Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية تقطع "شعرة معاوية" مع التيارات الدينية

"الشؤون الإسلامية" قادت حملة ضد المنظمات المختلفة من "الإخوان المسلمين" إلى "السرورية" و"جماعة التبليغ"

الحديث عن "السرورية" عاد مجدداً بعد حملة ضد الخطاب المتطرف (اندبندنت عربية - بشير صالح)

في وقت صنفت فيه السعودية جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية في وقت مبكر من العقد الماضي؛ سكتت عن جماعات عدة باعتبار الإخوان أم الجماعات المتطرفة التي غالبا ما يؤول أصحابها إلى الإرهاب تنظيراً أو تطبيقاً.

لكن الرياض التي تقود برنامجاً تحديثياً في جوانب شتى، يبدو أنها قررت قطع شعرة معاوية مع سائر تيارات الإسلام السياسي، بعد أن أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية في البلاد تسخير المنابر لمواجهة تلك الجماعات فكريا، واحدة تلو أخرى.

 وشكل التحذير الأخير من خطر جماعة "التبليغ" بوصفها "بوابة للإرهاب" نقطة تحول أخرى في الحملة على هذا النوع من التيارات، فلئن شددت الجهات الرسمية في رفض التبليغ، فإن غيرها من باب أولى.

ومع أن جماعة التبليغ وفقا لوسائل إعلام هندية رفضت التهم السعودية والحملة ضدها، إلا أن موقف المدرسة الدينية في الرياض ضدها ليس جديداً، فهي بالنسبة إليهم يتسم خطابها بكثير من الخرافة والجهل والتزهيد في طلب العلم، ناهيك عن الموقف الأشمل من كل التيارات والاحزاب، التي تفرق المجتمع وتشق عصا الطاعة بشكل أو آخر، وفقا لأدبيات نظّر لها كبار علماء الدين في السعودية منذ عقود، مثل عبدالعزيز بن باز وخلفه عبدالعزيز آل الشيخ.

لماذا السعودية مغرية؟

وتتنافس التيارات الاسلاموية على خلق سوق لها في السعودية منذ عقود سراً أو علنا، لاعتبارات أهمها قوة الرياض الاقتصادية وثقلها الديني بوصفها تضم قبلة المسلمين ومثوى رسولهم، حيث مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وهذا ما قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إنه يتفهمه ويدعو الأجهزة المختلفة في بلاده إلى اليقظة.

وقال في حواره مع "التايم" الأميركية قبل بضع سنين "إن السعودية هي أكبر ضحية للفكر المتطرف. إن كنت أنا أسامة بن لادن أو أي متطرف أو إرهابي، وأردت نشر الأيديولوجية الخاصة بي وأردت التجنيد، فمن أين سأقوم بالتجنيد؟ إن أردت نشر الايدلوجية فسأذهب إلى السعودية. علي أن أذهب إلى قبلة المسلمين. علي أن أذهب إلى البلاد التي تحتضن المسجد الحرام. وذلك لأنني إن قمت بنشرها هناك، فإنها ستبلغ كل مكان".

في هذا الصدد يمكن فهم غضب جماعة التبليغ من التحذير السعودي، وهي التي نقلت صحيفة "تايمز أوف انديا" الهندية عن أحد آبائها الروحيين سمير الدين قاسمي اعتباره الجماعة قامت بإصلاح المسلمين المنحرفين وعملوا كحصن ضد الإرهاب العالمي، معتبراً اتهام السعوديين "لا أساس له ضد جماعة التبليغ. لا علاقة لنا بالإرهاب. في الواقع، نحن نوقف الإرهاب وندينه، ولا نسمح لأعضائنا بالتحدث ضد أي دين أو مجتمع أو بلد والتركيز على أركان الإسلام الخمسة. لم يتم العثور على أي من رجالنا على الإطلاق في أي نشاط إرهابي. وقد تم تضليل الحكومة السعودية"، على حد زعمه.

عملياً تحول عدد من المتأثرين بخطاب الجماعة إلى تيارات أصولية أكثر تشدداً، ومنهم قياديون في تنظيم القاعدة، مثل زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لقاعدة المغرب الإسلامي إياد أغ غالي، الذي اعتنق التدين على طريقة "التبليغ" ونشط مع الجماعة في سياق تحولات فكرية عدة، قادت في نهاية المطاف إلى تصنيفه على قوائم الإرهاب الدولية.

وعلى الرغم من الحملة ضد جماعات الاسلام السياسي بمختلف توجهاتها في الرياض، إلا أن الباحثين السعوديين يجمعون على أن أشدها خطراً بعد القاعدة وداعش؛ تنظيم الإخوان المسلمين، والسرورية بوصفهما الأكثر تغلغلا في المجتمع وتدثراً بأغطية دعوية واجتماعية وتعليمية وخطابية وسواها، عبر الأسماء المستعارة والمنصات الأجنبية، إن عزت المحلية.

هل "السرورية" لا تزال حاضرة في المشهد؟

لا تزال حركة "السرورية" تطل في المشهد الخليجي بين الحين والآخر، ليس عبر خطب وبيانات بعض منسوبيها كما كانت في السابق، وإنما بواسطة سجالات السوشيال ميديا وهاشتاغاتها  والأسماء المستعارة والتحريض على بعض ما تراه الحركة يناقض النهج الاسلامي الذي ترتضيه، ونادراً من خلال تعليقات بعض منسوبيها في الخارج.

وفي الآونة الأخيرة ضجت منابر السعودية بحديث لافت، تناول الحركة الدينية التي ظلت تثير السجال والجدل في البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي.

ولم يكن حديث أكثر من 15 ألف خطيب جمعة في البلد مترامي الأطراف ليأتي من فراغ، إلا أن وزارة الشؤون الإسلامية اكتفت بالتعميم على منسوبيها تدعوهم إلى التحذير من الجماعة التي "تنتهج السريّة للوصول إلى أهدافه وعلى رأسها تحريض الناس على الخروج على ولاة الأمور وتفريق جماعة المسلمين وبث الفرقة بينهم ونشر الحروب في بلدانهم".

وكانت الوزارة المختصة اعتادت مثل هذا التعميم بين حين وآخر حول مواضيع بعينها نظير أهميتها الاجتماعية، أو الرغبة في بث التوعية ضدها أو من أجلها، لكن الخطب من هذا النوع لا ترسل إلى الخطباء مكتوبة، وإنما تترك الوزارة لكل خطيب تقديره في الطريقة التي يتناول بها الموضوع.

سيرة جدلية

وأثارت "السرورية" الجدل الأول الذي دفع السلطات لتحجيمها عند حرب تحرير الكويت 1991، يوم خاض نشطاؤها مواجهة علنية لقرار السعودية استقدام قوات أجنبية حليفة لها لطرد صدام من الكويت، وهو ما أجج سخط هذا التنظيم، ودفعه إلى مشاغبة دولة ارتكبت محظوراً دينياً في نظرهم هو "الاستعانة بغير المسلمين في محاربة العدو"، خلافاً لما فهموا من حديث نبوي شريف يدعو إلى إخراج المشركين من جزيرة العرب.

ومنذ ذلك الحين وفقاً لرئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل بدأت الرياض تهتم بحركة التيار وأهدافه السرية التي تتجاوز الأنشطة الدينية إلى تجييش المجتمع ضد الدولة، ومحاولة الوصول إلى السلطة، وهناك تم التحرك ضد قيادات "السرورية" التي أصبحت تعرف بتيار "الصحوة"، واقتيد رؤوسها إلى السجن.

ما أثار نقطة الصدام الأشد، هي أن "السرورية" قامت بشغبها ذاك في القصيم وسط البلاد خصوصاً وعدد من مناطق البلاد، ليس خلافاً للسلطات السياسية في الدولة وحسب، ولكن كذلك ضد السلطة الدينية الرسمية الممثلة في هيئة كبار العلماء، التي أفتت بقيادة رئيسها الشهير عبد العزيز بن باز باستعانة الحكومة بقوات أجنبية تساعدها في مهمة طرد المحتل، من منطلق ديني وتاريخي، جرى به العمل في مرحلة مبكرة من تاريخ الدولة الإسلامية حتى في عهد نبي المسلمين حين استعان بـ "صفون بن أمية" ومن معه في إحدى مواجهاته مع أعدائه بُعيد فتح مكة، إلى غير ذلك من البراهين التي حشدتها في بيانها القوي في ذلك الوقت.

