Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اشتباكات مسلحة في سبها قبل 10 أيام من الانتخابات الليبية

اللائحة الرسمية للمرشحين لم تعلن بعد والخلافات الحادة تلقي شكوكاً كبيرة حول إجراء الاستحقاق

قبل 10 أيام من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الليبية، شهدت مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي ليلة قاسية، الاثنين - الثلاثاء، 13 - 14 ديسمبر (كانون الأول)، بعد اندلاع اشتباكات مسلحة بين كتيبة الـ116 التابعة لـ"حكومة الوحدة الوطنية" التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وكتائب تتبع القيادة العامة لـ"الجيش الوطني الليبي" الذي يقوده المشير خليفة حفتر. وتقدمت وحدات من "الكتيبة 116" نحو وسط المدينة وتحديداً شارع جمال عبد الناصر والشارع الواسع، لتصطدم بكتائب "الجيش" التي كانت تتمركز في المناطق ذاتها.
هذا الاشتباك يُعتبَر تطوراً جديداً في الصراع بين القوتين المحليتين في سبها، فمنذ أن غيرت كتيبة الـ116 ولاءها عن حفتر وصارت تتبع الحكومة الجديدة في طرابلس، بدأ الاحتقان بينها وبين الكتائب الأخرى، ولكنه لم يُترجَم في الفترة الماضية إلى اشتباك مسلح.
وإلى حد الآن لم تصدر أي بيانات رسمية عن الجهات المعنية بالاشتباك الذي استمر طول ليلة الرابع عشر من ديسمبر، وأسفر عن سقوط قتيل وجريحين في حصيلة أولية أوردها مركز سبها الطبي. ويتوقع أن تزيد أعداد القتلى والجرحى إذا استمر القتال ولم تتدخل الجهات الحكومة لفض المتنازعين.

هدوء حذر

في صباح يوم الثلاثاء، هدأ القتال وبدأت المدينة تستعيد شيئاً من تفاصيل حياتها اليومية، لكن المدارس بقيت مغلقة تحسباً لأي طارئ أمني. كما أُغلقت كليات جامعة سبها، وخفت حركة المرور قليلاً في الأحياء البعيدة عن مناطق الاشتباك. وتوزعت الوحدات الأمنية للطرفين على جانبَي طريق شارع جمال عبد الناصر وعلى مداخل الشارع الواسع وسط المدينة.
كما شوهدت عربات تضع السواتر الترابية في منتصف الشارع الواسع وتمنع مرور المدنيين من خلاله. وأغلقت الدوائر الحكومية والأمنية والخدمية الموجودة في الشارع الحيوي بالمدينة، وهو ما ينذر بتجدد الاشتباكات إذا لم تنجح مساعي التهدئة.
وقال الباحث في الشأن العسكري محمد الورفلي، إن "وقوع حرب في المدينة لن يكون في صالح الطرفين، فكتيبة الـ116 لا تملك من العتاد ما يمكنها من مواجهة كتائب الجيش المتعددة، التي تملك خطوط إمداد مستمرة ومنتظمة. ولو طالت الحرب ستواجه كتيبة الـ116 صعوبة كبيرة في الصمود لفترة طويلة، ولن يجدي الدعم الاجتماعي لها شيئاً". وأضاف الورفلي أنه من جهة أخرى "لا تستطيع كتائب الجيش المغامرة بحرب طويلة الأمد في سبها والجنوب، كونها ستجابه حنقاً كبيراً من القبائل التي يوجد أبناؤها في الكتيبة 116. كما أن البلاد على أبواب الانتخابات ولا يريد الجيش أن يسجل عليه خصومه أنه أشعل حرباً في الجنوب عشية العملية الانتخابية التي يستعد لها الجميع".

مواقع حساسة

وتزداد خطورة الاشتباكات إذا ما علمنا أنها تقع في وسط المدينة، بين المؤسسات الإدارية والخدمية والأحياء السكنية، فالشارع الواسع يضم مقر مفوضية الانتخابات ومديرية الأمن الوطني ومحكمتَي سبها الابتدائية والاستئنافية، والسجل المدني وإدارة الجوازات والمرور والتراخيص، ومصرف الصحاري، والمركز الوطني لمكافحة الأمراض، وشركات التأمين والنظافة والمياه والصرف الصحي وشركات الاتصال والبريد ومقر المجلس البلدي لبلدية سبها، ومقرات الشركة العامة للكهرباء، ومكاتب خطوط الطيران والمطبعة الوحيدة بالمدينة، ناهيك بالفنادق والشركات ومكاتب المحامين ومحرري العقود وما يرافقها من الوظائف والاحتياجات الخدمية القانونية.
وعبر عضو هيئة التدريس بجامعة سبها مسعود الكني، عن اعتقاده بأن "مساعي التهدئة قد تفضي إلى وضع حلول وسط ترضي الطرفين إلى حد ما، حتى موعد الانتخابات، وبعد ذلك سيكون الطرف المتضرر مستعداً لإشعال فتيل النزاع ثانية". وأوضح مسعود أن "الكتيبة 116 أُعطيت الضوء الأخضر من طرابلس لكي تتحرك باتجاه الاصطدام مع الجيش، ولعل هذا يفسر تلك الحدة في التعامل أخيراً، بعد أن كانت تصادماتهما بسيطة ولم تصل إلى حد إشهار السلاح".

