Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان يغرق على وقع عزف أوركسترا وطنية مبتورة

الأزمتان الاقتصادية والطائفية منعتا استمرار عدد كبير من الموسيقيين

موسيقيون من الأوركسترا الوطنية اللبنانية يتمرنون على العزف في بيروت، في 2 نوفمبر الحالي (رويترز)

كانت الأوركسترا الوطنية اللبنانية تستعد لحفل افتتاح الموسم في غياب نصف العازفين، واصطدم قائدها لبنان بعلبكي بواقع أليم، إذ أصبح أمامه خياران، إما أن يقدم مقطوعة مجهزة لفرقة كاملة على الرغم من العدد المحدود أو يُعدّ نسخة لعدد أصغر من العازفين.
في يوم الحفل، ظهر ثلاثة موسيقيين آخرين متحدّين ضغوط الأزمة الاقتصادية التي دفعت عشرات من زملائهم إلى الرحيل عن الفرقة، وتمكّن بعلبكي من عزف النوتة الموسيقية الأصلية.
بكلمات تقطر مرارةً وتنزف ألماً، قال لوكالة "رويترز"، "كان شعورنا مشابه للحظة غرق ’تيتانيك‘ وكيف تمسّك قائد الفرقة على تلك السفينة بأن تظل الموسيقى تُعزف على الرغم من كل ما يحدث".
إلى متى؟
تلفّ غلالة من الضباب مستقبل الفرقة وتجعل التوقعات مستحيلة ويبقى السؤال: إلى متى ستتمكن من الاستمرار؟
لم تسلم الأوركسترا الوطنية اللبنانية من تبعات الأزمة المالية التي دفعت كثيرين إلى براثن الفقر لدرجة أن تأمين الضروريات الأساسية للحياة أصبح مهمة عسيرة.
تضافرت عوامل أخرى لتعميق الجراح مثل جائحة كورونا وانفجار بيروت في أغسطس (آب) 2020 الذي أودى بحياة  215 شخصاً وألحق الدمار بقطاعات من المدينة بما في ذلك المعهد الوطني للموسيقى الذي تتدرب فيه الأوركسترا وتمارس العزف.
بعد انهيار العملة، تدنّت قيمة رواتب 100 موسيقي في الفرقة، من 3000 دولار إلى حوالى 200 دولار فقط. حزم معظم أعضائها الأجانب حقائبهم وغادروا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول بعلبكي "الأوركسترا كان تعدادها حوالى 100 موسيقي. كانت تؤدي أعمالاً ضخمة، أعمالاً تغطي تقريباً كل الأعمال الكلاسيكية. الآن باتت هناك صعوبة لتأدية بعض الأعمال الكبيرة التي كنا نعزفها".
إجراءات قسرية
لا تكاد أجور من بقوا حتى الآن تزيد على سعر الوقود اللازم للوصول إلى جلسات التدريب الأسبوعية، مما اضطر بعلبكي إلى تقليص عدد الحفلات الموسيقية من عشرات الحفلات في السنة إلى ما يُعدّ على أصابع اليد الواحدة.
لكن الوضع بالنسبة إلى الأوركسترا الوطنية هو مجرد مرآة ينعكس عليها التراجع الأكبر في الساحات كافة وعلى كل الأصعدة الثقافية في لبنان. ومن بين ضحايا تضافر الأزمة والوباء، المهرجانات الصيفية التي كانت في السابق منارةً للفنون في المنطقة بما فيها من حضور لأساطين الموسيقى والغناء والرموز العربية.
وتحتفظ منى قسطا سمعان، عازفة الكمان التي تعمل في الفرقة منذ إعادة تأسيسها عام 2000، بذكريات رائعة عن أدائها مع التينور الإسباني بلاسيدو دومينغو وسط الآثار الرومانية في بعلبك في أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. وتوقفت الفرقة خلال الحرب الأهلية اللبنانية من عام 1975 وحتى عام 1990. تقول قسطا سمعان الآن إنها تشعر بالاختناق عندما تشاهد الأوركسترا على شاشة التلفزيون.
وتضيف أن الأمل يحدوها الآن في أن تتحسن الأمور ويعود لبنان إلى الوقوف على قدميه ويعود الموسيقيون الأجانب.
الطائفية
قبل أن تتفجر الأزمة الاقتصادية، ظل المعهد الوطني للموسيقي عاجزاً مشلولاً لما يقرب من 10 سنوات بسبب نظام تقاسم السلطة على أساس طائفي في لبنان، حيث تُوزّع المناصب المرموقة في المؤسسات العامة بين الساسة الذين يعيّنون موالين لهم من دون أي اعتبار لعنصر الكفاءة.
وعندما توفي رئيس معهد الموسيقى وليد غلمية، وهو مسيحي أرثوذكسي عام 2011، لم يتسنَّ العثور على بديل يشغل المنصب بشكل دائم لسبع سنوات. وتقرر تعيين رئيسَين بالإنابة.
كان الأول بيروقراطياً بلا أي مؤهلات موسيقية، والثاني الذي يُنظر إليه على أنه مؤهل للمنصب، لم يُعيّن بشكل دائم لأنه كان كاثوليكياً وليس أرثوذكسياً.
وأخيراً تولّى الموسيقي اللبناني بسام سابا المنصب عام 2018 بعد عودته من الولايات المتحدة، لكنه توفي السنة الماضية متأثراً بمضاعفات فيروس كورونا. ويخشى بعلبكي أن يستغرق الأمر أعواماً أخرى لتعيين خليفة له.
قال "نحن أسرى. نحن المعهد الموسيقي والموسيقيين والفنانين ومصير الفن والموسيقى بلبنان، نحن أسرى في هذا البلد، أسرى هذه الطبقة السياسية المصرة على أن تدخل الروح الطائفية". إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، يقول إن الموسيقيين سيواصلون العزف. ويضيف "نحن خُلقنا في هذا البلد وهذا قدرنا أن نجد حلولاً وفرصاً جديدة".

المزيد من العالم العربي