Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد 3 سنوات... هل عاد السودانيون إلى المربع الأول؟

"الجيل الذي يقودها اكتسب الآن خبرات نوعية ومهارات عالية في التعامل مع حركة القمع المضادة"

على الرغم من مرور ثلاث سنوات على ثورة ديسمبر (كانون الأول) السودانية، التي أطاحت في أقل من أربعة أشهر من اندلاعها في نهاية عام 2018، بأطول نظام حكم البلاد منذ الاستقلال في عام 1956 إذ امتد ثلاثة عقود، وذلك بعزل الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، لكنها لم تصل إلى مبتغاها، بل عادت الثورة مجدداً إلى المربع الأول بإعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) حال الطوارئ في البلاد وإلغاء الشراكة مع المدنيين، فانتظمت المواكب والمسيرات الاحتجاجية في الشارع السوداني لمناهضة قرارات البرهان التي اعتبرتها غالبية القوى السياسية والمدنية والمجتمعية "انقلاباً عسكرياً". 

فما الأسباب والتحديات التي حالت دون الوصول إلى خاتمة للثورة بإقامة حكم مدني كامل الأركان، وكيف يمكن تهدئة الأوضاع الملتهبة حالياً في البلاد بإيجاد حلول مرضية للجميع تفادياً للانزلاق؟ 
مسارات لولوبية

يقول الكاتب السياسي الجميل الفاضل، "إن ثورة ديسمبر هي بطبيعة الحال ثورة مكتملة الأركان، إذ توافرت فيها عناصر أساسية يمكن أن تؤدي إلى إحداث تغيير جذري في الحياة السياسية السودانية خلافاً لما حدث في ثورتي 1964 و1985. من ميزات هذه الثورة أنها ثورة محروسة من قبل شارع قوي وواعٍ، فقد ظل يتتبع ويراقب مسارها وانحرافاتها طيلة الثلاث سنوات بذات الحيوية والسلمية، صحيح أنه في أحيان كثيرة أصاب الشارع حال من الوجوم والإحباط، لكن تظل جذوة الثورة متقدة وحاضرة وسرعان ما تهب رياح تكشف الحقائق". 

وتابع الفاضل، "بشكل عام، فإن الثورات في العموم لها مسارات لولوبية ولا تسير في خط مستقيم، لأن الحراك الجماهيري معقد بطبيعة التكوين البشري، كما أن اختلاف الرؤى والمشاعر يحدث تقاطعات عدة تؤدي إلى درجة من التراجع، لكن عندما تمس الثورات المضادة جوهر القضية سرعان ما يتجمع الطيف الثوري ليؤكد أن الثورة حاضرة، وهذا ما حدث عندما أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قرارات 25 أكتوبر، إذ خرج الشارع في لحظتها دفاعاً عن ثورته ومكتسباتها". وأضاف، "أجد أن الثورة السودانية تعد واحدة من الثورات الكبرى التي شهدها العالم على مر العصور كالثورة الفرنسية والبلشفية والأميركية، إذ تحمل في جوفها جذوراً عميقة وتدل مؤشراتها على أنها تجربة فريدة ذات أبعاد وقيم راسخة، بالتالي فإنني على يقين تام بأنها ستصل إلى هدفها مهما طال الزمن أم قصر، فمعظم الثورات مرت بحال من الانكسار والتراجع والثورة المضادة وسقوط القتلى في الشوارع بسبب انفجار حمامات الدم، لكن في نهاية المطاف استطاعت تلك الثورات أن ترسخ لشعارات الحرية والعدالة وسيادة القانون، وهو ذات الطريق الذي تسلكه ثورتنا العظيمة، وبلا شك ستتحقق هذه الغايات وتصبح تلك الشعارات العميقة واقع معاش". 
وعي ويقظة

ومضى الكاتب السياسي للقول، "إن من ميزات هذه الثورة أيضاً أن الجيل الذي يقودها اكتسب الآن خبرات نوعية ومهارات عالية في التعامل مع حركة القمع المضادة، كما اكتسب دراية خاصة في قراءة المشهد من خلال الجهات التي تريد احتواء هذه الثورة وتفريغها من مضمونها بإعادة الماضي بكامل تفاصيله من حيث الشخوص والأساليب والإدارة والمنهج، وفي تقديري أن هذه اليقظة العالية تدل على وعي كبير ومكتسب لهذا الجيل". 

ولفت إلى أنه "عندما بدأت الثورة في نهاية عام 2018، كان هناك جسم يقودها ممثلاً في تجمع المهنيين السودانيين، إذ لا أحد يعرف مَن الذي يديره ويخطط له ومَن هم رموزه وقيادته، والآن ظهرت أجسام أخرى كلجان المقاومة تقوم بذات الدور وبيدها مفاتيح هذا الحراك من دون أن يكون لها قيادة معروفة، وكان هذا الغموض سر نجاح الثورة، لأنه إذا كانت هناك قيادة محدَدة في أشخاصها لكانت تعرضت لمحاولات التشويه، وبالتالي ينعكس ذلك على الثورة سلباً". وأكد أن "ما يُلاحظ في المسيرات التي تخرج الآن في الشوارع تضم أجيالاً مختلفة ما يجعل مسيرة الثورة تمتد لعقود من الزمن، حيث امتدت روحها للأطفال الصغار الذين يرددون داخل منازلهم وعند خروجهم في الشوارع أناشيد وأهازيج الثورة ويقومون بوضع المتاريس كأنها جزء من ألعابهم اليومية، لذلك إذا لم تستكمل الثورة أهدافها فلن تنطفئ أبداً". 

ورأى الفاضل أن "الثورة السودانية قادرة على أن تضع فاصلاً بين مرحلة وأخرى"، لافتاً إلى أنه غير متعجل بأن تصل الثورة لنهايتها، "فالثورة الفرنسية ظلت متقدة عشر سنوات حتى وصلت لهدفها، لكن من المؤكد أن ثورة ديسمبر ستضع حداً للدائرة الشريرة التي تحاول المقاومة بأشكال مختلفة، وذلك لما يتمتع به القائمون عليها من الشباب من إبداع وعقلية هائلة باستخدام نماذج مختلفة من الأفكار والوسائل المستحدثة والمبتكرة". 

خطورة المرحلة 

في المقابل، صرح أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم محمد خليفة صديق، "نجد أن معظم الثورات العربية مرت بنفس المخاض الذي تمر به حالياً الثورة السودانية، ودائماً ما تبدأ الثورات بآمال كبيرة لكن في الغالب تنتهي إلى نهايات محزنة، فالآن ثورة ديسمبر السودانية تشبه نهايات الثورات التي حدثت في عدد من الدول العربية كاليمن وسوريا وليبيا، لكن الشيء الذي يفرق بين السودان وتلك الدول هو أن السودانيين بطبعهم أناس متسامحون وغير ميالين للعنف بحكم امتدادهم الاجتماعي، بالتالي لا أعتقد أن البلاد ستصل إلى وصلت إليه الحالة الليبية أو اليمنية أو السورية والتي انتهت جميعها إلى حرب أهلية، وإن كان مؤشرات هذه الحرب ماثلة، لكن عقلاء وحكماء السودان على قدر وفهم لخطورة المرحلة الحالية". 

وعبر صديق عن اعتقاده أن "استمرار الاحتقان والتجاذب بين المكونين المدني والعسكري، وبخاصة الأطراف المدنية المناهضة للاتفاق الذي وُقع في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فضلاً عن استمرار التظاهرات والمسيرات بشكل متواصل وما تحمله من شعارات تعجيزية، سيؤدي في النهاية إلى ما يمكن أن نسميه نهايات صفرية وسيكون الخاسر الوطن وكل أهل السودان، فقد يُهدم المعبد فوق رؤوس الجميع إما باندلاع حرب أهلية أو انفلات أمني كامل في البلاد، لذلك يمكن التأسيس على ما تم من قبل بإخراج البلاد من الأزمة الحالية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أنه "في ما يختص بالوثيقة الدستورية نجد فيها عيوباً كثيرة، لكن في النهاية تصلح لأن تجلس كل الأطراف سواء كانت مدنية وعسكرية وشركاء السلام للبناء على إيجابياتها وإضافة ما يمكن أن يُضاف إليها لكي تكون وثيقة متكاملة من دون أن يكون فيها أي من الثغرات والعيوب السابقة، وأن ينأى الناس عن الرفض الكثير لأنه يعوق الحوار والجلوس للتفاوض، ولا بد أن تتنازل كل الأطراف للوصول إلى طريق وسط يمكن أن يؤدي إلى حل عادل وشامل ويعبر بالمرحلة الانتقالية إلى آفاق جديدة".
بدايات الثورة 

يُذكر أن الثورة السودانية انطلقت من مدينتَي الروصيرص (جنوب البلاد) وسنار (وسط) في 19 ديسمبر 2019 رداً على تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء أسعار المعيشة وتفشي الفساد الحكومي واستمرار الحرب، وازدادت حدتها في مدن بورتسودان وعطبره والقضارف، ثم امتدت في اليوم التالي 20 ديسمبر إلى مدن أخرى من بينها العاصمة الخرطوم والأبيض، لكن شهدت هذه الاحتجاجات السلمية رد فعل عنيف من قبل السلطات التي استعملت مختلف الأسلحة في تفريق المتظاهرين بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، بل شهدت بعض المدن استعمالاً واضحاً للرصاص الحي من قبل قوات الأمن السودانية مما تسبب بسقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين.

وفي 11 أبريل 2019، أعلن الجيش السوداني عزل الرئيس عمر البشير عن السلطة وبدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإقامة انتخابات لنقل السلطة. 

شهدت هذه الاحتجاجات مشاركة واسعة لمختلف أطياف الشعب السوداني كباراً وصغاراً ونساء ورجالاً، ولم يتزعمها أحد كما شهدت انضمام أحزاب سياسة معارضة وجمعيات أخرى مستقلة وغير حكومية بما في ذلك تجمع المهنيين السودانيين الذي يعتبر القائد الفعلي لهذه الثورة، وهو تحالف يصف نفسه بالمهني المستقل وليس له أي هيكل تنظيمي؛ تكون في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 من خلال اجتماع ثلاثة مكونات تمثل لجنة أطباء السودان المركزية، وشبكة الصحافيين السودانيين وتحالف المحامين الديمقراطيين.

حضور نسائي لافت 

وتميزت هذه الثورة بحضور كثيف للنساء السودانيات اللاتي لعبن دوراً أساسياً في استمرار الاحتجاجات على مستوى الشارع، وذلك بفعل حضورهن الدائم رفقة باقي الشباب والرجال من أجل المطالبة بتنحي البشير عن السلطة، كما لم يقتصر دور السودانيات على المشاركة في الاحتجاجات فقط بل تعداه لما هو أبعد من ذلك وأصبح حضورهن ضرورياً عند كل تظاهرة لما يقدمنه من دعم للثوار من خِلال إسعاف الجرحى ونقل المصابين، والمشاركة في تحميس وتشجيع باقي المشاركين من خلال الزغاريد والأهازيج. وأظهرت صور ومقاطع فيديو تصدي فتيات سودانيات لعناصر قوات الأمن ومنعهم من التقدم لضرب المتظاهرين في أحيان كثيرة، حيث تُعد هذه المشاركة النسائية الفاعلة والواسعة، نادرة في مجتمع محافظ مثل المجتمع في السودان، الأمر الذي دفع سلطات الأمن إلى شن حملة اعتقالات كبيرة طالت عدداً من الرموز والقيادات النسائية في المجالات السياسية والحقوقية، فيما اعتدت تلك الأجهزة على أخريات بالضرب بالعصي والهراوات وتعمد إهانة المتظاهرات الأخريات.

المزيد من تقارير