Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رفع أسعار الحليب والدواء في لبنان يضع صحة الأطفال بدائرة الخطر

ما يحدث هو نتيجة طبيعية لشح الدولار في دولة اعتادت استيراد كل شيء تقريباً

لاحظ اللبنانيون غياب لقاحات عدة عن رفوف الصيدليات (أ ف ب)

فجأة ومن دون سابق إنذار قفز سعر عبوة حليب الأطفال في لبنان من 12000 ليرة إلى 95000 ليرة. شكّل ذلك صدمة للأهالي ومحدودي الدخل، إذ تضاعفت الأعباء عليهم بصورة قياسية، وباتت صحة المواليد الجدد وحياتهم في خطر شديد. وترافق ارتفاع سعر الحليب مع زيادات ملحوظة في أسعار شريحة واسعة من الأدوية، والحفاضات، في ظل شكوى من عدم توافر اللقاحات بسهولة ويسر.
ما يحدث في لبنان هو نتيجة طبيعية لشح الدولار في دولة اعتادت استيراد كل شيء، وأهملت تشجيع الإبداع المحلي والصناعة طوال عقود. لكن في المقابل، بدأت رحلة البحث عن بدائل، فالأزمة تشكل فرصة لرواد الصناعة الدوائية في البلاد الذين يمتلكون الخبرة البشرية الكافية في مجال الأدوية والتركيبات الكيميائية، بالإضافة إلى التقنيات الحديثة.

مضاعفة فاتورة الحليب

وبات الحليب والدواء من السلع الكمالية في لبنان، إذ تضاعفت الفاتورة وأعباؤها على العائلات محدودة الدخل. وتشكل تجربة السيدة سهاد وهي أم لطفلين صغيرين يحتاجان إلى جرعات حليب الأطفال، نموذجاً يعبر عن حال معظم الأمهات في لبنان، إذ تشكو من أن سعر الحليب يكلّف راتبها الشهري، فهي تحتاج إلى علبتَي حليب شهرياً لابنها الكبير، سعر الواحدة 350 ألف ليرة، أي بمعدل 700 ألف ليرة كل شهر. أما عبوة الحليب رقم واحد لطفلها الصغير فأصبحت بـ95 ألف ليرة بعد أن كانت بـ12 ألفاً. ولا تتوقف الفاتورة عند هذا الحدّ، إذ تحتاج إلى كيسَي حفاضات شهرياً لكل منهما، إذ أصبح الكيس من النوعية المتوسطة بـ150 ألف ليرة.
وتشعر سهاد بأن حياة الأطفال أصبحت في خطر شديد في لبنان، وتحديداً أولئك الذين تنعدم مواردهم إلى حد كبير. ولفتت إلى أن "الهم لا يتوقف عند الحليب والحفاضات وإنما يتجاوزهما إلى عدم وجود اللقاحات. بذلت قصارى جهدي للبحث عن لقاح للأطفال ضد الروتا ولكن للأسف لم أعثر عليه".
وأكدت سهاد أن "الأدوية لم تعد بمتناول الناس، ربما ينتظرون الرفع التام للدعم الحكومي، كما أن كلفة الحقيبة الدوائية الأساسية للطفل خارج متناول العامة". وأضافت "لم يعد بإمكاننا شراء خافض الحرارة، أو الأدوية المطهرة للجروح".
ويشكل هذا الواقع استفزازاً لكثير من الأمهات في لبنان، فهن لم يعتدن على هذا القدر من الإذلال والقهر. وتعلّق إحدى الأمهات على قضية أزمة الحليب والدواء، بالقول "إذا ما أصابنا المرض نحن الكبار واحتجنا إلى الدواء، قد نضحي بأنفسنا، ونؤجل شراء الدواء. ولكن لا يمكننا احتمال رؤية أبنائنا يتألمون، فنحن مستعدون في هذه الحالة لأن نسرق لنعالجهم ونشتري الدواء"، مضيفةً أن "كل شيء يمكن تأجيله إلا تأمين الغذاء والدواء للصغار".

الدواء أصبح من الكماليات

من جهته، يختصر نقيب الصيادلة في لبنان، غسان الأمين، المشهد بالقول إن "الدواء أصبح من الكماليات"، مشيراً إلى أن سبب ارتفاع سعر حليب الأطفال هو الاستيراد الذي يحتم توافر الدولار، ومن أجل تركه عند مستوى 1500 ليرة لا بد من وجود طرف يدفع الفارق، وهذا الطرف هو مصرف لبنان الذي أبلغ الجهات المختصة أنه لم يعد لديه المال الكافي للدعم.
وأشار الأمين إلى أنه "في غياب الدعم، سيتأثر سعر الحليب بسوق الصرف، فثمن علبة حليب الأطفال هو ثمانية دولارات، وفي حال ضربها بـ23000 ليرة نكون أمام السعر الحقيقي للعلبة، وهو رقم أعلى بكثير مما تم تسعيره الآن بـ93000 ليرة في ظل معادلة 50 في المئة دعماً".
وعما يُثار حول عدم استمرار دعم الـ50 في المئة طويلاً، وتبلُّغ الصيدليات بأن التحرير التام للسلع سيكون بحلول نهاية العام، نفى الأمين نفياً تاماً علمه بهذا الطرح، لأن "وحده حاكم المصرف المركزي (رياض سلامة) مَن يمتلك الإجابة".   

