Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسم أصيلة يناقش الاشتباك والتشابك بين قضايا الراهن العربي

تحديات الديمقراطية التمثيلية والعروبة التي تواجه أزمة مسار ومصير

أضاف موسم أصيلة إلى هويته الثقافية الأولى كمهرجان للشعر والأدب والتشكيل، بعداً فكرياً (موسم أصيلة)

ينشغل موسم أصيلة الدولي الـ42 (الدورة الخريفية)، في البحث عن التشابكات والاشتباكات، بين مرجعيات تكوينية في المنطقة العربية من جهة، ومسارات ضاغطة على التحولات الجارية منذ عقود، التي أخذت مساراً انفجارياً خلال الأعوام الماضية.

ودأب موسم أصيلة منذ انطلاقته قبل أكثر من أربعة عقود، على مقاربة هذه الإشكاليات ذات الطابع التأسيسي في الراهن العربي، ما جعله يضيف إلى هويته الثقافية الأولى كمهرحان سنوي للشعر والأدب والنحت والتشكيل، بعداً فكرياً واستراتيجياً وسياسياً يدفعه إلى طرق الأبواب المغلقة أو الولوج عبر تلك التي فُتحت بفعل الاشتباك والتشابك.

ومن خلال عناوين الندوات التي يطرحها الموسم في دورته الحالية (بين 29 أكتوبر و18 نوفمبر 2021)، تبدو الصورة أكثر جلاء.

"مشكلة" الديمقراطية

في الندوة التي تنطلق أعمالها في ليلة 3 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتستمر لثلاثة أيام، يعود موسوم أصيلة إلى مناقشة مشكلة الديمقراطية، التي ناقشها في دورته السابقة من باب يلفت الانتباه والتفكر، وهو ما أسماه "عبء الديمقراطية" على النظم والمجتمعات التي لم تجربها في السابق. لكن دورة هذا العام تتناول "المشكلة" من باب أكثر تحديداً وتفصيلاً، هو "مستقبل الديمقراطية الانتخابية". ولعل التجارب الديمقراطية الانتخابية التي شهدها بعض الدول العربية خلال الأعوام الماضية، والمسارات التي سلكتها والمآلات التي انتهت إليها، تجعل من مثل هذا الموضوع أكثر إلحاحاً وأشد راهنية.

ويفصل لويس أمادو، وزير الدولة ووزير خارجية البرتغال السابق، منسق الندوة، الاتجاهات السياسية الرئيسة ذات التأثير في النظم الديمقراطية بالآتي:

أولاً، احتدام الصراع وتزايد التنافسية بين القوى الكبرى،

ثانياً، الشعور المتزايد بانعدام الأمن في المجتمعات المفتوحة،

ثالثاً، اتساع دائرة الفوارق في معظم المجتمعات المتقدمة،

رابعاً، صعود الحركات القومية والشعبوية والطائفية والإثنية،

خامساً، الاهتمام المتزايد بالخصوصيات الدينية ومكونات الهوية،

وسادساً، الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية و"كوفيد-19".

وفي رأيه، تسهم هذه الاتجاهات في انبثاق ظاهرة سياسية جديدة في مجتمعاتنا تتسم بالتشرذم السياسي وتآكل الديمقراطية التمثيلية واندثار التعددية الحزبية وتراجع دور المؤسسات.

عن قضايا المغرب العربي

وكانت الدورة الحالية لموسم أصيلة شهدت ندوة حملت عنوان "المغرب العربي والساحل: شراكة حتمية؟".

ومن خلال الطروحات التي شهدتها الندوة، تبدّت القضايا التي تشغل أبناء المغرب العربي وشمال أفريقيا، في بعدَيها الإقليمي والدولي، نموذجاً معيارياً لقضايا عربية عامة، ويتبدى ذلك من خلال القراءة التي قدمها منسق الندوة، الأمين العام لمنتدى أصيلة، الوزير السابق محمد بن عيسى، الذي انطلق من مسلمات تاريخية وجغرافية. ففي اعتقاده، "تشكل منطقة الساحل والمغرب العربي مجالاً مترابط الحلقات والمحددات والمصائر، بمكونه الصحراوي الواسع وتركيبته البشرية، التي هي حصيلة تداخل وامتزاج المجموعات المتعددة التي يتكون منها النسيج الديموغرافي لهذا الفضاء الإقليمي الواسع".

لكن التحديات التي تواجه هذه المسلمات التاريخية والجغرافية، بحسب محمد بن عيسى، تكون في العوامل السياسية والاستراتيجية، ومنها:

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ـ التحدي الأمني المتولد من تصاعد موجة الإرهاب والتطرف المسلح في منطقة الساحل إلى حد تهديد استقرار عدد من دولها  وتماسكها، بما له من أثر وتأثير في أمن بلدان المغرب العربي التي عرفت في مراحل وظرفيات محددة موجة العنف الراديكالي. والمثال الأبرز على ذلك هو في الأزمة الليبية الراهنة.

ـ التحدي الاستراتيجي المتمثل في موقع هذا المجال في الخريطة الإقليمية، وفي النظام الدولي، بما يعني تحديد دور ومنزلة الساحل ـ المغاربي في المنظومة الأفريقية ببوابتها الغربية الشمالية المفتوحة على أوروبا، وتفاعلاتها مع الشرق الأوسط بمفهومه الواسع.

ـ التحدي السياسي المؤسسي المرتبط بهندسة منظومة الحكم، وبناء الدولة في مرحلة تتسم بالانفتاح السياسي، والانتقال المتدرج نحو الديمقراطية التعدديية ودولة المواطنة المتساوية.

ـ التحدي الاقتصادي الذي يعرفه النموذج الصحراوي الساحلي الذي يعاني من نقص المياه وزحف التصحر واستفحال الجفاف المهدد للتوازنات الأيديولوجية وندرة السكان وصعوبة التحكم في الفضاء الإقليمي.

ووفق هذه الرؤية، قارب المشاركون في الندوة تشابكات القضية من خلال ثلاثة محاور، أولها المغرب العربي والساحل: مقومات التكامل ودوافع التكتل والاندماج، وثانيها السياسات الأمنية ومقاربات مواجهة التطرف والإرهاب: تجارب دول المغرب العربي وبلدان الساحل، وثالثها، المغرب العربي والساحل: البيئة الإقليمية والسياق الدولي الراهن.

العروبة إلى أين؟

ويبقى الموضوع الأبرز الذي يضعه موسم أصيلة في دورته الحالية على طاولة النقاش، هو "العرب والتحولات الإقليمية والدولية: العروبة إلى إين؟".

يتولى الكاتب والأستاذ الجامعي الموريتاني عبدالله ولد أباه تنسيق فعاليات الندوة، التي تبدو من عنوانها ذات موضوع فكري، لكن محاورها سرعان ما تتشعب إلى الأزمات السياسية الراهنة التي تحكمها قاعدة التأثير والتأثر.

يقدم ولد أباه تعريفاً لفكرة العروبة منذ نهاية القرن التاسع عشر يمزج بين المعطى الثقافي والبعد السياسي، وذلك باعتبارها "الأفق السياسي والاستراتيجي لجل مشاريع التحديث والنهوض التي ظهرت في العالم العربي".

فالعروبة، برأيه، هي "صياغة ثقافية حضارية، تمثلت في جهود الكتّاب والأدباء والمفكرين، الذين أرادوا بعث نهضة عربية جديدة، على غرار النهضة الأوروبية، من خلال تطوير وتحديث المدونة اللغوية والثقافية التراثية، وبناء أفق جديد للفكر العربي يستوعب قيم التنوير والإصلاح الديني".

ثم إن العروبة هي صياغة أيديولوجية، تمثلت في الأنساق والمنظومات الحركية والحزبية التي ظهرت منذ بدايات القرن العشرين، وطرحت فكرة الوحدة العربية الشاملة، أي بناء الدولة القومية المكرسة لهوية الأمة من منظور وحدة التاريخ ووحدة المصير والمرجعية الثقافية والحضارية المشتركة.

كما أن العروبة هي صياغة استراتيجية، تمثلت في مشروع النظام الإقليمي الاندماجي الذي تبنّته الدول العربية المستقلة في بداية أربعينيات القرن العشرين، واتخذ شكل جامعة الدول العربية وأجهزتها المتخصصة المعنية بالعمل العربي المشترك. وعلى الرغم من إخفاقات الجامعة، إلا أنها سجلت إيجابيات عدة في مراحل مختلفة.

 

لكن فكرة العروبة، بحسب ولد أباه، تعرّضت لاهتزازات مخلخلة بسبب التحولات الإقليمية والدولية الأخيرة التي تركت أثرها في النظم المؤسسية، وتتبدى تلك التحولات في العوامل التالية:

أولاً، انهيار الدولة الوطنية في ساحات عربية عدة بما نجم عنه من انفجار الأوضاع الداخلية والأمنية، واشتعال الحرب الأهلية في بلدان محورية ذات تأثير نوعي في المنظومة الإقليمية العربية.

ثانياً، تصاعد أدوار وتدخلات القوى الإقليمية غير العربية في مسار القرار والتأثير وداخل الساحة العربية، وبصفة خاصة تركيا وإيران، في إطار معادلة شرق أوسطية جديدة لها اتجاهاتها ورهاناتها غير المسبوقة.

ثالثاً، تراجع أهمية الموضوع الفلسطيني والصراع العربي ـ الإسرائيلي في الأجندة الدبلوماسية الدولية، وبروز مؤشرات إلى محاولات تتناول القضية الفلسطينية خارج ضوابط القانون الدولي ومحدداته.

رابعاً، انفجار النزاعات الخصوصية الإثنية والطائفية في عدد من الساحات العربية، رافعة شعارات ومطالب مناوئة للهوية العربية والانتماء العربي، حتى في بعض البلدان التي كانت في السابق من مراكز الأيديولوجيا القومية العربية.

وبناء على ذلك، سيتناول المشاركون في الندوة أزمة فكرة العروبة، وفق ثلاثة محددات هي:

ـ فكرة العروبة والبناء الإقليمي: التجربة والآفاق.

ـ الهوية والانتماء القومي في الفكر العربي المعاصر: الخلفيات والمآلات.

النظام العربي والبيئة الدولية والإقليمية الشرق أوسطية: المسارات والاتجاهات.

ربما تكتفي ندوات موسم أصيلة بإلقاء أضواء كاشفة على هذه القضايا الشائكة ـ وعلى الأرجح هي ستفعل ذلك ـ لكنها بالتأكيد ستضيف مدونة معتبرة للتفكير وإعادة التفكير في مسائل تعيد تشكيل الواقع العربي على وقع صخب ناجم عن أحداث جارية في غير اتجاه.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة