Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من سيكسب الحرب العسكرية في إثيوبيا؟

طبقاً للتصنيف الدولي وضع موقع "غلوبال فاير باور" الجيش في المرتبة 66 على مؤشر من 140 دولة لعام 2021

جنود في الجيش الاثيوبي (أ ف ب)

يثير تهديد العاصمة الإثيوبية من جانب تحالف القوميات المعارضة الإثيوبية الذي يقول إنه بات على أبواب أديس أبابا علامات استفهام بشأن حالة الجيش الإثيوبي، ومدى قدرته على مواجهة هذا التهديد الذي وصفه رئيس الوزراء بأنه تهديد وجودي، وفرض بسببه حالة الطوارئ العامة، وذلك بعد أن أحرز المعارضون وعلى رأسهم "جبهة تحرير تيغراي" مواقع متقدمة على الأرض، كما استطاعوا تشكيل تهديد عسكري واقعي لنظام آبي أحمد، واستولوا على مدن استراتيجية في إقليم أمهرة ومناطق أخرى جنوب أديس أبابا وفي الشمال الشرقي.

ولعل النقاش العام بشأن حالة الجيش الإثيوبي يمكن أن يعطي مؤشرات بشأن الطرف الذي يستطيع حسم المعارك الجارية حالياً على الأراضي الإثيوبية، ومن ثم تتم محاولة استكشاف حالة التحالفات الجديدة في البلاد على المستوى الداخلي، وكذلك مستقبل التحالفات الإقليمية في القرن الأفريقي.

طبقاً للتصنيف الدولي، وضع موقع "غلوبال فاير باور" الجيش الإثيوبي في المرتبة 66 على مؤشر من 140 دولة لعام 2021، إذ يتكون الجيش من 162 ألف مجند بموازنة 520 مليون دولار، ممتلكاً في سلاح الطيران 92 طائرة حربية، منها 24 مقاتلة و33 مروحية عسكرية منها 8 هجومية فقط، و180 راجمة صواريخ. وعلى مستوى المدرعات، فلدى الجيش 365 دبابة و130 مدرعة و480 مدفعاً ميدانياً.

هذا المستوى من التسلح، يُعدّ جيداً على الصعيد العسكري وربما متقدماً في السياق الأفريقي في ما عدا مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا على الترتيب.

وإذا ما تمت مقارنة معطيات الجيش الإثيوبي الفيدرالي العسكرية بمعطيات التحالف العسكري المضاد له الذي تقوده "جبهة تحرير تيغراي"، فنحن نتحدث عن قدرات متميزة للأول.

في هذا السياق، يكون التساؤل مبرراً بشأن أمرين، الأول أسباب اتجاه آبي أحمد إلى التحالف العسكري مع آسياسي أفورقي في إطار حربه التي بدأها ضد إقليم تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 على الرغم من قدرات الجيش الإثيوبي، والأمر الثاني أسباب تدني الأداء العسكري للجيش إلى حد أن المعارضين يطرقون حالياً أبواب أديس أبابا.

أداء عسكري ضعيف

يمكن القول إن أسباباً متنوعة أسهمت في مستويات الأداء العسكري الضعيف للجيش الإثيوبي، منها طبيعة العقيدة القتالية وعناصرها، وهي العقيدة التي تترتب غالباً على حالة الاندماج الوطني في أي دولة.

فمن المعروف أن مراحل التطور السياسي والاجتماعي الإثيوبي لم تنتج بعد واقعياً الدولة الأمة. من هنا، فإن الانقسامات الإثنية والعرقية تؤثر بشكل فاعل في أداء المؤسسة العسكرية، فتاريخياً سعى كل نظام حاكم إثيوبي تقوده قومية إلى أن تكون قوميته هي القومية الغالبة في قوات الجيش.

من هنا، فإن قرار آبي أحمد بالحرب ضد إقليم تيغراي في وقت كانت التشكيلات العسكرية من الجيش الفيدرالي، خصوصاً القسم الشمالي هي من التيغراي يُعدّ مغامرة لم يحسبها رئيس الوزراء الإثيوبي ويدفع نتائجها حالياً.

العامل الثاني في ضعف أداء الجيش الفيدرالي الإثيوبي، التباين الواضح في المكوّن البشري له، فقد انخفض من ربع مليون عنصر عسكري عام 1990، إلى نصف هذا العدد تقريباً ليصل إلى 120 ألف مجند فقط، ومن ثم يرتفع مرة أخرى على خلفية الحرب مع إريتريا ليزيد على 300 ألف مجند، ولكنه لا يحافظ على هذا المعدل وينخفض مرة أخرى عند حدوده الحالية في مستوى 162 ألفاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وربما يكون من المهم، ملاحظة أنه قد تم إنهاك الجيش الإثيوبي خلال العقود الأربعة الماضية لسببين، الأول: الحروب المتعددة التي خاضها، والثاني وجوده العسكري ضمن قوات حفظ السلام في أكثر من دولة.

على مستوى الحروب، خاض الجيش الإثيوبي في تسعينيات القرن الماضي، أكثر من حرب. كانت الأولى على المستوى الداخلي لمقاومة انسلاخ إريتريا عن إثيوبيا عام 1993، بحيث خاض الجيش حرباً ضروساً في محاولة لم تنجح لإثناء إريتريا عن الاستقلال.