الحركيون بعد ما يسمى "الربيع العربي" 

بعد انتهاء حرب الخليج وزوال الاحتلال العراقي، عادت الحركة تدريجياً في ممارسة نشاطها، حتى انطلق ما يعرف بالحوار الوطني السعودي، الذي شمل كل الأطياف الدينية والمذهبية في البلاد بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، لكن نشاطها بدأ يتجدد إثر غزو العراق والحرب على الإرهاب التي نشط فيها بعض عناصرها كأفراد، إلى أن جاء ما يسمى "الربيع العربي" 2011 ليعود جو الحركة الثوري مجدداً، حافلاً بالدعوة إلى التغيير والثورة ضد الأنظمة الحاكمة، مما فُهم أنه دعوة للخليجيين بشكل غير مباشر إلى التأسي بالتونسيين والليبيين والمصريين في الثورة ضد حكامهم!

 

وقادت فرقة يعتقد أنها متصلة بالتيار الأم اعتصامات أمام الديوان الملكي في الرياض 2013 لرفض ما يسمونه "التغريب" وعرفت فيما بعد بـ "الحركيين"، في تحول تمت معالجته من جانب الحكومة بروية، إلا أن عدداً من الباحثين يراه صورة مصغرة لما يمكن لهذا التيار أن يدفع إليه بلداً تحظر قوانينه المظاهرات وتأسيس الأحزاب، ويعتبر هذا النوع من الاحتجاجات غريباً على مجتمعه، الذي تفاعل بعض أفراده مع الحراك ورفضه بشدة.

غير أن نهج التيار في القيام بأعمال يراها احتسابية ضد أنشطة اجتماعية أو حكومية كان سائداً قبل مرحلة الثورات، خصوصاً في مناسبات "معرض الكتاب"، التي نشط فيها شبان متحمسون يحركهم قادة التيار لرفض كتب أو روايات لا توافق توجهاتهم الفكرية، وكذلك محاولة اقتحام أنشطة فنية مثل المسرحية التي أقيمت في جامعة اليمامة (شمال الرياض) عندما قاموا باقتحامها وفضها بالقوة، قبل أن تتدخل الشرطة وتجري التحقيق في الحادثة.
في هذه المرحلة يرى كتاب مثل خالد العضاض وآخرون أن السرورية انكشفت أكثر، خصوصاً في عهد أوباما الذي كان يرى وصول حركات الإسلام السياسي للحكم في بلدانها حلاً مقبولاً لمكافحة الإرهاب، في وقت يؤكد المتخصصون في تلك الجماعات أن "الجميع أتى من مرجعية واحدة هي حركة الإخوان المسلمين، فالقاعدة ومن بعده داعش وما يسمى السلفية الجهادية وأيضاً السرورية جميعها جيوب منشقة أو تابعة للحركة الأم، والاختلاف بينهما لا يعدو التفاصيل". ويوثق أمثال الباحث السعودي عبدالله بن بجاد أنه حتى الثورة الإسلامية الإيرانية التي وصلت إلى حكم إيران في 1979 على يد روح الله الخميني إنما تأثرت بالإخوان المسلمين وعلى رأسهم حسن البنا ومحمد قطب وبقية الرموز الملهمين للجماعة مثل أبي الأعلى المودودي وجمال الدين الأفغاني.

ويعتبر الكاتب السعودي الآخر محمد علي المحمود في مقالة له نشرتها صحيفة "الرياض" السعودية في وقت سابق أن "من لم يقرأ جيداً تاريخ الإخوان، من الطبيعي أن يأخذه العجب لمتانة العلاقة بين الإخوان والتيار الإسلامي في إيران الذي يرى تمظهراتها في الراهن العملي. كل من قرأ هذا التاريخ؛ يدرك عمق الوشائج الفكرية والعملية بين الإخوان وإيران. إن الإخوان يعون جيدًا أن متأسلمي إيران معجبون بالحركة الإخوانية، وبآراء كبار مفكريها، وأنهم تمثّلوا كثيراً من مساراتها".

مرحلة "العودة إلى الحياة الطبيعية"

وهكذا بعد مرحلة الربيع العربي، أصبحت القناعة أكثر رسوخاً بأن "السرورية" التي يعبر عنها محلياً أكثر بمصطلح "الصحوة" لا يمكن الوثوق بها، فكان بين أهم سمات مرحلة رؤية السعودية 2030 التحجيم من نشاط الحركة ورموزها، نظير ما اشتهرت به من رفض الانفتاح والحريات الاجتماعية، خصوصاً ما يتعلق منها بالمرأة والفن والترفيه، وما يرونه تغريباً وتفريطاً في "الخصوصية السعودية".

وفي هذا السياق كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صريحاً في رفضه نهج "السرورية" التي اعتبرها أخطر من الإخوان المسلمين. وقال ضمن حواره مع مجلة "التايم" الأميركية إن السروريين أكثر تطرفاً من غيرهم، وأنهم "مجرمون بموجب قوانيننا، وستتم محاكمتهم متى توافرت الأدلة الكافية ضدهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن على الرغم من ذلك سادت انتقادات حقوقية التعامل السعودي مع رموز الحركة وبعض من يوصفون بالنشطاء، إلا أن الرياض لم تهتم بتلك الأصوات، وتعتبرها تدخلاً في شؤونها الداخلية. وكانت تعهدات ولي العهد حاسمة في أن بلاده لن تضيع 30 سنة أخرى من عمرها في مداراة المتشددين.

وقال "نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه قبل عام 1979، إلى الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب"، لافتاً إلى أن 70 في المئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، "وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سندمرها اليوم وفوراً. نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة... وهذا أمر أعتقد أنه اتُّخذت خطوات واضحة حوله".

ورأى أن مشروع الصحوة بدأ انتشاره في السعودية والمنطقة عام 1979، وأن "السعودية لم تكن كذلك قبل ذلك التاريخ، وكذلك المنطقة كلها"، في إشارة إلى الثورة الإيرانية التي يراها منشأ التشدد الذي طبع المشهد العربي وليس السعودي فقط بعد بزوغها. ولذلك قال "الصحوة انتشرت بعد عام 1979، لأسباب كبيرة لا مجال لذكرها الآن".

هكذا تأسس التيار

أما بالنسبة لمنشأ "السرورية" الحركة، فإنها جاءت في أعقاب انشقاق مدرس رياضيات سوري هو محمد سرور زين العابدين عن تيار الإخوان المسلمين في دمشق، ما دفعه إلى قصد السعودية بحثاً عن العمل، وفيها استقر ومارس التدريس في مدن عدة مثل القصيم وحائل والأحساء، وحينها في أوائل الثمانينيات الميلادية بدأ يؤسس "تنظيماً" أو "تياراً"، أراد به المزج بين منهج الإخوان المسلمين الحركي – السياسي، وبين منهج السلفية المحلية التقليدية في السعودية (الوهابية) فنشط في هذا الصدد حتى تم له ما أراد.

وبعد مدة طويلة من الجهد والعمل السري استطاع سرور كما يروي في إحدى الحوارات التلفزيونية معه، أن يجعل تياره معروفاً على الرغم من أنه لم يطلق عليه أي اسم، نزولاً عند رغبة مؤسسيه، ومن هنا صار نحتاً من اسمه "سرور"، حين لم يطلق على تنظيمه أي اسم. وقال إن الاسم بدأ مزاحاً ثم نقداً حتى صار مصطلحاً يميز التيار برمته. بعد أن ضاقت السعودية بنهج سرور لأسباب عدة بينها تنافسه مع تيار الإخوان المسلمين المهيمن آنذاك في غفلة من الدولة والمجتمع، اتجه إلى لندن حيث استمر في نشاطه وتواصله مع مريديه عن بعد، قبل أن ينتقل إلى قطر ويعيش سنواته الأخيرة هنالك حتى وافته المنية 2016.

ومن بين ما انتقده خطباء الجمعة في السعودية في حملتهم الأخيرة على التيار، "سريته وتحزبه وأنه يهون من كتب العقيدة وطاعة ولي الأمر"، ناقلين رفض أشهر علماء البلاد مثل ابن باز لمقولة نسبت إلى مؤسس التيار، ادعى فيها أن كتب العقيدة الإسلامية تتسم بالجفاء. وأن نصوصها كتبت في وقت قديم وتحتاج إلى تحديث. ويعتبر أنها نصوص مجردة بحاجة إلى "روح ثورية".

ولا يتوقع أن تقف تحذيرات المنابر السعودية عند هذا الحد، ففي الأسابيع والأشهر المقبلة ربما تضيف الشؤون الإسلامية في البلاد إلى قائمة تحذيراتها جماعات أخرى، إذ لطالما كانت الرياض واضحة في رفضها التحزب الديني تحت أي لافتة أو مبرر.

المزيد من تحقيقات ومطولات