حركة نزوح

وشهدت الأحياء المتاخمة لمناطق الاشتباك نزوح بعض الأسر والعائلات، التي تخشى تجدد الاشتباكات، التي في حال تجددها قد تجد الجهات المحلية نفسها أمام مشكلة نزوح داخلي سيصعب حلها في ظل ارتفاع صوت السلاح. وقضى سكان سبها حوائجهم اليوم وأسرعوا بالعودة إلى منازلهم، بينما يتوقعون أن تتجدد الاشتباكات، بخاصة بعد ظهور أسلحة ثقيلة في الشوارع وبين الأبنية، يرافقها خطاب شعبوي من الطرفين.
وكان المشير حفتر (77 سنة) أطلق في يناير (كانون الثاني) 2019، عملية للسيطرة على جنوبي غرب ليبيا الغني بالنفط واستولى على أكبر مدنه سبها من دون قتال تقريباً.

الانتخابات الرئاسية

في غضون ذلك، وقبل عشرة أيام على التاريخ المحدد للانتخابات الرئاسية في ليبيا، لم تعلن بعد اللائحة الرسمية النهائية للمرشحين، بينما تثير الخلافات الحادة المستمرة بين الأطراف الرئيسة شكوكاً جدية في إمكان إجرائها في موعدها.
ويفترض أن تكون الانتخابات المحددة في 24 ديسمبر الحالي، التي ستكون -إن حصلت- الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، تتمة للعملية السياسية الانتقالية التي رعتها الأمم المتحدة من أجل إخراج ليبيا من الفوضى التي تلت سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011.

احتمال الإرجاء

ودعي 2.5 مليون ناخب للمشاركة في الاقتراع. لكن قبل عشرة أيام من الانتخابات، لم تبدأ الحملة الانتخابية بعد، وأرجئ نشر لائحة المرشحين النهائية إلى موعد لم يحدد، ما يجعل حصول الاستحقاق في موعده مستبعداً، ولو أن الحكومة الليبية كررت الأحد الماضي، جهوزيتها لإجرائه.
ومنذ أسابيع، يسود انطباع بأن لا مفر من إرجاء الانتخابات، لا سيما بعد إرجاء الانتخابات التشريعية التي كان يفترض أن تجري مع الرئاسية، ثم تعرض قانون الانتخابات لانتقادات كثيرة، وصولاً إلى ترشح شخصيات مثيرة للجدل إلى الرئاسة.
ويرى نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة، جمال بينومار، الذي يرأس حالياً المركز الدولي لمبادرات الحوار أن "الانتخابات ستكون مضرة أكثر مما ستكون مفيدة، بسبب الانقسامات العميقة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي". وأضاف أنه سواء تم إرجاء الانتخابات أم لا، فإن ظروف إجراء "انتخابات حرة وعادلة غير متوفرة، فالليبيون منقسمون بشكل أعمق يحول دون قبولهم أو توافقهم على نتائج الانتخابات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال بينومار إن "مؤسسات مشرذمة، وعدم وجود دولة وقوى أمنية وعسكرية موحدة أو شرعية... كلها عناصر تقود إلى عدم الاستقرار، وهذه المسائل الأساسية بقيت عالقة منذ العام 2012".

غياب البنية التحتية

وترى أماندا كادليك، العضو في مجموعة خبراء الأمم المتحدة حول ليبيا، أن "الحد الأدنى للبنى التحتية والمتطلبات الأمنية لانتخابات حرة وعادلة غير موجود حالياً". وتنتشر في البلاد مجموعات مسلحة عديدة.
ورأى مدير "معهد صادق" أنس القماطي أن "انتخابات في مثل هذه الظروف القانونية والسياسية ستزعزع استقرار ليبيا بالتأكيد". وأضاف أن "أي نصر انتخابي لسيف الإسلام القذافي أو لحفتر سيجر إلى حرب يبدأ بها من عارضوا القذافي في العام 2011 أو من قاوموا هجوم حفتر على طرابلس في 2019"، مضيفاً أن "ترشيح عبد الحميد الدبيبة يثير انتقادات أيضاً، فقد تعهد بعدم الترشح، ومعارضوه سيرفضون فوزه" إن حصل.

استقالة كوبيش

وزاد في غموض الوضع، تنحي موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيش عن منصبه، قبل شهر من الانتخابات الرئاسية.
ولم تكشف أسباب الاستقالة، لكن دبلوماسياً في الأمم المتحدة قال لوكالة الصحافة الفرنسية إن جوهر المشكلة يكمن في "خلافات حول الانتخابات" بينه وبين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. فقد أصر كوبيش على إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر الحالي، بينما كان غوتيريش متردداً.
وفي سعيه لإجراء الانتخابات بأي ثمن، وافق كوبيش على قانون انتخابي مثير للجدل، ونشره البرلمان الذي يرأسه عقيلة صالح، من دون التصويت عليه في جلسة عامة.
وعلى الرغم من كل المؤشرات السلبية، يتمسك المجتمع الدولي بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد. ويصف السفير البريطاني السابق في ليبيا بيتر ميليت هذا الموقف "بدفع أعمى لعملية انتخابية من دون أخذ كل الأخطار في الاعتبار".
وفي حين يرى أن الإرجاء سيكون أمراً لا مفر منه، يضيف أن ثلاث مسائل ستبقى عالقة بعد ذلك، "الإرجاء إلى متى؟ من سيحكم في المرحلة الانتقالية؟ وما كانت فائدة المرحلة السابقة؟".

المزيد من العالم العربي