يقترب الرئيس الأميركي جو بايدن بسرعة من فترة انتخابات التجديد النصفي، ومن الآمن القول إن سياسته التجارية، حتى الآن، أقل تصادمية من سياسات سلفه دونالد ترمب. وهي بالتأكيد أقل حمائية إذ كانت قد أعلنت الممثلة التجارية الأميركية كاثرين تاي إبرام صفقات مع أوروبا لتعليق مليارات الدولارات من الرسوم الجمركية على التجارة عبر الأطلسي. وتشمل تلك الصفقات نزاعاً دام عقوداً بين "إيرباص" و"بوينغ" (تم تأجيلها الآن)، وتعليق حملة ترمب للأمن القومي المثيرة للجدل على الصلب والألمنيوم.
قضايا عالقة
وعلى الرغم من الإعلان الأميركي، ما زالت هناك قضايا عالقة بين الجانبين مثل إعانات الطائرات وهي موضوع محادثة مستمرة، إضافة إلى ذلك، وبدلاً من العودة إلى التجارة الحرة، هناك حصص، وبغض النظر، فقد ولت التعريفات في الوقت الحالي.
ولكن في الأفق تختمر العاصفة، فالمشكلة الأولى والأكثر إلحاحاً هي التهديد الذي تتعرض له الصفقة التجارية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، والذي تشكله اعتمادات بايدن الضريبية على السيارات الكهربائية، وهددت كندا بتعليق أجزاء من الاتفاقية (على وجه التحديد الأجزاء المتعلقة بحصص الألبان التي تعتقد أن الولايات المتحدة تحبها والتي تعتبرها امتيازاً من جانبها) انتقاماً من الإعفاءات الضريبية، كما هددت أوتاوا بفرض رسوم جمركية على قطاع السيارات في الولايات المتحدة، وتخطط لنشر قائمة بالمنتجات الإضافية المقترحة لفرض الرسوم الجمركية عليها قريباً.
خطة الائتمان الضريبي
تجدر الإشارة إلى أن خطة الائتمان الضريبي للولايات المتحدة لا تزال في شكل فاتورة لم يتم تجاوزها حتى الآن، ويمكن أن يتغير شكلها. وحتى الآن، لا يبدو أن هناك أي جهد كبير لتغييرها على الرغم من الضغط المكثف من قبل المسؤولين الكنديين والمكسيكيين، كما أعربت أوروبا عن استيائها من الاقتراح، وشكا رئيس التجارة بالاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس من أن المقترحات لا تتوافق مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
وهناك قضية أخرى تلوح في الأفق وهي مسألة دعم الرقائق، حتى الآن، تتفق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أن دعم صناعات أشباه الموصلات فكرة جيدة، وتقترح الولايات المتحدة استثمار مليارات الدولارات في تعزيز تصنيع الرقائق المحلي، والاتحاد الأوروبي يطرح خططاً مماثلة، ويقول الجانبان إنهما على اتصال مع بعضهما البعض حول أفضل السبل للقيام بذلك لتجنب سباق الدعم، والذي، كما وصفته رئيسة المنافسة في الاتحاد الأوروبي مارغريت فيستاجر في تصريحات سابقة لصحيفة "فايننشال تايمز"، بأنه "إهدار لأموال دافعي الضرائب"، وسيكون الدعم في أوروبا "مناسباً ومتناسباً وضرورياً"، وفي الولايات المتحدة "يتم إنشاء أساس قانوني لتقديم الإعانات"، لكن في واشنطن، بدأ الدبلوماسيون الأوروبيون في القلق بشأن هذه القضية، وأعرب أحدهم عن أسفه لأنه كان من الممكن أن تصبح "إيرباص - بوينغ الجديدة".
أيام منظمة التجارة العالمية ولّت بلا رجعة
وماذا عن منظمة التجارة العالمية؟ ربما تكون منظمة التجارة العالمية مكاناً جيداً لمناقشة هذا الأمر، لكن أيام اهتمام الولايات المتحدة بما هو متوافق أو غير متوافق مع منظمة التجارة العالمية قد ولّت بلا رجعة، لقد منعت الولايات المتحدة للتو تعيين قاضي محكمة الاستئناف لما يشبه المرة الـ 48 بحسب مسؤولي مكتب الممثل التجاري الأميركي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول الأميركيون إنهم مهتمون بمنظمة التجارة العالمية وإصلاحها، وإنهم يهتمون بإتمام مفاوضات المصايد إذ تعتبر الولايات المتحدة خامس أكبر منتج للأسماك والمنتجات البحرية، في حين أن العديد من المنظمات المتعددة الأطراف، مثل منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، أثارت مخاوف بشأن الأثر البيئي لدعم مصايد الأسماك والمساهمة في القدرة المفرطة والصيد الجائر، ولكن من غير المرجح أن تكون هناك أي سمكة متبقية في البحر بحلول الوقت الذي يتمكن فيه الدبلوماسيون التجاريون في جنيف من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن هذا الموضوع. في غضون ذلك، في واشنطن، يتمتم الأوروبيون بشأن سباق الدعم الجديد.
كما أشار سايمون ليستر، الذي كان يعمل سابقاً في مؤسسة "كاتو" الفكرية، والآن في موقع "تشاينا تريد مونيتر"، وهو موقع إخباري على "تويتر"، يبدو أن إدارة بايدن تريد نطاقاً أكبر للسياسات الحمائية، بينما تقاوم الأنظمة مثل الرقمية الوليدة في أوروبا، وقانون الأسواق، الذي يجادل بأنه يؤثر "بشكل غير متناسب" في الشركات الأميركية.
يبدو أن أي جهد لتنظيم أو فرض ضرائب على شركات التكنولوجيا الأميركية يدفع واشنطن إلى اتهام أي حكومة تحاول إنشاء قوانينها السيادية أو نظامها الضريبي بالتمييز غير العادل، (كانت الولايات المتحدة غاضبة على نطاق واسع بشأن فرض دول أخرى ضرائب على الخدمات الرقمية أيضاً)، ومع ذلك، فإن واشنطن نفسها تريد أن يكون لها مطلق الحرية في دعم وتحفيز الصناعات التي تختارها (مثل السيارات الكهربائية أو الرقائق).
وقد تكون القضايا القديمة مثل "إيرباص – بوينغ" والصلب قد تم تجاهلها عندما يتعلق الأمر بأوروبا، لكن التناقضات قد تصل في النهاية إلى ذروتها، والمشكلات الأكبر، وتلك التي تهدد بتحدي قواعد التجارة العالمية بشكل أساسي، ما زالت تنتظرنا بينما تضغط الولايات المتحدة على عقيدة جديدة للاعتماد على الذات وسلاسل التوريد الآمنة.