وداعاً للقاحات الزكام

في موازاة ذلك، لاحظ اللبنانيون غياب لقاحات عدة عن رفوف الصيدليات، إلا أن نقيب الصيادلة أفاد بأنه "في نهاية هذا الشهر ستأتي اللقاحات، لكنها ستكون غالية جداً، ولن يتمكن اللبناني من شرائها، ولن يتمكن أحد من تلقي اللقاح ضد الرشح أو الزكام. سيفضل المواطن أن يمرض لأن سعر اللقاح سيكون بحدود 300 ألف ليرة لبنانية". وأقرّ بأن هذه السلع أصبحت من "الكماليات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في ما يتعلق بأدوية السرطان والأمراض المستعصية الأخرى، وأدوية المستشفيات، فقال إن دعمها سيستمر، في حين أكد أنه "لم يعد بإمكان شريحة كبيرة من اللبنانيين شراء الأدوية".

الوزارة تؤكد استمرار الدعم

إزاء الارتفاع الملحوظ بسعر حليب الأطفال والأدوية، أعلنت روى الأطرش، مستشارة وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، أن "الدعم لم يُرفع بالكامل، وهو مستمر وفق نسب مئوية"، مؤكدةً العمل على تأمين أدوية السرطان في مركز الكرنتينا، واللقاحات الأساسية وأدوية الأمراض المزمنة مجاناً في مراكز الرعاية الصحية الأولية التي يتوفر ضمنها الحليب أيضاً.
ودعت الدكتورة رندة حمادة، مديرة البرنامج الوطني للرعاية الصحية الأولية، في وزارة الصحة، المواطنين إلى "التسجيل في المراكز الـ250 المنتشرة على كل الأراضي اللبنانية، من أجل الحصول على الأدوية والخدمات الطبية المتعددة التي تقدمها هذه المراكز". وتوفر هذه المراكز 60 نوعاً من أدوية الأمراض المزمنة كالضغط والسكري، والقلب والشرايين، والأمراض النفسية والعقلية، ومئة نوع من الأدوية والمسكنات التي تعالج أمراضاً مختلفة. كما لفتت حمادة إلى تأمين لقاحات الأطفال الأساسية بالتعاون مع منظمة اليونيسيف وضمن معايير منظمة الصحة العالمية.

كما لفتت حمادة إلى "العمل الحثيث الذي تقوم به وزارة الصحة مع مصنّعي الدواء المحليين من أجل تأمين البدائل المصنوعة محلياً ومنخفضة الكلفة". في هذا السياق، كشفت كارول أبي كرم، رئيسة نقابة مصانع الأدوية في لبنان، عن أنها ستعمل على تأمين 1200 دواء بديل ومحلي الصنع. وقالت إن "المصانع اللبنانية ستؤمن بدائل عن الأدوية المشابهة المستوردة للمواطن بصورة دائمة، وبأسعار أقل، حيث ستغطي المصانع شريحة من الأدوية المزمنة الأكثر استعمالاً في لبنان بناءً على دراسة مسبقة لحاجات السوق". أما في ما يتعلق بحليب الأطفال واللقاحات، فتنفي أبي كرم تصنيعهما محلياً.
وأعلنت نقابة مصانع الأدوية في لبنان في بيان مستقل، التزامها مع وزارة الصحة العامة تجاه المواطنين بأن "توفر الحل البديل للمريض من خلال تأمين الدواء النوعي بأسعار مناسبة وطريقة مستدامة تضمن عدم تكرار أزمة انقطاع الدواء في لبنان".
ولفتت النقابة إلى أنه يوجد في لبنان 12 مصنعاً، ثلاثة من بينها تغطي حاجة السوق بالكامل من الأمصال والحقن الأساسية، وتطبق أعلى معايير الجودة العالمية، وحازت على ثقة 36 مختبراً عالمياً، ما أدى إلى نقل تصنيع عدد وافر من أدوية هذه المختبرات إلى لبنان وتسويقها محلياً وفي دول المنطقة.

أطفال لبنان في مواجهة الجوع

وفي مؤشر للحالة التي بلغها لبنان، أشارت الـ"يونيسيف" في بيان الدعوة إلى مؤتمرها الصحافي بمناسبة اليوم العالمي للطفل في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، إلى أن "مئات آلاف الأطفال في لبنان ينامون وهم جياع. وكثير منهم لا يتلقون الرعاية الصحية التي يحتاجونها ولا يمكنهم الذهاب إلى مدارسهم". هذه الخلاصة توصلت إليها المنظمة، بناءً على مسح ميداني أجرته في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وشمل 838 أسرة. ولفتت إلى أن "الوضع تفاقم بشكل يدعو إلى القلق على مدى الأشهر الستة الماضية، حيث يكافح الأطفال للحصول على التغذية والرعاية الصحية والتعليم والحماية التي ينبغي أن تكون متوفرة لهم".
في المقابل، أعلنت "يونيسيف" عن وصول شحنة مساعدات ممولة من الحكومة الأميركية إلى وزارة الصحة العامة في لبنان استجابةً للنقص الحاد في المستلزمات الطبية والأدوية الذي تعاني منه المرافق الصحية في جميع أنحاء البلاد.

المزيد من صحة