بعد مضي ما يزيد على ستة عقود لظهور أول دور عرض للسينما داخل حارات مدينة جدة غرب السعودية، التي عرفت في ما بعد بـ"سينما الأحواش" تعود تلك الحارات لاحتضان "سينما الحارة" وهي مبادرة توعوية رعاها مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.
وتتألف المبادرة الأولى من نوعها بحسب القائمين عليها الذين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، من عدة دورات وعروض تُقدم في الهواء الطلق في أحياء مختلفة في جنوب مدينة جدة. تهدف فكرة البرنامج إلى نقل مهرجان البحر الأحمر إلى قلب مدينة جدة ليكون على مقربة من الناس. حيث تم تفعيل ستة عروض في أربعة أحياء مختلفة في المدينة ابتداءً من 9 أكتوبر (تشرين الأول) إلى 30 أكتوبر الحالي.
ويسعى المهرجان إلى تسريع نمو صناعة السينما والإسهام في جعلها في متناول الجميع من كافة الأعمار. ومن خلال هذه المبادرة يستهدف المهرجان الشباب على وجه التحديد، لإلهام الجيل القادم الذي لا يعتبر صناعة الأفلام مهنة مناسبة له ليصبح من المواهب وصانعي الأفلام. كما يقدم المهرجان الفرصة لجميع ساكني جدة للمشاركة في البرنامج والدورات المقامة والأفلام.
مشاهد حية
وقالت صاحبة الفكرة المخرجة فايزة أمبة "إن المبادرة هي تعريف أبناء تلك الأحياء بكيفية صناعة الفيلم وما يدور خلف الكواليس من خلال تصوير مشاهد سينمائية حية داخل الحارة".
وأضافت "أن الفكرة كانت إقامة ورش عمل غير تقليدية ضمن فعاليات المهرجان، بحيث يتم تصوير الفيلم أمام الجمهور بشكل تفاعلي، وهي فكرة جديدة من نوعها، فيها نوع من التميز من خلال طرح أفكار غير تقليدية عن ورش العمل والدورات التي تكون في العادة نظرية، إضافة إلى أنها ستمنح المهرجان ميزة بخلاف المتعارف عليه في المهرجانات الأخرى التي في الغالب تكون نخبوية للعاملين في مجال السينما.
وترى أن مبادرتها تقدم شيئاً مختلفاً يتمثل في مشاركة أبناء الحي بالعمل السينمائي أثناء تصوير الفيلم، منهم الممثلون وآخرون يعملون في التصوير كمساعدين للمصورين الأساسيين، وآخرون يعملون في التنظيم، إضافة إلى انغماس الجمهور في رحلة تجريبية، بينما تم اختيار ثلاثة إلى خمسة أشخاص للمشاركة في تصوير المشهد كممثلين إضافيين أو كجزء من طاقم الفيلم، بعد زيارات عدة للحارات المختارة ضمن الوثائقي، لاختيار من لديهم الموهبة والرغبة في العمل السينمائي.
وبحسب أمبه "تلك المشاهد وما يدور في كواليسها من حيث التدريب وخلافه ستكون ضمن فيلم وثائقي سينشر لاحقاً".
الفكرة ولدت في "السبيل"
وحول اختيارها لأحياء جنوب جدة كمواقع لتدشين مبادرتها، قالت "في الماضي صورت فيلماً في حارة السبيل، وأثناء التصوير لمست فضول أبناء الحي لعالم السينما، ورغبتهم في التعرف عليه. ويمكن القول إنهم بعيدون عنه كل البعد".
وأوضحت أن أبناء تلك الأحياء لديهم حس عال نحو المجتمع، فهم "أكثر ترابطاً والجميع يعرف بعضه بعضاً، ولديهم حياة اجتماعية مترابطة جداً".
واستطردت بالقول "عندما خطرت فكرة المبادرة، توجهت إلى تلك الأحياء بهدف البحث عن ممثلين وآخرين يعملون كمساعدين في كافة المهن التي تندرج تحت العمل السينمائي، لا سيما أن أبناء تلك الأحياء لديهم حس عال وتعطش للفن والسينما".
وعملية الحصول على مؤهلين للقيام بالأدوار المنوطة لهم في إنتاج الفيلم السينمائي لم تكن سهلة بحسب المخرجة وصاحبة الفكرة، إذ تطلب الأمر زيارات متعددة لتلك الحارات ومقابلة عديد من أبنائهم الراغبين في خوض التجربة، ومن ثم عمل الاختبارات لاختيار الفريق الذي سيعمل في تصوير المشهد السينمائي الحي، ومن ثم تبدأ عملية التدريب قبل موعد التصوير الفعلي للمشاهد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفتت إلى أن الموهوبين الجدد من أبناء تلك الحارات أصبحوا جزءاً من العمل، لا سيما وأن البعض منهم أصبح يشارك أمبه في أعمال التطوير في الأحياء كافة.
نمو صناعة السينما
من جانبه قال إدوارد وينتروب، المدير الفني لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي "إن السعودية مليئة بالمواهب غير المستغلة، ومن أولوياتنا تمكين المواهب المحلية من تحقيق طموحاتهم. سنتمكن من خلال برنامج سينما الحارة من نقل صناعة السينما من صالات العرض إلى شوارع جدة في محاولة تثقيف وتمكين وإثارة شغف الشباب من خلال منحهم الأدوات اللازمة للنجاح وتعزيز مواهبهم".
ولفت إلى أن مهرجان البحر الأحمر السينمائي يهدف إلى أن يكون رائداً محلياً وعالمياً، ليس فقط لأنشطة ومسابقات المهرجان، ولكن أيضاً للتأثير الذي سنتركه على الأجيال المقبلة من خلال البرنامج.