Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تنكر 3 كتاب وراء قناع امرأة هل يعد احتيالا أدبيا؟

قراءة في ثلاثية "كارمن مولا" الإسبانية التي فتنت القراء وشغلت النقد والإعلام

إمرأة وقناع: لوحة للرسام ديلاور عمر (صفحة الرسام على فيسبوك)

في حفلة الإعلان عن اسم الفائز هذه السنة بجائزة "بلانيتا" الشهيرة التي تعنى بالأدب الإسباني منذ عام 1952، وهي الأكبر في قيمتها المادية التي تبلغ مليون يورو، حصل ما لم يتوقعه الجمهور والقراء ولجنة التحكيم، فحين أعلنت مقدمة الحفلة اسم الفائزة الكاتبة "كارمن مولا" التي تعمل أستاذة جامعية، ودعتها للصعود إلى خشبة المسرح لاستلام الجائزة، فوجئ كل الحاضرين بصعود ثلاثة رجال هم: خورخي دياز، وأغوستين مارتينيز، وأنطونيو ميرسير، يعلنون أنهم الكاتبة الإسبانية "كارمن مولا"!

لم نختبئ خلف امرأة

أثار الكشف عن هوية مولا- الحقيقية- العديد من الأسئلة حول الكتابة والمرأة، فقد عهدنا أن تختبئ الكاتبات في عباءة الرجال بمن في ذلك الأخوات برونتي وغيرهن. ولكن يبدو أن هذا الزمن ولى ونحن على أعتاب زمن جديد انتقلت فيه الدفة إلى أصابع المرأة الناعمة. في تقرير أعدته صحيفة "The Bookseller" البريطانية، تبين أن خريطة مبيعات الكتاب بلغت 75 في المئة لصالح النساء وبخاصة في فئتي الخيال العلمي والروايات الأدبية. وهو ما حدا بالكاتبة البريطانية "تهمايما أنام" إلى التعليق على خدعة مولا قائلة: "يمكنني أن أفهم لماذا يريد هؤلاء الرجال أن يتخفوا وراء شخص آخر للكتابة. لكني لا أعتقد أن على الرجال الكتابة باسم مستعار لأنثى".

نفى الكتاب الثلاثة بالطبع، أي قصدية في اختيار هوية بعينها، مصرحين بأنه مجرد اختيار عشوائي من قبيل الصدفة لا علاقة له بكون الاسم يخص أنثى، بقدر ما يستهدف المعنى فقط من باب التفاؤل. فـ"كارمن مولا" تعني "كارمن الرائعة"، يقول ميرسيرو، أحد الكتاب الثلاثة، لصحيفة "إلباييس" الإسبانية: "لا أعرف ما إذا كان الاسم المستعار لامرأة سيبيع أكثر من اسم رجل أم لا، ليس لدي أدنى فكرة، كما أشك في ذلك. نحن لم نختبئ خلف امرأة، لقد اختبأنا وراء اسم.. مجرد اسم لا أكثر".

مولا... "فيرانتي الإسبانية"

يذكرنا هذا أيضاً بتضليل الكاتبة إيلينا فيرانتي، الروائية الإيطالية صاحبة رباعية نابولي الشهيرة. لم تسمح فيرانتي لأحد أياً يكن، بالتوصل إلى هويتها مطلقاً. فاختارت اسماً مستعاراً وهاجمت بشراسة لا هوادة فيها كل من حاول كشف شخصيتها، على الرغم مما حققته رواياتها من مبيعات ضخمة وتحويل بعضها إلى أفلام، وكذلك ترشحها للعديد من الجوائز العالمية وفي مقدمتها مان بوكر الدولية. ربما وجد المجتمع الثقافي الإسباني تشابهاً بينها وبين "كارمن مولا"، لا سيما وأن بطلة روايات مولا هي المحققة إيلينا بلانكو، من أجل ذلك أطلقوا عليها "فيرانتي الإسبانية".

طبقاً للمعلومات المقدمة من دار نشر أعمال "كارمن مولا"، فهي امرأة في أواخر الأربعينيات من عمرها، أم لثلاثة أطفال وتعمل بالتدريس الجامعي. وقد وضعت الدار خطة تسويق جيدة تسير علي خطى الإثارة في الترويج لها، فهي تدرس علم الجبر في الصباح وفي أوقات الفراغ فترة ما بعد الظهيرة، تجلس لكتابة رواياتها العنيفة.

في مقابلة أجرتها صحيفة "El Mundo" الإسبانية مع الكاتبة بياتريس جيمينو وهي ناشطة في النسوية وعبور النوع، أعربت جيمينو عن مدى اندهاشها من صورة "كارمن مولا" على صفحتها الرسمية وهي صورة بالأبيض والأسود لامرأة نحيفة بظهر مستدير إلى الكاميرا من دون ملامح واضحة. وأضافت جيمينيو: "بصرف النظر عن استخدام أسماء مستعارة للإناث، تبقى ثمة إشكالية مهمة؛ فقد أمضى هؤلاء الرجال سنوات في إجراء المقابلات وإلقاء التصريحات واستقبال رسائل البريد من القراء من خلال ملف شخصي مزيف... إنهم محتالون!".

المثير للضحك في قصة "مولا"، أن معهد المرأة في إسبانيا أوصى بأعمالها ضمن مجموعة مختارة من الكتب لمؤلفات من النساء، وكانت على رأس القائمة الشاعرة والكاتبة الكندية مارغريت أتوود، ورأت اللجنة أن هؤلاء الكتابات يمكن أن "يساعدن على فهم واقع بل وتجارب النساء في فترات مختلفة من التاريخ، إضافة إلى المساهمة في رفع الوعي بالحقوق والحريات".

ثلاثة أبناء لسيدة مصنوعة

ليس من قبيل الصدفة أن يقع اختيار ثلاثة رجال من الكتاب على اسم امرأة، هي أم لثلاثة أطفال، لا سيما وأن خلق التفاصيل والأحداث والشخصيات هي لعبة كاتب السيناريو الرئيسة. في مقتبل الثمانينيات حقق مسلسلهم القصير "الصيف الأزرق" نسبة مشاهدات فاقت العشرين مليوناً، وهو يدور حول مغامرة لبعض المراهقين أثناء قضاء عطلتهم الصيفية في إحدى القرى الساحلية، في عالم من الحركة والإثارة؛ وهي الأجواء التي تتكرر في أعمال الكتاب الثلاثة سواء المكتوبة للسينما أو التلفزيون أو في ثلاثية "كارمن مولا".

ورغم أن أنطونيو ميرسير هو أصغر الثلاثة (52 عاماً) فإنه عمل في الصحافة لسنوات بعد تخرجه في كلية المعلومات، وفي بداية التسعينيات انتقل من الصحافة إلى كتابة السيناريوهات من خلال المسلسلات التلفزيونية. ويبلغ أغوستين مارتينيز 46 عاماً، درس السينما في جامعة كومبلوتنسي بمدريد وعمل في الإعلانات في بداية حياته المهنية ويكتب الرواية والسيناريو. أما أكبرهم سناً خورخي دياز، من مواليد 1962 فهو أيضاً أكثرهم إنتاجاً، وله روايات عدة. وقد اشترك الثلاثة أيضاً ضمن مجموعة كبيرة من كتاب السيناريو في مسلسل عرض بداية الألفية "Hospital Central" ويعد من أطول المسلسلات الإسبانية، واستمر العرض خلال 20 موسماً على مدار 12 عاماً.

غير مناسبة للقراء الحساسين

جذبت ثلاثية "مولا" منذ صدورها ملايين القراء وترجمت إلى العديد من اللغات، كما أشاد بها النقاد والصحافيون، إلا أن الرواية لم تطرح جديداً عن العوالم المعهودة في الجريمة والإثارة، اللهم في كون البطلة امرأة، "إيلينا بلانكو".

تعمل إيلينا بلانكو مفتشة في لواء "تحليل الحالة" وهي إدارة تم إنشاؤها لحل أكثر الجرائم تعقيداً وشناعة. أما بلانكو، فهي امرأة غريبة الأطوار تعشق العزلة ولديها هوس بالجنس والأوركسترا الموسيقية، وتحب قيادة سيارات الدفع الرباعي. في الجزء الأول من السلسة "العروس الغجرية" تواجه قضية ضحيتها: فتاة من الغجر "سوزانا ماكايا" اختفت يوم زفافها ويتم العثور على جثتها بعد يومين في أحد أحياء مدريد. كان من الممكن أن يتم التعامل مع القضية كجرائم القتل العادية، لولا وجود آثار تعذيب وحشية بجثة القتيلة، وبعض العلامات التي تشير إلى طقوس غير عادية مارسها القاتل على ضحيته.

تغوص بلانكو داخل عالم الغجر الرحل راصدة مظاهر تخلي الغجر الجدد عن عاداتهم التاريخية، بغرض الاندماج في مجتمع ما بعد الحداثة، بين شراسة الغجريات من صديقات العروس في التعامل مع تحقيقات المفتشة، والغموض المتزايد كلما اقتربت من الجاني. تنسج بلانكو جواً من الإثارة والتشويق جعلها تحصل على أعلى التقييمات، فوصفها البعض بـ"الرواية الذكية التي تقشعر لها الأبدان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع الرواية الثانية "الشبكة الأرجوانية" يظهر سيل من الآراء المتحمسة لتلك الكتابة المشوقة، منها رأي الناقدة إليسيا جيل التي أقرت بأنها أصبحت كمدمني المخدرات مع مغامرات بلانكو، وأنها تشعر نحوها بمشاعر مختلطة: "رواية سوداوية في أنقى صورة، موت. عنف. جنس، كل ذلك يروى بطريقة لا تصدق". أثنى كذلك الشاعر وكاتب روايات الجريمة الإسباني كارلوس زانون على عوالم "كارمن مولا" معلناً أسفه: "أسوأ ما في الأمر أنه لا يمكنك دعوتها إلى مهرجان".

تبدأ الرواية في أحد أيام الصيف، حين اقتحمت المفتشة بلانكو منزل عائلة متوسطة متجهة إلى غرفة الابن المراهق، الذي كان يشاهد من خلال جهاز الكمبيوتر جلسة بث مباشر لرجلين مقنعين يقومان بتعذيب فتاة وينتهي البث بموتها. الغريب أن الحادثة الجديدة تدور في إطار الحي السكني نفسه الذي لا يزال يتذكر جريمة "العروس الغجرية"، فإذا به على موعد مع جريمة "الشبكة الأرجوانية"، وهي فرقة خفية تعمل يوتيوبر، ولكن الفيديوهات التي تقوم بترويجها تعتمد على العنف والقتل والتعذيب وإيقاع ضحية جديدة تلو الأخرى على الهواء مباشرة.

ما حجم القسوة التي بات يتمتع بها الإنسان المعاصر؟ أهناك رغبة دفينة داخلنا في العنف، لا ينقصها سوى المناخ المناسب كي تطفو على السطح؟ كيف تزداد سطوة العالم الافتراضي يوماً بعد يوم في ظل التقدم المعلوماتي ورقمنة مشاعر التواصل الإنساني؟ حتماً "لا أحد يعود من الجحيم سالماً"، كما تبدأ الرواية الثالثة من السلسلة.

الملاحظ في الأجزاء الثلاثة أن جميع ضحاياها من النساء- التيمة الأكثر شهرة في روايات الجريمة- بجانب تقديم خلطة من المغامرات الوحشية تعترض طريق المفتشة بلانكو، التي تصيب وتخطئ أحياناً رغم أنها تعمل في إدارة تستلزم قدرات غير عادية، وكأن السرد يتخلى عن الصورة النمطية للبطل "الهيرو" غير القابل للانهزام. ومن ثم فالقارئ على موعد مع المفاجآت المتوالية المغلفة بالقسوة والمعاناة، وربما لذلك أطلقوا على كتابة "كارمن مولا" بأنها "غير مناسبة للقراء الحساسين".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة