Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف فشلت تونس في اقتلاع "ضرس" الاحتكار والقضاء على المضاربين؟

إجماع من المنظمات المتخصصة على أن هناك تمرداً على الدولة وعجزاً لدى وزارة التجارة في التصدي الجدي لهذه الأزمة

أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أنه سيتم تطبيق القانون على كل من يحاول العبث بقوت المواطن أو يعمد إلى حرق الحقول والغابات (أ ف ب)

يُجمع عديد من التونسيين على أن وزارة التجارة وعدداً من الهياكل المعنية فشلت في اقتلاع "ضرس" الاحتكار والمضاربة التي تغلغلت في الفترة الماضية، ولم تجد الوزارة الحلول الجذرية للحد من تنامي الاحتكار الذي أضرّ بقوت التونسيين، وألهب الأسعار بشكل جنوني، لم يعد باستطاعة التونسي البسيط مجاراته.

ويستفيق التونسيون تقريباً يومياً على أزمة جديدة، آخرها أزمة توفُر البيض، الذي فُقد من السوق، وسط مطالبة المنتجين والموزعين بوجوب الترفيع في سعر الـ4 بيضات، الأمر الذي ألهب السوق، وأربكها، وتتعدد الأزمات من هذا النوع تقريباً كل شهر، فضلاً عن عجز وزارة التجارة عبر هياكلها المتمثل أساساً في جهاز المراقبة الاقتصادية على التصدي لمثل هذه الممارسات المُخلّة بالمنافسة النزيهة.

وأكبر دليل على أن "ضرس" الاحتكار لم يتم اقتلاعه، هو ضرب المضاربين بعرض الحائط لكل قرارات وإجراءات تسقيف أسعار عدد من المنتجات الأساسية على غرار البطاطا، والبيض، والدجاج، ووصل الأمر إلى أبعد من ذلك بتعمد المحتكرين إخفاء المنتجات للمضاربة بها عند تسقيف أسعارها، في حركة منهم لإرباك السوق، علاوة على أنه حتى صغار التجار، يرفضون بدورهم تطبيق التسعيرة الجديدة، ولا يبالون بتطبيق القانون.

صراع يومي مع لوبيات الاحتكار

واعتبر لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة)، أن ما يحدث الآن في تونس من غلاء فاحش للأسعار أمر غير مقبول بالمرة، وأن وزارة التجارة التونسية تتصارع يومياً مع لوبيات الاحتكار والمتاجرين بالقدرة الشرائية لعموم التونسيين. وأكد أن هناك "حرباً مستعرة" بين مصالح المراقبة الاقتصادية بوزارة التجارة وعدد من المضاربين والمتلاعبين بالأسعار في مناطق عدة من البلاد، ما أعطى الإحساس لدى عديد من المواطنين أن الوزارة عجزت عن التصدي للممارسات الاحتكارية التي أخذت في التصاعد في السنوات الأخيرة، وتعمق من أزمة ارتفاع الأسعار واختفاء السلع. ووصف أن ما يحدث حالياً حرب بين السعي إلى تكريس دولة القانون وبين دولة الأحزاب والفساد، مشدداً على "أنه في  السنوات الأخيرة تفشّت ظاهرة سَنّ القوانين على المقاس ولعدد من المضاربين ضمن الاقتصاد الريعي الذي عمّ البلاد".

وتأكيداً على مدى الضراوة في محاربة الاحتكار والتقليص من حدّة المضاربين، قال رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، إنه في كل مرة تعمل وزارة التجارة على تحديد أسعار عدد من المواد الاستهلاكية الحساسة على غرار البطاطا، والدجاج، والبيض، إلا وتم ضرب عرض الحائط بهذه الإجراءات، وتعنت التجار في تطبيق التسعيرة الجديدة.

وتابع المتحدث، أن هناك تواطؤاً بين معظم حلقات الإنتاج عندما يقع تحديد أسعار عدد من المنتجات من خلال تعمد إخفاء البضاعة من السوق، مع التعلل بأن المواد الأولية وأعلاف الحيوانات أضحت مرتفعة جداً.

التضخم آخذ في الارتفاع

وارتفعت نسبة التضخم السنوي في تونس في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 6.4 في المئة، وأرجع المعهد التونسي للإحصاء (حكومي)، الارتفاع، إلى زيادة أسعار مجموعة مواد وخدمات النقل من 4.9 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) إلى 5.4 في المئة خلال نوفمبر، بالتزامن مع صعود أسعار النفط الخام ومشتقاته، وكذلك صعدت أسعار مجموعة مواد وخدمات التعليم من 7.8 في المئة في أكتوبر، إلى 9.1 في المئة في نوفمبر، بينما سجلت أسعار المواد الغذائية تراجعاً طفيفاً إلى 6.9 في المئة في نوفمبر الماضي، نزولاً من 7 في المئة في أكتوبر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإلى جانب ارتفاع أسعار المستهلك عالمياً، واجهت تونس خلال الأشهر الماضية ارتباكاً في الأسواق المحلية، دفع بالرئيس تونسي قيس سعيد، إلى توعد المتلاعبين في أسعار السلع ومحتكريها بعقوبات، وتطورت أسعار المواد الغذائية بنسبة 6.9 في المئة على مدى السنة، ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة 24 في المئة، وأسعار زيت الزيتون بنسبة 24.4 في المئة، وأسعار البيض بنسبة 16.4 في المئة، وأسعار الغلال الطازجة بنسبة 16.1 في المئة، وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 8.9 في المئة. وفي المقابل، تراجعت أسعار لحم البقر، وأسعار لحم الضأن على التوالي بنسبة 4 في المئة و2.6 في المئة.

وشهدت أسعار المواد المصنعة، بدورها، زيادة بنسبة 7.6 في المئة، باحتساب الانزلاق السنوي، ويعود ذلك بالأساس إلى تطور أسعار المواد الصيدلانية بنسبة 7.8 في المئة، وأسعار مواد البناء بنسبة 13 في المئة.

توعد قابله لا مبالاة وتمادٍ

أكد الرئيس التونسي قيس سعيد، في عديد من المناسبات، أنه سيتم تطبيق القانون على كل من يحاول العبث بقوت المواطن، أو يعمد إلى حرق الحقول والغابات، وقال إن عديداً من السلع اختفت من الأسواق فجأةً، بينها مواد غذائية، وفي مجال البناء والصحة، وهي موجودة في مخازن "المجرمين الذين يختلقون الأزمات". ودعا الرئيس التونسي وزارة التجارة إلى تطبيق القانون على الجميع، بخاصة مع المضاربين والمحتكرين الذين يريدون تجويع الشعب التونسي، بعد فقدان بعض السلع في الأسواق، بما فيها الأدوية، بحسب وصفه. وأضاف، "على الشعب أن يكون في مستوى هذه اللحظة التاريخية لتحرير البلاد من براثن هؤلاء المجرمين، وخزانة الدولة تنقصها المليارات، والمليارات في خزائن الذين يتخفون وراء بعض رجال السياسة المحترفين في الكذب والافتراء حتى لا تطاولهم يد القانون".

الدولة أضحت عاجزة أمام تنامي ظاهرة الاحتكار

من جانبه، أكد عمار ضية، رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك (منظمة وطنية)، أن المنظمة تظل دوماً منحازة إلى مشاغل واهتمامات المستهلك التونسي الذي قال إنه تضرر كثيراً في السنوات الماضية من غلاء الأسعار واهتراء مقدرته الشرائية. وأفاد الرئيس الجديد للمنظمة الذي تم انتخابه مند شهر، بأن ما يتعرّض له المواطن التونسي في علاقة بالمنحى التصاعدي للأسعار، ولا سيما فقدان بعض المواد الأساسية، أضحى يقلق المنظمة، ويجعلها تتحرك بسرعة لدى الهياكل الرسمية من أجل إيجاد حلول جذرية لإيقاف ظاهرة الاحتكار التي أضرّت بالقدرة الشرائية لعموم التونسيين.

وأقرّ صراحة بأن الدولة في مرحلة ما أضحت عاجزة أمام تنامي ظاهرة الاحتكار الآخذة في التغلغل بالمشهد التجاري والاقتصادي للبلاد، كاشفاً عن أنه في لقائه مع وزيرة التجارة التونسية، أخيراً، أقرّت الأخيرة بأن هناك نقصاً فادحاً في عدد أعوان جهاز المراقبة الاقتصادية في تونس للقيام بتغطية واسعة لمختلف الأسواق.

تمرد على الدولة

وشدد عمار ضية على أن هناك تمرداً على الدولة في الضرب بقراراتها بعرض الحائط وعدم الاكتراث بتطبيق القوانين، مستدلاً في ذلك على أن عدداً من أصحاب المخابز قاموا برفع سعر الخبز بمفردهم، والحال أن سعر الخبز في تونس مُدعم، وأن أصحاب المخابز تعللوا في رفع أسعارهم بارتفاع أسعار مادة "الفارينة". ووصف ضية المحتكرين والمضاربين بالمارقين على القانون، وأنه يجب محاسبتهم وتطبيق القانون بصرامة، مع دعوته إلى وجوب تشديد الرقابة على مختلف مسالك توزيع المنتجات، لكونها تشكل أولى حلقات الانفلات، بالتالي الرفع في الأسعار وإخفاء المنتوجات لأجل المضاربة بها لاحقاً، بخاصة في فترات المواسم الاستهلاكية الكبرى.

وأبرز أن لمنظمة الدفاع عن المستهلك مقاربة مغايرة في التعاطي مع مسألة الاحتكار والمضاربة بالأسعار والمنتجات من خلال اعتماد مراقبة قبلية، لا بعدية، لغرض حسن فرض الرقابة على المنتجات، ولا سيما المدعمة منها. وأعلن في هذا الصدد أنه أرسل تقريراً مفصلاً إلى رئيسة الحكومة نجلاء بودن، يتضمن مقاربة وحلولاً عملية في التحكم بالأسعار.

الإشكال في تطبيق القانون

وكشف زهير بوزيان، العضو في جهاز المراقبة الاقتصادية بوزارة التجارة، عن أن الإشكال يكمن في تطبيق القانون، موضحاً أن عدداً من القضايا الاقتصادية والتجارية يظل في أروقة المحاكم التونسية لأكثر من خمس سنوات إلى حين الإفصاح عن الحكم النهائي، ما يعطي نوعاً من الإفلات من العقاب للمضاربين والمحتكرين، كما لفت إلى أن النقص الفادح في عدد أعوان جهاز المراقبة الاقتصادية يعوق بشكل كبير تغطية النسيج التجاري التونسي، مشيراً إلى أن عدد أعوان جهاز المراقبة الاقتصادية الذين ينشطون فعلياً على الميدان في حدود 300 مقابل تعداد أكثر من 300 ألف نقطة بيع تجارية في البلاد، ما يجعل المعادلة مستحيلة. وخلص إلى أنه من الضروري تنقيح القوانين المنظمة للقطاع التجاري عبر إقرار عقوبات مالية صارمة، والحرص على  تطبيقها.