Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتحمل الاقتصاد التونسي العليل فترة انتقالية أخرى؟

يُجمع الباحثون على أن حلحلة الأوضاع السياسية لن تحل أزمة البلاد المالية

جنود تونسيون يطلقون النار في الهواء احتفالاً بالذكرى العاشرة للانتفاضة الشعبية، في سيدي بوزيد، في 17 ديسمبر الحالي (أ ف ب)

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد الاثنين 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عن جدول زمني للخروج من "التدابير الاستثنائية" التي فرضها منذ يوليو (تموز) الماضي. ويضم الجدول الزمني تحديداً، تنظيم استفتاء في 25 يوليو من العام المقبل بشأن تعديل الدستور وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 17 ديسمبر 2022 بدلاً من أكتوبر (تشرين الأول) 2024. وأضاف سعيّد في خطاب توجه به إلى مواطنيه أن التعديلات على الدستور ستأتي بعد استشارة "شعبية" عبر الإنترنت تبدأ في يناير (كانون الثاني) المقبل، مشيراً إلى أن عمل مجلس النواب سيظل معلقاً حتى انتخاب البرلمان الجديد.

كما كشف عن تنظيم "مشاورات شعبية" عبر الإنترنت ايضاً، بدايةً من يناير المقبل، بشأن الإصلاحات التي يجب إدخالها على النظام السياسي القائم بالبلاد. وأوضح سعيّد أن البرلمان "يبقى معلقاً أو مجمداً إلى تاريخ تنظيم انتخابات جديدة".
وستنطلق الاستشارة الوطنية الإلكترونية بداية يناير 2022 وتنتهي في 20 مارس (آذار) و"ستتولى لجنة تأليف مختلف المقترحات.
ولئن تباينت الآراء في تونس بين مؤيد لهذه الإجراءات السياسية ومعارض لها، ظل الجانب الاقتصادي عالقا في خطاب الرئيس، فيما تشهد البلاد أزمة اقتصادية خانقة غير مسبوقة.
وتطرح خريطة الطريق السياسية الجديدة ما إذا كان الاقتصاد التونسي العليل والمتهاوي قادراً على تحمل سنة أخرى تطغى فيها التحديات السياسية والانتخابية على حساب الأوضاع الاقتصادية والمالية المتردية، بخاصة الأوضاع المعيشية، في ظل الارتفاع الصاروخي لجل أسعار المواد في تونس.
واجمع الباحثون الاقتصاديون على أنه بقدر ما تم توضيح الخارطة السياسية في البلاد، فإن المسائل الاقتصادية ظلت مُغيَبة في تصورات وخطابات الرئيس قيس سعيد، معتبرين أن العام المقبل لن يكون سهلاً، إذ تنتظر تونس تحديات اقتصادية عميقة.

برنامج إصلاحات اقتصادية

واعتبر أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، ارام بلحاج، أن "الإعلان عن خريطة طريق سياسية يُعد أمراً إيجابياً للفاعلين الاقتصاديين وللاقتصاد التونسي ككل"، موضحاً أن "الدخول في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي والتفاف الشركاء المطالبين سابقاً بخريطة طريق، سيفتح الطريق أمام عملية تعبئة الموارد المالية الضرورية لسنة 2022".
وأكد بلحاج أنه "لن يكفي الحصول على الموارد المالية إذا لم يتم الشروع في الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة"، مشيراً إلى أن "الربع الأول من العام المقبل سيكون مفصلياً بالنسبة إلى تونس". 

وتابع قائلاً في هذا الصدد، "إذا تم إعداد برنامج إصلاح يقنع الأطراف الداخلية والخارجية على حد السواء ستنجح تونس في الخروج تدريجاً من أزمتها".
ونبّه بالمقابل إلى أنه "في صورة حصول سيناريو عكسي، فإن المخاطر الاجتماعية والسياسية ستزيد، بل ستتعقد أكثر مما هي عليه الآن، مع فتح سيناريوهات شبيهة بالوضع في لبنان".

دستور اقتصادي

وأكد الأستاذ الجامعي، على أن تونس تحتاج إلى "دستور اقتصادي" يجمع المواطنين ويضم أبواباً عدة، من بينها، باب خاص بالمبادئ الاقتصادية الأساسية العامة يحدد دور الدولة، ودور المؤسسات وحتى دور الأفراد، وباب خاص بالحريات الاقتصادية يحدد سقف الحقوق المتاحة للفاعلين الاقتصاديين في إطار القيام بأنشطتهم الاقتصادية، إلى جانب باب يُعنى بالسياسات الاقتصادية يُحدد دور وطريقة تنفيذ كل سياسة اقتصادية (مالية، اجتماعية، مصرفية...) وباب خاص بالهيئات الاقتصادية يحدد دور كل هيئة وعلاقتها بالمؤسسات والأفراد.

وأفاد بلحاج بأنه "عندما تُحدد المبادئ والمعايير الاقتصادية عبر تلك الأبواب ويفهمها الشعب، ويصادق على هذا النوع من العقد الاقتصادي والاجتماعي، ستنهض تونس ويزدهر اقتصادها ويرتقي الشعب".
ولفت إلى أن "فكرة الدستور الاقتصادي ليست بدعة، بل هي فكرة رسم ملامحها الاقتصادي الأميركي جيمس بوكانان الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد في عام 1986 وتبنتها دول عدة".
ولم تتمكن تونس منذ سنوات من الخروج من مشكلاتها الاقتصادية التي تحولت تدريجاً إلى أزمة مالية استفحلت بخاصة مع تفاقم ديونها الخارجية. وتوقع متابعون كثر أن تلجأ تونس إلى "نادي باريس" لمعالجة ديونها المتراكمة التي وصلت إلى 41 مليار دولار في عام 2020.

خارطة طريق اقتصادية

ومن جانب آخر، قال أنيس الوهابي، الخبير المحاسب المختص في مسائل الموازنات، إن "خطاب رئيس الجمهورية الأخير لم يتطرق إلى الجوانب الاقتصادية والمالية للبلاد"، مشيراً إلى أن "خطابات الرئيس مركزة بالأساس على الجوانب السياسية فقط من دون إيلاء اهتمام بالجانب الاقتصادي والأزمة المالية الحادة التي تمر بها البلاد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "ولئن تم تسجيل شبه وضوح في الخريطة السياسية للبلاد بالإعلان عن إجراءات سياسية حاسمة، غير أنه لم يقع بتاتاً تحديد خريطة اقتصادية لتونس في الفترة المقبلة"، معرباً عن أمله في أن يحظى الملف الاقتصادي باهتمام متزايد من أعلى سلطة في البلاد حالياً.
وأبرز أنيس الوهابي أن "وضع سقف زمني للأوضاع الاستثنائية في الجوانب السياسية بسنة كاملة أمر طويل ومضن بالنسبة إلى الاقتصاد التونسي"، مشيراً إلى أنه "كان بالإمكان اختصار الفترة الزمنية بأقل من عام، لا سيما وأن تسيير شؤون البلاد يتم حالياً بمراسيم رئاسية". وزاد في السياق ذاته أن "الحضائر السياسية التي سيقع فتحها في عام 2022 سيكون لها تأثير مباشر على الجوانب الاقتصادية"، موضحاً أنه "في كل سنة انتخابية لا يتم عادةً سَنّ إصلاحات كبيرة وذلك بهدف تهدئة الأوضاع".
وتابع الخبير المحاسب أن "عام 2022 لن يكون سهلاً من منطلق أنه لن تكون لتونس في العام المقبل قروض خارجية لسدادها، ولكن يجب أم تهتم الحكومة أكثر بسبل تغطية عجز الموازنة المتراكم الذي بلغ في العام الحالي 9.7 مليار دينار أي 3.4 مليار دولار".
يُشار إلى أن تونس تعاني من أمراض اقتصادية عدة، لعل أبرزها تواصل تسجيل نسب بطالة مرتفعة وصلت إلى 18 في المئة حالياً، وارتفاع نسب الفقر إلى مستوى 22 في المئة، في ظل عجز الحكومات المتعاقبة في العقد الأخير على إيجاد "الوصفة" الملائمة للحل.

سنة صعبة أخرى

بدوره رحَب رضا الشكندالي، أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، بعملية تحديد الفترة السياسية الاستثنائية زمنياً، إلا أنه بين أن "حكومة نجلاء بودن أصبحت في حكم المؤقتة، ما يطرح صعوبات وضغوطات اقتصادية جديدة، وفي مقدمتها الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي".

وفسَر أن "صندوق النقد الدولي لا يتفاوض مع حكومات مؤقتة، في حين أن تونس ترغب في إبرام اتفاق قرض جديد يمتد في أدنى تقدير لمدى ثلاثة أعوام".

وبناءً على ذلك أبرز الشكندالي أن "شكوكاً كبيرة تحوم حول مدى إنجاز موازنة تونس للعام المقبل من دون تمويل صندوق النقد الدولي"، مستدلاً في ذلك على أنه "حتى تاريخ اليوم لم يُعلَن عن حجم موازنة تونس في العام المقبل، ما يعكس حالة من التخبط والغموض".
ولفت إلى أن "صندوق النقد الدولي اشترط على تونس أن تكون الإصلاحات الاقتصادية محل توافق واسع من المنظمات الوطنية والأحزاب، لكن دائرة المعارضين توسعت إثر قرارات سعيد الأخيرة، ما يجعل هذه الإصلاحات غير ممكنة من وجهة نظر الصندوق، ما سيعقد المسائل الاقتصادية والمالية بالنسبة إلى تونس أكثر".

وختم الشكندالي بالقول إن "عام 2022 سيكون صعباً على تونس من الناحية الاقتصادية على الرغم من حلحلة الأوضاع السياسية نسبياً".