أما على المستوى الإقليمي، فخاض ثلاث حروب الأولى بالوكالة عن الولايات المتحدة تحت عنوان ملتبس هو مكافحة الإرهاب في الصومال، وهي الحرب التي خرج منها مهزوماً عام 1996 على يد تنظيم شباب المجاهدين في البلاد، ومن ثم الحرب مع إريتريا مطلع الألفية الجديدة بشأن تبعية منطقة بادمي، ومن ثم الحرب مع السودان على الشريط الحدودي اعتباراً من مارس (آذار) 2020، بسبب الخلاف على تبعية منطقتي الفشقة الكبرى والصغرى اللتين ضمتهما إثيوبيا إليها واقعياً عبر عقود حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، لكن الجيش السوداني استعاد جزءًا كبيراً منهما في ديسمبر (كانون الأول) 2020.

أما عن قوات حفظ السلام، فإن الجيش الإثيوبي له عناصر في كل من الصومال وجنوب السودان وعلى الحدود بين دولتي السودان بإجمالي يصل إلى 8000 عنصر. من هنا، فإنه اضطر إلى سحب بعض عناصره من قوات حفظ السلام على المستوى الإقليمي حتى يستطيع الوفاء بالتزاماته الداخلية، ومواجهة الموقف المتردي في البلاد. 

الجيش الفيدرالي

في الوقت الراهن، يخوض الجيش الفيدرالي معركته ضد إقليم تيغراي وقد فقد قدرات القطاع الشمالي فيه وهي المكونة من فرقة مدرعة واحدة و4 فرق من سلاح المشاة الميكانيكية، وذلك في تشكيل مماثل للمنطقتين العسكريتين الشرقية والجنوبية، بينما تتمركز في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا 6 فرق مشاة ميكانيكية وقوة إسناد استراتيجي مدعومة جوياً، فضلاً عن فرقة مدرعة واحدة.

في ما يتعلق بموازنة تسليح الجيش، فهي غير مستقرة ولم تتجاوز أبداً حاجز الـ 800 مليون دولار، وانخفضت حالياً إلى مستوى 520 مليون دولار، ويلاحظ أن الإنفاق العسكري في إثيوبيا تراجع عام 2019 ليصل إلى 0.69 في المئة من الناتج القومي الإجمالي.

وإلى جانب هذه المعطيات الموضوعية المؤثرة سلباً في قدرات الجيش الفيدرالي الإثيوبي، واجه خلال الحرب على تيغراي مشكلتين، الأولى القدرة على التنسيق اللوجستي والعسكري مع الجيش الإريتري، إذ إن افتقاد حالة التدريب العملياتي على الأرض أسفرت عن وجود فجوات ميدانية أثناء مواجهة "جبهة تحرير تيغراي" في مناطقها الوعرة ولكن المعروفة لديها.

الأمر الثاني، قدرة كل من الجبهة والجيش الأورومي على قطع خطوط الإمداد عن الجيش الإثيوبي في مناطق تيغراي، فضلاً عن استنزافه في عمليات عسكرية جنوب أديس أبابا على مراحل متفرقة بسبب الصدامات العسكرية بين قوميتي الأورمو والأمهرة.

ويبدو أن التكتيك العسكري الذي اتّبعه تحالف المعارضة فاعلاً حتى الآن في المعارك ضد الجيش في تيغراي وبعض المناطق الأخرى، لكن ماذا عن شكل معركة أديس أبابا، من هو الطرف المرشح ليكون منتصراً في العاصمة؟.

يبدو أن هناك سيناريوهين مطروحان حالياً على الساحة الإثيوبية ميدانياً، الأول، لجوء الجيش الفيدرالي إلى القصف الجوي للقوات المعارضة  الزاحفة  نحو أديس أبابا، وهو أمر لا توفره القدرات الجوية للجيش الإثيوبي وحده ولا حالة طائراته الهليكوبتر الهجومية على وجه الخصوص، كما أنه لم ينجح خلال الأسبوع الماضي حين لجأ إلى هذا الخيار.

من هنا، ربما تكون تسريبات حصول أديس أبابا على ست طائرات هجومية مبررة، بخاصة أن آبي أحمد يبدو مصراً على انتهاج آلية الحسم العسكري وحدها في محاولة أخيرة للحفاظ على مستقبله السياسي، ولكن تبدو نقطة ضعف هذا السيناريو في أنه سيسفر عن خسائر بشرية كبيرة يكون المدنيون قسماً من ضحاياها، وهي حالة ربما لا يسمح بها المجتمع الدولي.

أما السيناريو الثاني، فهو توازن الضعف أي عدم قدرة أي طرف على حسم معركة أديس أبابا، وهو السيناريو الذي ربما يفتح الباب أمام حرب أهلية مفتوحة، ويدعم هذا السيناريو أن قومية الأمهرة ستُدفع نحو سيناريو الحسم العسكري حتى الرمق الأخير، إذ إن هزيمة القومية التي بنت إثيوبيا الإمبراطورية لن يكون مقبولاً لديها.

فيما السيناريو الثالث، إزاحة آبي أحمد عن المشهد السياسي الإثيوبي، بالتالي الولوج في عملية حوار سياسي شامل بين القوميات الإثيوبية، وشرط نجاحه انخراط الأمهرة فيه، وذلك  إذا ما تأكدوا أن الخيار العسكري قد بات خاسراً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل