Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حرب الأسماك" بين فرنسا وبريطانيا... الدبلوماسية بلغة القوة

حكومة لندن تتعهد بالرد على تهديدات باريس بإجراءات عقابية نتيجة خلاف الصيد

تقول الحكومة البريطانية إنها منحت منذ 31 ديسمبر 1673 تصريحاً بالصيد في المياه الإقليمية البريطانية لمراكب صيد أوروبية (أ ف ب)

تواصل حرب الصيد بين فرنسا وبريطانيا التصعيد من الجانبين بعد احتجاز السلطات الفرنسية مركب صيد إسكالب بريطاني كان يصيد في المياه الفرنسية، وطرد مركب صيد آخر لم يكن يحمل تصريحاً. ودهش البريطانيون الخميس 28 أكتوبر (تشرين الأول) من عناوين الصحف ووسائل الإعلام الفرنسية التي بدت كما لو كانت فرنسا في "حالة حرب" مع بريطانيا بشأن صيد الأسماك.

يذكر أن فرنسا كانت تقود حملة حقوق الصيد خلال مفاوضات اتفاق "بريكست" بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي العام الماضي. وتم التوصل إلى حلول وسط حول حقوق الصيد بشكل مؤقت ضمن اتفاقية التجارة والتعاون، التي جعلت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتم باتفاق.

وعلى الرغم من أن وزيرة الشؤون البحرية الفرنسية أنيك جيراردان وصفت التصعيد بأنه "ليس حرباً، بل معركة فقط"، فإن التغطية الإعلامية بدت عنيفة جداً خصوصاً من الجانب الفرنسي. وقللت جيراردان من تهديد متحدث حكومي فرنسي بأن إمدادات الكهرباء الفرنسية لجزيرة جيرسي البريطانية يمكن أن تتأثر بالنزاع الحالي حول الصيد، وقالت الوزيرة، إن ذلك "يبدو أمراً غير معقول".

غضب فرنسي

أما وزير الشؤون الأوروبية في الحكومة الفرنسية كليمنت بون فقال في مقابلة تلفزيونية، الخميس، "علينا الآن أن نتحدث بلغة القوة، إذ يبدو أن ذلك هو الأمر الوحيد الذي تفهمه الحكومة البريطانية الحالية".

كانت فرنسا اقتادت أحد مراكب الصيد البريطانية في المياه الفرنسية إلى ميناء فرنسي واحتجزته وفرضت عليه غرامة "بسبب مقاومته إجراء تفتيش روتيني ورفضه صعود ممثلي السلطات الفرنسية للمركب".

وهددت السلطات الفرنسية باتخاذ إجراءات تصعيدية رداً على موقف السلطات البريطانية الرافض لمنح تراخيص لسفن الصيد الفرنسية للصيد في المياه الإقليمية البريطانية، بحسب قواعد اتفاق حقوق الصيد ضمن اتفاقية "بريكست".

وتقول الحكومة البريطانية، إنها منحت، منذ 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي 1673 تصريحاً بالصيد في المياه الإقليمية البريطانية لمراكب صيد أوروبية، منها 763 تصريحاً لمراكب فرنسية. وتصر الحكومة البريطانية على أنها أصدرت تصاريح لنحو 98 في المئة من الطلبات المقدمة من سفن الصيد الأوروبية.

لكن السلطات الفرنسية تشكك في تلك الأرقام، وتقول إن 90 في المئة فقط من الطلبات قبلت وصدرت لها تصاريح، وإن نسبة 10 في المئة المرفوضة هي سفن فرنسية. وقالت وزيرة الشؤون البحرية الفرنسية، إن مراكب صيد فرنسية تنتظر منذ نحو 9 أشهر للحصول على تصريح ترفض السلطات البريطانية منحه بذرائع مختلفة، وإن نحو نصف طلبات الحصول على تصريح يتم رفضها.

وهددت فرنسا بفرض إجراءات عقابية على بريطانيا تشمل:

- حظر دخول سفن الصيد البريطانية بعض الموانئ الفرنسية والوقوف فيها.

- تعزيز إجراءات الفحص والتدقيق الجمركية والصحية على سفن الصيد البريطانية.

- زيادة حملات التفتيش الأمنية الروتينية على مراكب الصيد البريطانية.

- تعزيز القواعد المتعلقة بفحص الشاحنات من وإلى بريطانيا.

تلك هي الإجراءات التي ردت الحكومة البريطانية، عبر تصريح متحدث باسمها، عليها مهددة باللجوء للسلطات الأوروبية، وربما مقاضاة فرنسا على ما تعتبره بريطانيا انتهاكاً للقانون الدولي المتعلق بالاتفاقات المبرمة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بما أن فرنسا عضو في الاتحاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الصيادون يدفعون الثمن

وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية تعليقاً على التهديدات الفرنسية بإجراءات عقابية على بريطانيا إذا لم تحل مشاكل الصيد بين البلدين: "التهديدات الفرنسية مبالغ فيها ومخيبة للآمال، وليست ما نتوقعه من حليف مقرب وشريك... لا تبدو الإجراءات التي يهددون باتخاذها متسقة مع اتفاقية التجارة والتعاون "اتفاق بريكست" ولا مع القانون الدولي، وإذا تم تنفيذها فسنواجهها برد فعل مناسب ومحسوب".

انتقدت أحزاب المعارضة البريطانية حكومة "حزب المحافظين" بأنها لا "تسيطر على مفاوضيها بشأن بريكست وحقوق الصيد"، وحذر "حزب العمال" المعارض من أن ذلك يضر بالصيادين البريطانيين والفرنسيين على السواء.

في مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز"، الخميس، قال مدير شركة "ماكدوف شيلفيش" المالكة لمركب الصيد المحتجز في فرنسا أندرو براون: "يوم 27 أكتوبر، صعد أفراد السلطات الفرنسية على سطح السفينة "كورنيليس" واقتادوها إلى ميناء "لوهارف" الفرنسي بينما كانت تقوم بصيد الإسكالب بشكل قانوني في المياه الفرنسية". وأكد مالك السفينة أنها كانت تحمل تصريحاً بالصيد حسب اتفاق حقوق الصيد في اتفاقية التعاون والتجارة.

وطالب الحكومة البريطانية بالعمل على حماية حقوق الصيادين البريطانيين، مضيفاً "لقد استخدمنا كبيدق في نزاع مستمر" بين بريطانيا وفرنسا بشأن حقوق الصيد.

مشكلة جيرسي

ويقول اتحاد الصيادين البريطانيين، إن مراكب الصيد الفرنسية تقوم بالصيد حول جزيرة جيرسي البريطانية أكثر مما تقوم مراكب صيد بريطانية بالصيد في المياه الإقليمية الفرنسية. وكان النزاع حول حقوق الصيد في تلك المنطقة أوشك على التحول إلى مواجهة في مايو (أيار) الماضي، حين هدد الصيادون الفرنسيون بإغلاق ميناء جيرسي الرئيس إذا لم تمنحهم السلطات البريطانية تراخيص الصيد التي تقدموا للحصول عليها.

وحينها، أرسلت البحرية البريطانية فرقاطتين إلى سواحل جيرسي، فأرسلت فرنسا فرقاطتين أيضاً "لحماية مواطنيها في البحر". ومع أن الأمر لم يتطور إلى حرب وقتها إلا أن التوتر لم ينته. وذكر الوضع بما سميت "حرب الإسكالب" في 2018 حين تصاعد التوتر بين قوارب الصيد البريطانية والفرنسية في صيف ذلك العام في مناطق صيد محار الإسكالب في خليج السين على ساحل فرنسا الغربي.

وجزيرة جيرسي، التي تتمتع بوضع قانوني "أوفشور" خاضعة للسيادة البريطانية مثل بقية جزر القنال الإنجليزي كجزيرة جيرسي وغيرها. لكنها قريبة جداً من ساحل غرب فرنسا (تبعد 14 ميلاً فقط عن فرنسا) وبعيدة عن بريطانيا (على بعد 85 ميلاً جنوب ساحل بريطانيا). لذا اعتادت أساطيل الصيد الفرنسية صيد الأسماك في المياه المحيطة بجزيرة جيرسي على مدى نحو نصف قرن، كانت بريطانيا فيها ضمن الاتحاد الأوروبي.

تصعيد أم تخفيف

وعلى الرغم من أن التصعيد زاد بعد "بريكست"، فإنه لم يصل بعد إلى حد حرب أسماك كما حدث قبل نحو نصف قرن. كانت "حرب القد" بين بريطانيا وأيسلندا في بحر الشمال امتدت من 1958 إلى 1976، وتخللتها صدامات مسلحة بين قوارب الصيد البريطانية والأيسلندية وتدخلات من سلاح البحرية لحماية الصيادين.

على الرغم من الخلافات بين فرنسا وبريطانيا، أخيراً، خصوصاً بعد أزمة صفقة الغواصات لأستراليا، فإنه من غير المرجح أن يتطور الأمر إلى حرب.

وذكر المسؤولون عن الخارجية والصيد والبيئة في جزيرة جيرسي، الخميس، أنهم يعملون مع كل الأطراف على التهدئة. وقال بيان لهم، "صباح أمس، التقى المسؤولون من جيرسي مسؤولين من فرنسا وبريطانيا والمفوضية الأوروبية. لقد أحرزنا تقدماً بشأن طلبات الترخيص بالصيد المقدمة من سفن الصيد الفرنسية للصيد في المياه الإقليمية لجيرسي. وكانت نتيجة الاجتماعات مع المسؤولين الفرنسيين والبريطانيين والأوروبيين هي الاتفاق على أن يتم منح 162 ترخيصاً لمراكب صيد فرنسية بدءاً من الجمعة... سنواصل العمل مع المسؤولين الفرنسيين والبريطانيين والأوروبيين ضمن إطار اتفاقية التجارة والتعاون لضمان حصول سفن الصيد الفرنسية على التراخيص".

ويبدو أن فرنسا، التي تقدمت بشكواها للسلطات البريطانية والأوروبية بشأن تصاريح الصيد الشهر الماضي، قد تتغاضى عن التصعيد إذا حلت مشكلة منح بريطانيا لتصاريح الصيد التي تعطلها حالياً.

المزيد من تقارير