Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

داعش... بداية ونهاية (الحلقة الأولى)

يقتل التنظيم المدنيين والجنود لإخفاء الأهداف الحقيقية من وجودهم وانتشارهم

مقاتلون ينتمون إلى تنظيم داعش الإرهابي في العراق (أ.ف.ب)

إن الإعلان عن قيام "داعش" في 8 أبريل (نيسان) 2013، جاء بعد مراحل تطورية لعشر سنين تقريباً، وصولاً إلى إعلانه "الخلافة الإسلامية" بتاريخ 29 يونيو (حزيران) 2014. تلك الخلافة الداعشية التي اندفعت وتوسّعت بسرعة مذهلة، إذ في غضون ستة أشهر من وجودها سيطرت على مساحة شاسعة داخل العراق وسوريا.

إن هذا التمدد الاندفاعي المتسارع لـ"داعش"، له صورة مشابهة في حركة طالبان، التي اكتسحت جميع الفصائل المسلحة المتناحرة خلال أحد عشر شهراً، وحكمت معظم أفغانستان منذ سبتمبر (أيلول) 1996، حتى سقوطها على يدّ الأميركيين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001. فقد كانت الحركة الطالبانية مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية بالسلاح، ودول الخليج العربي بالمال، وباكستان بالاستخبارات والدعم المركزي.

لذلك تجد أن النظام الإيراني هو أول من استغل هروب عناصر تنظيم القاعدة من أفغانستان إلى إيران في أواخر عام 2001. وعندما طالبت الإدارة الأميركية بتسليمهم عناصر القاعدة، كان جواب طهران "من الأفضل أن يكونوا تحت أنظارنا". وتحت النظر، استطاعت إيران أن تُجنّدَ جناحا قاعديا تابعا لها، ولقد استخدمته أيما استخدام، بعد توافقهم مع الجانب الأميركي على احتلال العراق، كما فعلوا ذلك تجاه أفغانستان.

المراحل الأولى
بعد الغزو الأميركي للعراق، ودخول قواتها العسكرية إلى بغداد في 9 أبريل (نيسان) 2003، تسللت عناصر تنظيم القاعدة الهاربة من أفغانستان إلى إيران، مدّعين أن هدفهم ضمن هدف المقاومة العراقية. ومن الذين جاؤوا من أصفهان إلى العراق، أحمد فضيل نزال الخلالية، وكنيته أبو مصعب الزرقاوي (1966- 2006)، الذي شكّل تنظيم "جماعة التوحيد والجهاد" في سبتمبر (أيلول) 2003. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2004، بايع الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن (1957-2011)، وصار اسم التنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين". وهكذا استمرت خدعة العرب السُّنة بهذا التنظيم الجهادي، الذي يتظاهر بمحاربة جنود الاحتلال الأميركي. وما أن كسب المزيد من العناصر والأماكن العراقية، في محافظات نينوى والأنبار وديالي وكركوك وصلاح الدين، حتى بدأ يقتل كل مَنْ لا يوالي تنظيمه، فدخل في مواجهات وصراعات مسلحة كثيرة ضد فصائل المقاومة بكل أطيافها الوطنية والقومية والإسلامية. ناهيك بقتله أيضاً العرب الشيعة بدعوى أنهم "روافض"، وهي ليست أكثر من تمويه إيرانيّ خفيّ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد ضمَّ الزرقاوي تنظيمات أخرى، لينبثق عنها "مجلس شورى المجاهدين في العراق" في يناير (كانون الثاني) 2006. وبعد مقتل الزرقاوي في 7 يونيو (حزيران) 2006 بغارة أميركية في محافظة ديالي، (وكان من السهل التعرف إلى جثته لكثرة الوشوم على جسده، سيّما وأنه كان من أرباب السوابق، فقد سُجن في الأردن لأسباب جنسية ومخدرات قبل أن يتجه إلى النهج المتطرف)، تم تأسيس "دولة العراق الإسلامية" بزعامة أبو عمر البغدادي في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2006.

وعندما انشقّ الملا ناظم الجبوري (1987- 2012) عن تنظيم القاعدة في العام 2007، وتعاون مع حكومة نوري المالكي ضدهم، ثم أدرك وجود جناح قاعديّ مرتبط بإيران، ألمح إلى هذا الأمر، فتم تهديده بالقتل، واضطر إلى الهروب إلى عاصمة الأردن عمّان. ولكن لسبب غامض رجع الجبوري إلى بغداد، واغتالوه أثناء خروجه من "المنطقة الخضراء"، معقل المالكي، ولقد تبنى عملية اغتياله تنظيمُ "دولة العراق الإسلامية"، بدعوى أنه مُرتدّ يستحق القتل.

صار تنظيم "دولة العراق الإسلامية" أحد أقوى الفصائل في الميدان، لاتّباعه سياسة تصادمية خبيثة، إذ عند دخوله المناطق ذات الوجود "المقاوماتي"، يقترح على الفصيل أو الفصائل المقاومة الموجودة، الشروط التالية:

1- إعلان البيعة للتنظيم.

2- أو الخروج وتسليم السلاح.

3- أو المواجهة القتالية.

ولكي لا يتم استنزاف المقاومة العراقية، وإبعادها عن مواجهة المحتل الأميركي، فالكثير من الفصائل ارتأت عدم الانجرار إلى قتال التنظيم، إلا بالضرورة القصوى. وفي 19 أبريل (نيسان) 2010، شنّت القوات الأميركية عملية عسكرية في منطقة الثرثار، مستهدفةً منزلاً يختبئ فيه أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر، فتم قتلهما وعرض جثتيهما. وقبل نهاية ذلك الشهر، اختار التنظيم إبراهيم عواد إبراهيم (1971-)، المُكنّى أبو بكر البغدادي، زعيماً له.

في سوريا
بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011، التي كانت سلميّة ثم تحولت إلى مسلّحة، بسبب القمع الوحشي الذي مارسه النظام السوري. إذ تشكلت جماعات وفصائل قتالية لمجابهة قوات النظام الحاكم، ففي 24 يناير (كانون الثاني) 2012 تم إعلان "جبهة النصرة لأهل الشام"، وأمينها العام أسامة العبسي الواحدي (واسمه عند الولادة أحمد حسين الشرع)، وكنيته أبو محمد الجولاني (1981-)، وهي تتبع تنظيم "داعش" في العراق. ولم يستغرق الوقت طويلاً حتى أعلن أبو بكر البغدادي بتسجيل صوتي في 9 أبريل (نيسان) 2012، أن جبهة النصرة هي امتداد لدولة العراق الإسلامية. كما أعلن إلغاء اسميّ جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية تحت مُسمى واحد، وهو "داعش". وكرّر هذا القول الناطقُ الرسمي باسم "داعش"، طه صبحي فلاحة، المُلقب أبو محمد العدناني (1977-)، الذي أكد أن مقاتليها أزالوا الحدود بين العراق وسوريا.

بيد أن الجولاني، الذي أرسله البغدادي ضمن مجموعة من الرجال للعمل في السر والكتمان، شقّ عصا الطاعة، فهو يمتلك رؤية تخصّه في الاعتدال، لذلك رفض هذا الاندماج بين التنظيمين، وأعلن مبايعته تنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري (1950-) في أفغانستان (والأرجح هو في إيران). ولقد أمر الظواهري بأن يعود البغدادي إلى تنظيم "داعش" في العراق، ويترك جبهة النصرة لتعمل ضمن جناح القاعدة.

لكن أبا بكر البغدادي رفض الامتثال لأمر الظواهري، فجرى قتال بين الطرفين في العديد من المناطق، لا سيما في الجانب الشرقي المحاذي لغرب العراق. وفي أواخر عام 2013 تمكنت جبهة النصرة من إخراج داعش من معظم أراضي شمال غرب سوريا، إلا أن القتال لم ينقطع في بعض المناطق الأخرى، خصوصاً عندما اتّخذ داعش من مدينة الرقة عاصمة ثقافية له، بعد الموصل العاصمة السياسية للخلافة.

وفي مطلع عام 2014 أعلن تنظيم القاعدة تبرؤه رسمياً من داعش. وفي 29 يوليو (تموز) 2016 أعلن الجولاني انفصاله عن تنظيم القاعدة، وتغيير اسم التنظيم من جبهة النصرة إلى "أهل الشام" إلى "جبهة فتح الشام".

كان لأبي بكر البغدادي نائبان اثنان، هما أبو مسلم التركماني عن العراق، وأبو علي الأنباري عن سوريا، علاوة على سبعة عشر والياً، تسعة في سوريا، وثمانية في العراق. وهناك ولايات أخرى خارج حدود داعش، في بلدان عربية وإسلامية، منها اليمن والسعودية والبحرين ومصر وباكستان وأفغانستان والقوقاز والنيجر، وغيرها.

على الرغم من أن ثقل داعش في سوريا يتمركز في محافظات الرقة ودير الزور وحمص وحماة والحسكة، فإن سيطرته وبسط نفوذه ليست على وتيرة واحدة، إذ تتفاوت بحسب الأوضاع والمتغيرات بين منطقة وأخرى. وكان النظام السوري متواطئاً مع داعش، على سبيل المثال، في 5 مارس (آذار) 2013، سلّم الجيش السوري مدينة الرقة إلى جبهة النصرة، وسرعان ما أصبحت تحت سيطرة داعش بالكامل. وكذلك انسحب الجيش السوري من بلدة خان العسل في ريف حلب بتاريخ 27 يوليو (تموز) 2013 ليتقدم إليها داعش.

وإذا كان داعش يقتل المدنيين والجنود العلويين، فذلك لمجرد التمويه لإخفاء الأهداف الحقيقية من وجودهم وانتشارهم، وكان يفعل ذلك أيضاً بشيعة العراق. ولقد اتّهم نائب الرئيس السوري السابق، عبد الحليم خدام، إيران بإحضار داعش إلى سوريا.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء