القوميين في الحرب التي جرى تجاهلها فترة طويلة، بما في ذلك الجنود الذين قاتلوا ضد الجيش الياباني الغازي لكن لم يجرِ سوى ملاحقتهم وتهميشهم في ظل نظام الشيوعية. ففي الأعوام الأخيرة، أصبحت مثل تلك القصص جزءاً من الرواية الرسمية، إذ أدرجت جميع الأفلام التي وافقت عليها السلطة والمتاحف والمعرض العسكري في 2015 مجهود القوميين في الحرب، مع التأكيد، بالطبع، على أنها حدثت تحت قيادة "الحزب الشيوعي الصيني". ويصف ميتر ذلك على نحو ملائم بأنه "توازن صعب بين السماح بتاريخ شامل، ومحاولة عدم إلحاق الضرر بأساطير تاريخ الحزب الشيوعي الصيني".

واستكمالاً، يبقى لدى المرء سؤالٌ عن سبب مراقبة "الحزب الشيوعي الصيني" التاريخ بصرامة في بعض الأوقات من دون أخرى. ويلمح ميتر إلى بعض العوامل الدولية التي تدفع ذلك الحزب "على مضض، إلى تليين تفسيرات الحرب"، من بينها رغبة الحزب بتنمية العلاقات مع تايوان وتذكير اليابان بماضيها المضطرب في زمن الحرب. في نهاية المطاف، قد يعكس الافتقار إلى الوضوح بشأن تلك المسألة، حقيقة أنه في ظل حكم "الحزب الشيوعي الصيني"، نادراً ما يكون من السهل تمييز الحدود المتغيرة لما هو مسموح به.

عدوها الأسوأ

يواجه الحزب الشيوعي معركة شاقة في إقناع الجمهور خارج الصين بنسخته المعدلة حديثاً عن تاريخ الصين في الحرب العالمية الثانية. ويكمن جزء من المشكلة في التأريخ الغربي والتحيز. في هذا الصدد، يشير ميتر إلى أنه "جرى إهمال دور الصين في الحرب طيلة فترة مديدة في الدول الغربية إلى درجة أنه ليس هناك سوى قلّة ممن يهتمون بمعرفة المزيد". ولقد حاول ميتر تصحيح ذلك في كتابه، بناءً على عمله السابق والرائع أيضاً بعنوان "الحليف المنسي".

في ذلك الصدد، تكاد الدول الأجنبية ومواطنوها ألا يشكّلوا عقبة أمام سعي الصين إلى استخدام التاريخ في صقل شرعيتها، بل يشكل "الحزب الشيوعي الصيني" بنفسه الحاجز الرئيس. وحتى حينما يسمح الحزب بإجراء تحقيق شامل في ماضي الحرب، فإنه يستمر في قمع الروايات بلا هوادة، سواء كانت حول هونغ كونغ أو التيبت أو شينجيانغ، التي تتحدى كلها التعريف العرقي المتزايد عمن وماذا ينتمي إلى الصين. وبينما يحاول صانعو الأفلام التعامل مع التسامح المحدود من قبل الحزب، حيال الغموض والالتباس، فغالباً ما تكون النتيجة إنتاج أفلام ذات موازنة كبيرة تركز على حجم ورعب الحرب العالمية الثانية على حساب التفاصيل الدقيقة التي من شأنها إضفاء الطابع الإنساني على ضحاياها ومرتكبيها. وبالنسبة إلى عدد من النقاد الغربيين، تقدم تلك الأفلام كثيراً من "المشاهد الصاخبة والمشاعر الرخيصة"، بحسب ميتر، في وصفه ردود الفعل الانتقادية على فيلم "زهور الحرب" لزانغ ييمو، الذي يؤرخ احتلال اليابان الوحشي لإقليم نانجينغ، وكذلك فيلم "العودة إلى 1942" لفنغ شیاوكانك حول مجاعة هونان.

