في ظل حملة القمع الصينية المتواصلة على المجتمع المدني وقطاعاته المتعددة، أصدر مجلس الدولة في البلاد، الأسبوع الماضي، مجموعة من المبادئ التوجيهية أراد من خلالها الترويج لإنترنت "متحضر" عن طريق تعزيز الإشراف على المواقع الإخبارية والمنصات الإلكترونية ومطالبتها بتعزيز القيم الاشتراكية.
ووفقاً لهذه المبادئ التوجيهية، على الفضاء السيبراني تثقيف الرأي العام بشأن "الحزب الشيوعي الصيني" (CCP) وإنجازاته، مع اعتماد موقف واضح ضد "العدمية التاريخية" أو أي محاولة لاغتنام أحداث الماضي فرصة لتحدي الدور القيادي للحزب.
وعليه، من جهة أخرى، تعزيز القيم الأخلاقية الحميدة بالإضاءة على الأمثلة الجيدة التي ضربها "العمال النموذجيون". وبالنسبة إلى المنصات الإلكترونية تحديداً، فعليها غرس الأخلاقيات والقواعد في نفوس الأجيال الصاعدة بناءً على القيم الأساسية للاشتراكية، ومن خلال توضيح الكيفية "الصحيحة" و"الآمنة" لاستخدام الإنترنت.
وقد علمنا أن هذه الأنظمة والقواعد مستنبطة من مسودات سابقة للمبادئ التوجيهية، ويؤمل منها أن توفر للقاصرين في الصين حمايةً أفضل من التنمر الإلكتروني، وأن تكافح الأخبار المزيفة وتتحقق من الحسابات الوهمية.
وتأتي هذه المبادئ التوجيهية في خضم حملة القمع الواسعة التي يشنها "الحزب الشيوعي الصيني" على العديد من القطاعات في الصين، بما فيها قطاعات الترفيه والتعليم والتكنولوجيا، وبعد أن فرضت الحكومة قيوداً جديدة على مقدار الوقت الذي يسمح فيه للقاصرين بلعب ألعاب الفيديو كل أسبوع، وطهرت منصات بث الفيديو عبر الإنترنت من محتويات خاصة ببعض المشاهير.
كذلك، أطلقت الحكومة حملة لمكافحة الاحتكار ضد بعض أكبر عمالقة التكنولوجيا في الصين، من قبيل "علي بابا" (Alibaba)، و"ديدي شوكسينغ" (Didi Chuxing)، حيث فرضت على كل منها غرامات قياسية، وأجبرتها على تعليق خططها لإطلاق اكتتابات عامة أولية في الخارج.
وفيما لا يزال كثيرون يحاولون فهم نية بكين وراء الخطة التوجيهية الجديدة، يعتبر بعض المحللين أن جوهر هذه الخطة لا يختلف كثيراً عن جوهر التصريحات الأخرى السابقة لـ"الحزب الشيوعي الصيني".
تصعيد القمع في الصين أرعب أناساً كثيرين، والنتيجة: سخط كبير ومحاولات لتجاوز جدار الحماية العظيم. ليو ليبنغ
فعلى حد قول ليو ليبنغ، مراقب سابق لدى موقع "ويبو" (Weibo) الصيني وصحافي في "تشاينا ديجيتال تايمز" ((China Digital Times الكائن في الولايات المتحدة، "ما فتئ "الحزب الشيوعي الصيني" يصدر وثائق مماثلة لسنوات. وفي كل وثيقة من هذه الوثائق، كان يحرص على تأكيد أهمية القيم الاشتراكية الأساسية".
"يبدو لي أن الأمور لم تتغير عما كانت عليه في الماضي، لكن ثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي الدرجة المفرطة للقيود التي فرضها ويفرضها "الحزب الشيوعي الصيني" على المجتمع المدني. من الواضح أن الإجراءات القمعية ضد ثقافة المعجبين على الإنترنت تأتي من القيادة العليا للحزب، وإن كان التصريح بها يتم على مستوى الوزارات"، أردف ليبنغ.
والمعروف عن "الحزب الشيوعي الصيني"، بحسب ليبنغ، أنه يهوى جعل أفراد معينين أو قطاعات معينة نموذجاً يحتذى به، لكن حملة القمع الصارمة هذه إنما تعكس تصميم الحزب على إحكام قبضته على قطاعات معينة، حتى لو تطلب منه ذلك القضاء على المساحة المتاحة لها للتوسع والنمو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى آخرون أن جل ما فعلته الحكومة الصينية هو فرض مجموعات مختلفة وغير منسقة من السياسات بحق قطاعات متعددة، بدلاً من الاكتفاء بمجموعة واحدة من التوجيهات. "وتأتي هذه السياسات في مجموعات مختلفة وهناك درجة عالية من التنسيق في التأكيد على الأخلاق وضمان تعليم الأطفال تعليماً صحيحاً بالتعويل على إرشادات جيدة"، أوضحت روي زونغ، مساعدة برامج لدى "معهد كيسنجر للصين والولايات المتحدة" (Kissinger Institute on China and the US) في "مركز ويلسون" (Wilson Center).
فاستناداً لما أفادت به زونغ لـ"اندبندنت"، هناك الكثير من التغييرات والمقترحات المرتبطة بأخلاقيات الأطفال والمراهقين في الصين، والسلطات تستخدم مجموعة أدوات مختلفة لضمان عدم انحراف المجتمع المدني عن المسار المحدد له من قبل الحكومة. نعم، "تستخدم الحكومة الصينية أدوات مختلفة لتضييق الخناق على ما تعتبره الهيئات التنظيمية انحرافات عن الأعراف الاجتماعية التي يمجدونها".
والأرجح أن يصب هذا الوابل من الإجراءات في مجرى زيادة الرقابة على الإنترنت. وكما ذكر ليو ليبنغ في حديثه لـ"اندبندنت"، "من الممكن جداً أن تسهم هذه الإرشادات في زيادة الرقابة على الإنترنت في الصين، والتي لم تكن يوماً مرنة".
"هم العقل المدبر للنظام الرقابي، ولا شك سيكون للسياسات التي يطرحونها تأثيرات هائلة على عادات المستخدمين. من الجلي أن هذه الحملة القمعية الواسعة أثارت سخط عدد كبير من مستخدمي الإنترنت داخل الصين، الأمر الذي سرع وتيرة السيطرة من وجهة نظر أولئك الذين هم خارج البلاد".
إما أن يتكيف صناع المحتوى مع التوجيهات الجديدة وإما أن يختفوا ويحل أصحاب المحتوى المقبول محلهم. روي زونغ
ومن بين النتائج المحتملة لفرض المبادئ التوجيهية الجديدة هو اقتصار أغلبية المحتوى السيبراني "المتبقي" على المحتوى الأكثر وطنية أو الأكثر انسجاماً مع الأنظمة الحكومية. وبناءً عليه، أكدت روي زونغ أنه سيكون "على صناع المحتوى إما أن يتكيفوا مع التوجيهات الجديدة، وإما يختفوا ويحل أصحاب المحتوى المقبول محلهم"، "فالمحتوى غير اللائق مصيره الحذف ليستبدل بالمحتوى المقبول".
ولربما كانت تأمل الصين في البداية إرساء بيئة إلكترونية تكون معزولة عن بقية العالم وتضم مستخدمين صينيين موحدين في وعيهم، لكن تصاعد القمع المفاجئ عكس الأمور رأساً على عقب. وعلى حد تعبير ليبنغ: "تصعيد القمع في الصين أرعب أناساً كثيرين. والنتيجة: سخط كبير ومحاولات لتجاوز "جدار الحماية العظيم".
"وقد تجري رياح هذه الممارسات بما لا تشتهيه سفن الصين، لكنني لا أعتقد أن حكومة البلاد تأبه لذلك. فسيطرتها على المجتمع المدني لا تزال قوية، وفي حال تفاقم الوضع، يمكنها أن تحاول دائماً اعتقال أولئك الذين يخالفون القواعد"، ختم ليبنغ.
© The Independent