عاد التوتر مجدداً بين الجزائر والمغرب على خلفية الاتهامات بوجود جنود إيرانيين في قواعد للجيش الجزائري على بعد كيلومترات قليلة من مخيمات اللاجئين الصحراويين بمنطقة "تندوف"، ما أثار المخاوف من تحول الصراع بين الجارين إلى حرب بالوكالة عن إيران وإسرائيل.
دخول إيران على الخط
ويتواصل "الاحتقان" بين الرباط والجزائر على الرغم من انخفاض حدته في الفترة الأخيرة، وفي حين فشلت أطراف عدة في إيقاظ فتنة نائمة على هامش لقاء كأس العرب بين منتخبي البلدين، حيث دفعت إلى تصادم الجماهير واللاعبين عبر التصريحات المتبادلة والأخبار الكاذبة، جاء الدور إلى حديث وجود عسكريين بالجزائر لدعم جبهة "البوليساريو" في حربها ضد القوات المغربية.
ونشر موقع "ساحل أنتيليجونس" تقريراً يتحدث عن وجود جنود من "حزب الله" والميليشيات الإيرانية بقواعد الجيش الجزائري، لمواجهة الجيش المغربي.
الجزائر ترد
ولم يمر "الاتهام" على الهامش، إذ ردت الجزائر على لسان المبعوث الخاص للصحراء الغربية ودول المغرب العربي، عمار بلاني، الذي قال إن هذه المزاعم ما هي إلا نسيج من الأكاذيب السخيفة والمثيرة للضحك.
وأضاف أنه "مجرد تضليل إعلامي وبروباغاندا تقف وراءها المديرية العامة للدراسات والمستندات، الذي هو جهاز الاستخبارات ومكافحة التجسس التابع للجيش المغربي"، مبرزاً أن "سمعة هذا الموقع الإلكتروني هي احتضان ونشر كل المعلومات الكاذبة التي تطبخها المديرية العامة للدراسات والمستندات المغربية".
طهران وتل أبيب وجهاً لوجه
وتنظر الجزائر بارتياب للتقارب المغربي - الإسرائيلي وتعتبر الاتفاقيات الموقعة بينهما تستهدف "أمنها وسيادتها". في المقابل ترى الرباط أن الجزائر تسعى إلى تقارب استراتيجي مع إيران التي تعلن العداء علناً لإسرائيل ولا علاقات دبلوماسية لها مع الرباط، من أجل دعم جبهة "البوليساريو".
ويبدو ظاهراً أن التوتر بين الرباط والجزائر بات يستخدم إيران وإسرائيل في تبادل الضربات تحت الحزام، حيث يرتكز المغرب في إثارة الجزائر على إقحام طهران، بينما تتمسك الجزائر في "إقلاق" المغرب بكشف مخاطر السلام مع تل أبيب، في مشهد جعل المخاوف تتزايد من تحول المنطقة إلى ساحة معركة بين إيران وإسرائيل يدفع ثمنها الشعبين الجزائري والمغربي.
مبدأ فرق تسد
وفي هذا السياق، يقول الباحث المصري المهتم بالشؤون العربية، رئيس مركز "الجمهورية الجديدة" للدراسات السياسية والاستراتيجية، حامد فارس، إنه على الرغم من العلاقات الأزلية التي تجمع الشعبين الشقيقين والحدود المشتركة وروابط التاريخ التي تضرب بجذورها في الأعماق، فإن هناك قوى إقليمية معروفة بعينها تستغل حالة التوتر الشديد وقطع العلاقات والنزاع على بعض القضايا العالقة التي لم يتم التوصل لحلول لها، من أجل العمل على توسيع الهوة والفجوة بينهما بهدف تحقيق مصالحها الخاصة على حساب الدولتين الشقيقتين وعلى حساب الأمن القومي العربي اتفاقاً واتساقاً مع مبدأ فرق تسد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشدد أن إسرائيل وإيران تسعيان إلى استغلال هذه الخلافات لتحقيق مآربهما في هذه المنطقة المهمة من أفريقيا والعالم، حيث إن إيران سارت عكس البوصلة الدولية، وأعلنت بكل وضوح تأييدها قرار الجزائر قطع العلاقات مع المغرب بحثاً عن موطئ قدم لها في شمال أفريقيا لكسب مواقع جديدة تكون وسيلة ضغط على الغرب والولايات المتحدة الأميركية في هذه المنطقة.
ويتابع فارس، أن ما زاد من وتيرة سعى إيران للتدخل في المنطقة هو اتفاق السلام الذي وقع بين تل أبيب والرباط، والرفض القاطع من الجزائر لقبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب، وهو الهدف الذي سعت إليه تل أبيب منذ أكثر من عقدين، موضحاً أن تضارب المصالح الجزائرية والإسرائيلية وعدم اعتراف الجزائر بدولة إسرائيل حتى هذه اللحظة وتوصيفها بالكيان الصهيوني جعل إسرائيل لا تريد نهاية للصراع الجزائري المغربي، بل العمل على تغذيته لتحقيق مصالحها في شمال أفريقيا، بالتالي فإن طهران وتل أبيب يعملان معاً في اتجاه واحد هو كيفية زيادة حدة التوتر والصراع بين البلدين الشقيقين لتحقيق أهدافهم ومصالحهم الخاصة، لكن كل بحسب طريقته، ولو كان ذلك على حساب استقرار المنطقة وزعزعة الأمن القومي العربي، وهي أهداف رئيسة يسعيان لها دائماً وأبداً.
ويواصل رئيس مركز "الجمهورية الجديدة" للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن سير الأمور بهذا الشكل سيؤدى إلى مزيد من التصعيد المتبادل الذي لا تُحمد عقباه، ومواجهة كارثية تتعارض مع مصالح الشعبين وتمثل تهديداً صريحاً للأمن القومي العربي باعتبار الجزائر والمغرب من الركائز الأساسية للحفاظ عليه، مبرزاً ضرورة تغليب لغة العقل والحكمة، والعمل على بناء تفاهمات جديدة للقضايا الشائكة والعالقة، وبناء جدار من الثقة يكون أساساً يمكن البناء عليه لتحقيق مستقبل واعد للشعبين الشقيقين، بخاصة أن البلدين يجمعهما مبدأ مهم، وهو وحدة المصير المشترك.