ويتجسّد الأهم من ذلك في الحقيقة البسيطة المتمثلة في أن الاستبداد المتزايد في الصين يتعارض مع الرواية السائدة بعد الحرب [العالمية الثانية] في أوروبا والولايات المتحدة، التي تفسر سبب خوض الحرب بإنقاذ الديمقراطية من الفاشية. وباعتباره حزب-دولة ديكتاتورية بشكل متزايد، من الواضح أنه لا يمكن لـ"الحزب الشيوعي الصيني" احتضان تلك النسخة من التاريخ أو إيجاد طريقة سهلة لإقحام الصين فيها. ووفق ما يشير ميتر بوضوح، "بالكاد يكون إبقاء العالم آمناً للاستبداد الاستهلاكي مُغرياً للغاية في القرن الحادي والعشرين"، خصوصاً بالنسبة إلى الديمقراطيات الرائدة التي تواصل وضع الكفاح من أجل الحرية في قلب قيمها الوطنية. وفي الواقع، دفعت دولة الرقابة المتزايدة التي يديرها "الحزب الشيوعي الصيني" ومعسكرات "إعادة التثقيف" والاعتقالات الوحشية في شينجيانغ عدداً من المراقبين الخارجيين إلى اتهام الرئيس شي بإحياء الفاشية.

يستمر الحزب الشيوعي الصيني في قمع الروايات بلا هوادة، سواء كانت حول هونغ كونغ أو التيبت أو شينجيانغ

هناك أيضاً بعض المخاطر في استراتيجية بكين لإعادة صياغة تاريخ الصين من أجل التأثير في تصورات دورها الحالي والمستقبلي المحتمل في العالم. كلما صوّرت الصين نفسها على أنها تدافع عن نظام ما بعد الحرب، يتزايد شعور مواطنيها بأن بلدهم يستحق مزيداً من النفوذ والدور المركزي في الشؤون الدولية خلال العقود المقبلة، ما لن تتقبله بقية دول العالم على الأرجح. وإذا واجهت الصين معارضة منسقة مشتركة لطموحاتها العالمية، فقد يتعيّن على "الحزب الشيوعي الصيني"، والعالم، أن يتعاملا مع شعور متزايد بالظلم وخيبة الأمل والاستياء لدى الشعب الصيني.

استطراداً، تتجاوز هذه الديناميكية جهود بكين في إعادة صياغة التاريخ بالطبع. على مدى الأعوام الأربعة الماضية، نصّبت الصين نفسها كمدافع عن المؤسسات والاتفاقات الدولية المهددة من قبل إدارة ترمب، من "منظمة الصحة العالمية" إلى "اتفاق باريس للمناخ". وفي غضون ذلك، حاولت بكين تقليص دور القيم العالمية في النظام الدولي، ورفعت عوضاً عن ذلك التنمية الاقتصادية والأمن القومي على حساب الحقوق السياسية الفردية.

بالتالي، بالنسبة إلى جيران الصين وخصومها، فإن مزج "الحزب الشيوعي الصيني" بين التعاون والمواجهة هو ما يحدد "تحدي الصين"، أي كيفية العمل مع بكين في احتواء جائحة كورونا وإبطاء تغيّر المناخ ومنع الانتشار النووي، وفي الوقت ذاته التصدي لآثار الاستبداد المتزايد في الصين والنزاعات القومية. قد يستفيد جيران الصين من محاولة بكين إعادة صياغة تاريخ الحرب العالمية الثانية. فمن دون تأييد النسخة التاريخية للحزب الشيوعي الصيني أو تبرير عدوان بكين في الخارج وانتهاكاتها في الداخل، يمكن للقادة في واشنطن وأماكن أخرى أن يعترفوا بشكل صريح بمساهمات الصين في إنهاء الحرب العالمية الثانية وإنشاء النظام العالمي الحالي. قد يؤدي ذلك إلى تخفيف الشعور المتنامي بين المواطنين الصينيين بأن الولايات المتحدة وشركاءها لن يسمحوا للصين أبداً بلعب دور رائد على المسرح العالمي. يمكن أن يساعد هذا الاعتراف بدوره واشنطن في الضغط على "الحزب الشيوعي الصيني" كي يتراجع عن حملته الرامية إلى ترهيب ومعاقبة منتقديه في الخارج. لن يحل اتفاق من هذا النوع المشكلات الكثيرة التي تعاني منها العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، لكن هذا النوع الدقيق من الترتيب تحديداً هو الذي يتعيّن على واشنطن وبكين صياغته بشكل أفضل إذا أرادتا تحقيق بعض التعايش السلمي.

 

* جيسيكا تشين وايس، أستاذة مشاركة في الدراسات الحكومية، "جامعة كورنيل"، ومؤلفة كتاب "الوطنيون الأقوياء... الاحتجاج القومي في العلاقات الخارجية للصين"

المزيد من تحلیل