Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليبيا عودة الروح!

أصبحت مسألة دولية سواء بالقرارات الأممية أو بالتدخل في شؤونها منذ مارس 2011

المؤتمر الوزاري "دعم استقرار ليبيا" في العاصمة طرابلس (أ ف ب)

كنت ذات مرة، كتبت مجازاً أن ليبيا دولة الأمم المتحدة، لأنها حصلت على استقلالها 24 ديسمبر (كانون الأول) 1951، بقرار من الأمم المتحدة. ولم يخطر في بالي أن ليبيا عقب ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، سيعود أمرها مرة ثانية إلى الأمم المتحدة، وتصبح المسألة الليبية مسألة دولية، ومن ثم تغرق تحت سيل من المؤتمرات. لكن هذا ما حدث حتى أني أظن أن ليبيا في عقد من الزمان، 2011-2021، قد ضربت رقماً قياسياً في ما يخص المؤتمرات التي عقدت حولها، مما يجعلها تدخل قياس "غينيس" بسهولة. 

هذا الأمر مُلفت للنظر، فالأزمة الليبية منذ مارس (آذار) 2011  قد أصبحت مسألة دولية، سواء بالقرارات الأممية، أو بالتدخل في شؤونها، بخاصة التدخل العسكري عقب قرار مجلس الأمن 1973، أو بالمؤتمرات المتتالية. وذلك يعكس صراع مصالح ونفوذ إقليمي ودولي حول ليبيا، وهذا مما أجج الانقسام الأفقي في البلاد، التي ضرب الانقسام عاصمتها طرابلس، مما جعلها ساحة للقتال حولها وفيها، وانتشرت على أرضها ميليشيات متضاربة متقاتلة، مرجعيتها قوة خارجية داعمة.

لكن لا بد أن نلاحظ أن كل المؤتمرات عقدت خارج البلاد، وفي عواصم تعمل على تكريس نفوذها عبر عقد مؤتمر أو أكثر على أرضها، فيما تعقد دولة أخرى مؤتمراً مضاداً، وهذا ما أفشل تحقيق نتائج على الأرض التي غدت ساحة وغى داخلية. وقد حاولت ألمانيا عبر مؤتمرات ثلاثة تخص المسألة الليبية أن تلعب دور الطرف الثالث، لكن لم تنجح إلا في الجولة الثالثة، مؤتمر برلين يناير (كانون الثاني) 2020. ما أكد وقف إطلاق النار، وطرح خريطة طريق بدأ تنفيذها ببطء في سبق بين السلحفاة/ خريطة الطريق، والأرنب/ المعطيات على الأرض. 

أفترض أن ما أنجزه مؤتمر برلين، هو ما أنتج مجلس الرئاسة والحكومة المركزية، وعليه صار للدولة رأس واحد، فاستتب إلى حد بعيد الوضع الأمني، بخاصة في العاصمة المضطربة. ما مكن السلطة التنفيذية عبر وزارة الخارجية التي ترأسها لأول مرة في تاريخ ليبيا سيدة هي نجلاء المنقوش من استعادة مؤتمرات المسألة الليبية من الخارج، بعقد المؤتمر الوزاري "دعم استقرار ليبيا"، الخميس الموافق 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وفي العاصمة طرابلس. ما كان في حد ذاته نجاحاً يؤشر إلى عودة الروح للدولة الليبية، وعودة الروح ليس بالأمر الهين في بلاد في حال حروب السلام. 

وفي البند السابع من نص البيان الصحافي الصادر في ختام المؤتمر "عزم الحكومة الليبية الأخذ بزمام المبادرة في إطار قيادة الجهود الدولية لإنهاء الأزمة في ليبيا. وأن إطلاقها لمبادرة دعم استقرار ليبيا يأتي كخطوة في إطار تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، ومخرجات مؤتمري برلين حول ليبيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكدت الفقرة الأولى من البيان "الالتزام الدائم والثابت والقوي، لحكومة الوحدة الوطنية، بسيادة ليبيا، واستقلالها وسلامتها الإقليمية، ووحدتها الوطنية، ورفضها القاطع للتدخلات الأجنبية، في الشؤون الليبية، وإدانتها لمحاولات خرق حظر السلاح، وإثارة الفوضى في ليبيا". كما أكدت النقطة الخامسة "أهمية اتخاذ التدابير اللازمة، والاستحقاقات لبناء الثقة وخلق بيئة مناسبة، من أجل عقد الانتخابات الوطنية، بشكل نزيه وشفاف وجامع، في 24 ديسمبر 2021". وشددت النقطة السادسة على أن إنهاء النزاع وتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، هو أساس لإحلال السلام وبناء الدولة وركيزة للتعايش السلمي، ودافع لعجلة الاقتصاد والتنمية.

هذه البنود تلخص المأمول والممكن، ولكن تكشف أن ليس بالمستطاع إليه سبيلاً، ومن هذا تأكيد من الداخل بأن ليبيا مسألة خارجية. ومقاربات عدة تؤكد عودة الروح إلى ليبيا، لكن عقد المؤتمر الوزاري "دعم استقرار ليبيا" المؤشر الرئيس في هذه اللحظة.

وما يلي مؤتمر آخر في باريس، أي عود على بدء، وقد غصت ليبيا بالمؤتمرات، وما خص باريس منها عدة، وقد سمعنا قعقعة ولم نر طحيناً. بيد أن هذه المرة، التي نأمل أن تكون الأخيرة في رسالة جاءت من فرنسا، أعلنت فيها عزمها وإيطاليا وألمانيا!، تنظيم مؤتمر دولي حول ليبيا في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل على مستوى رؤساء الدول والحكومات. والمؤتمر كما قال عنه، نيكولاس دو ريفيير، مندوب فرنسا الدائم لدى الأمم المتحدة، يهدف إلى "إظهار دعمنا المستمر للعملية السياسية، لا سيما تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية الليبية، وكذلك من أجل التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار، وعلى نطاق أوسع، لتحقيق الاستقرار في ليبيا، مع الأخذ في الاعتبار التداعيات الإقليمية للأزمة الليبية". وقد قام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، بتسليم رئيس مجلس الرئاسة محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة الدعوة لحضور مؤتمر باريس.

وهكذا نلاحظ، أن مؤتمر باريس يتم بدعوة من حكومات أوروبية، فرنسا وإيطاليا وألمانيا، كانت تتنازع حول عقد مؤتمر يخص ليبيا، وأن الدعوة وجهت إلى ليبيا للمشاركة، من خلال مجلس الرئاسة والحكومة. كما لا بد أن لا ننسى أن فرنسا وُجدت في المسألة الليبية لحظة تفجر ثورة فبراير، بقرار دولي لم تعترض عليه روسيا ولا الصين، وترحيب شعبي ليبي برفع الأعلام الفرنسية. وسواء كان خطأ كما صرح أخيراً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو كان صواباً كما رأى حينها المجتمع الإقليمي والدولي والليبيون، فإنه حتمي تاريخي، فلم يكن ممكن منعه حينها، ولا تغييره بعدها.  ما يعني أن ثمة مهمة لم تكملها فرنسا ودول الأمم المتحدة باستقرار ليبيا، وأن لا يكون الحل اللا حل.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء